بيع سندات دولية جديدة للمملكة قريبا مع تصاعد أزمتها
يعتزم نظام آل سعود بيع سندات دولية جديدة للمملكة قريبا مع تصاعد أزمتها الاقتصادية وتفاقم العجز في موازنتها السنوية.
وصرح مسؤول كبير بوزارة المالية في نظام آل سعود أن المملكة ربما تطرح سندات دولية في موعد قريب ربما يكون في يناير/كانون الثاني المقبل، في إطار خطط لجمع ديون بقيمة 32 مليار دولار في العام المقبل.
وذكر فهد السيف رئيس مكتب إدارة الدين العام في مقابلة، بأنه من المتوقع أن تشكل الإصدارات المحلية 55% من إجمالي خطة إصدار الدين، وأن النسبة المتبقية ستُجمع على المستوى الدولي.
يأتي الإعلان في وقت دخلت شركة أرامكو النفطية الحكومية أمس الأربعاء، رسميا سوق البورصة مع بدء تداول أسهمها محليا بارتفاع بنسبة 10% عن سعرها المحدّد مسبقا، وأصبحت عملاقة النفط السعودي أكبر شركة مدرجة في سوق مالية على مستوى العالم.
وبلغ سعر السهم بعد ثوانٍ من بدء تداوله 35,2 ريال سعودي (9,4 دولار) بزيادة 3,2 ريال (0,85 دولار) عن السعر الرئيسي، ما يرفع قيمة الشركة في يومها التاريخي هذا من 1,71 تريليون دولار إلى 1,88 تريليون دولار.
وقبل أيام أقر نظام آل سعود الميزانية السنوية للمملكة بعجز قياسي من دون أي مراقبة أو ضمان للحد الأدنى من الشفافية المعمول به عالميا.
وتبقى ميزانية المملكة أسيرة أمراضها المزمنة، والتي يتبلور أهم بنودها في غياب مشاركة مجتمع الاعمال والمجتمع الأهلي في التخطيط لها ومراقبتها، ونظرًا لغياب وجود مجلس تشريعي منتخب في السعودية، فلا يمارس مجلس الشورى الحالي هناك اي دور رقابي على الميزانية.
ونظرًا لذلك لا تتمتع الميزانية السعودية بالشفافية اللازمة، فحديث وزارة المالية عن مكونات الإيرادات على أنها إيرادات ضريبية وإيرادات أخرى، أمر يحتاج إلى تفصيل فالإيرادات الأخرى من المفترض أن تتضمن الإيرادات النفطية، وكذلك العائد من عمليات الخصخصة المستهدفة، وكذلك عوائد الصناديق السيادية السعودية، والتي تمثل ما يمكن أن نطلق عليه “الصناديق السوداء”، فما يتم نشره عن أصولها الرأسمالية، لا يخرج من المؤسسات السعودية، ولكن يأتي من خلال مؤسسة دولية معنية بالصناديق السيادية على مستوى العالم.
ففي ظل هذه المبادرات في المجالات المختلفة، وما يعلن من برامج رؤية 2030، زاد فقر السعوديين، حتى إن نسبة تقترب من 63% من المواطنين السعوديين، تقدموا للحصول على دعم “صندوق حساب المواطن” والذي يقدم دعمًا شهريًا للأسرة بحدود ألف ريال كحد أقصى، لمواجهة الآثار السلبية الناتجة عن الإجراءات التقشفية التي طبقتها الحكومة. هذا بخلاف المستفيدين من برامج الضمان الاجتماعي.
وستظل ميزانية المملكة مجرد شكل إجرائي، لا يعني المواطن السعودي منها شيء، طالما تنفرد الحكومة بإعدادها دون مشاركة مجتمعية، وفي ظل غياب الرقابة والمساءلة، عن كفاءة الإيرادات المالية في المملكة، وكذلك أوجه الإنفاق.
ويجمع مراقبون على وجود مخاطر حسيمة تهدد اقتصاد المملكة وهو ما أكده العجز الحاصل في موازنتها المتوقعة للعام 2020 التي شهدت تقليص شديد في النفقات المتوقعة ضمن عجز من المحتمل أن يرتفع ليبلغ عتبة 50 مليار دولار.
ويأتي العجز الحاصل على خلفية تراجع انتاج النفط وانخفاض أسعاره وتخبط نظام آل سعود في إدارة الشأن الاقتصادي وفساد رموزه فضلا عن فشل رؤية المملكة 2030.
ويتناقض العجز في الموازنة مع ترويج نظام آل سعود إلى سعيه لتمويل خطّة للتحول الاقتصادي ومشاريع كبرى في قطاعات غير نفطية، بينها الترفيه والسياحة.
وبلغت النفقات المتوقعة للسنة المقبلة 1020 مليار ريال، أي حوالى 272 مليار دولار، على أن يصل العجز إلى 131 مليار ريال، أي 50 مليار دولار.
وفي العام 2019، بلغت النفقات الفعلية 1048 مليار ريال، أي 279,4 مليار دولار، بينما وصل العجز إلى 131 مليار ريال، أي 35 مليار دولار، بحسب أرقام وزارة المالية.
وتشهد المملكة عجزا في موازناتها منذ خمس سنوات حين هبطت أسعار النفط بشكل كبير، واستقرّت مؤخرا عند مستوى 50 و60 دولارا. وبين 2014 و2019، وصل مجموع العجز في الموازنات إلى نحو 385 مليار دولار.
واتّفقت المملكة مع دول منتجة أخرى على خفض الانتاج في محاولة لرفع أسعار الخام. والأسبوع الماضي أعلن أعضاء منظمة الدول المصدّرة أوبك وشركاؤهم، بما في ذلك روسيا، بعد اجتماع في فيينا أنهم اتفقوا على زيادة خفض إنتاجهم النفطي بما لا يقل عن 500 ألف برميل إضافية يوميًا لدعم أسعار الخام.
ورفع هذا التخفيض سيرفع الحد من الإنتاج إلى 1,7 مليون برميل يوميًا للمجموعة التي تضم 24 دولة اعتباراً من الأول من كانون الثاني/يناير 2020.
وينفق نظام آل سعود مليارات الدولارات على مشاريع سياحية وعقارية وترفيهية ضمن خطوات ولي العهد محمد بن سلمان المثيرة للجدل للانفتاح في المملكة بما يمثل انقلابا على قيم المجتمع السعودي المحافظ.
والأرقام التي نشرت على موقع وزارة المالية والخاصة بالموازنة العامة للمملكة لعام 2020، تحمل صورة سلبية -على الرغم من إمكانية تغيرها عند إصدار الميزانية الحقيقية-، من حيث تراجع قيمة الإيرادات والنفقات وتزايد قيمة الدين العام، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم.
وكل هذه المؤشرات كفيلة بتصدير صورة سلبية عن واقع الاقتصاد بالمملكة، ومناخ الاستثمار به، فحسب أرقام وزارة المالية، والمنشورة على موقعها، يتوقع أن تتراجع الإيرادات العامة من 917 مليار ريال (244 مليار دولار) إلى 833 مليار ريال (222 مليار دولار)، أي أن القيمة المنتظرة للتراجع في الإيرادات العامة تقدر بـ 84 مليار ريال، وبما يمثل 9.1%.
أما النفقات فيتوقع لها أن تتراجع أيضًا في عام 2020 إلى 1020 مليار ريال (272 مليار دولار) بعد أن كانت في 2019 نحو 1048 مليار ريال (279 مليار دولار)، أي أن قيمة التراجع في النفقات العامة يتوقع أن تكون 28 مليار ريال، وبما يمثل نسبة 2.6%.
وكان المأمول أنه في ظل التوسع في الدين العام، أن تتزايد النفقات العامة، إن لم تبق على ما هي عليه في عام 2019، من أجل المحافظة على حالة من النشاط الاقتصادي، الذي يصدر الأمل لمجتمع الأعمال، ويحسن من مستوى معيشة المواطن.
وتعكس الأرقام المعلنة وجود عجز بين الإيرادات والنفقات بميزانية المملكة في 2020 تقدر قيمته بنحو 187 مليار ريال، وهو ما سيتم تمويله عبر الديون، والتي من المقدر لها أن تزيد خلال العام القادم لتصل إلى 754 مليار ريال مقارنة بـ 687 مليار ريال، أي ان هناك زيادة منتظرة في الدين العام السعودي بنحو 67 مليار ريال.
ويعكس تراجع النفقات العامة بالمملكة خلال العام القادم، حالة من التشاؤم بخصوص الوضع الاقتصادي، فتراجع الانفاق العام، يعني استمرار حالة الانكماش التي يعيشها الاقتصاد السعودي، وسيؤدي ذلك بلا شك إلى تقليص فرص العمل، وهو ما يقوض طموحات الحكومة السعودية ورؤية 2030 بإتاحة المزيد من فرص العمل للمواطنين السعوديين، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك أيضًا إلى التوقف عن الدخول في مشروعات عامة جديدة، أو استكمال المشروعات التي توقفت خلال السنوات الماضية.
كما تؤكد الأرقام الخاصة بتراجع الإيرادات العامة، استمرار وقوع الاقتصاد السعودي تحت وطأة تقلبات سوق النفط الدولية، وأن الحديث عن الصندوق السيادي العملاق، أو الدخول في برامج خصخصة -والتي بدأت بشركة أرامكو- لم تفلح في تمويل الميزانية السعودية ليكون لها إنفاق توسعي يعمل على إحداث حالة من الانتعاش، لحين عودة الإيرادات النفطية إلى طبيعتها.
كما أن موازنة المملكة سوف تظل تعاني من تراجع إيراداتها وزيادة العجز والاعتماد على الديون، في ظل تقدير صندوق النقد الدولي، بأن وضع توازن الميزانية السعودية يتطلب أن يصل سعر برميل النفط إلى 71 دولارا، وهو وضع غير متحقق الآن في ظل خضوع سوف النفط لتوازنات دولية، خارج نطاق سيطرة أو مساهمة حكومة آل سعود، أو حتى منظمة “أوبك” برمتها.