الإعلام الغربي يثير دور محمد بن سلمان في قتل سليماني
أثارت وسائل الإعلام الغربية ضمن تغطيتها المتواصلة لعملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني تساؤلات حول دور لولي العهد محمد بن سلمان واحتمال تعرض المملكة لهجمات من طهران ضمن ردها على العملية الأمريكية.
وسبق أن أشارت تقارير غربية في عدة مناسبا إلى رغبة شخصية من بن سلمان بالتخلص من سليماني ضمن حربه غير المعلنة مع إيران.
إذ كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تشرين ثاني/نوفمبر 2018، من خلال مناقشة مقربين من بن سلمان خططاً لاغتيال من سمَّتهم “أعداء السعودية”.من جهته ألمح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لتورط دول لم يسمها بعملية الاغتيال، من خلال حديثه أن “وزراء دول صغيرة وزعماء بالمنطقة”، وراء ما أسماه “توريط واشنطن في اغتيال القائد العسكري الإيراني”.
وسارعت الإدارة الأمريكية بعد عملية اغتيال “سليماني” بتقديم شكرها لبن سلمان، لما قالت إنه “دعم بلاده المستمر لواشنطن، وإدراكها حجم التهديدات العدوانية المستمرة التي يشكّلها فيلق القدس”، دون أن توضح مناسبة ذلك.
وبحث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال اتصال هاتفي مع بن سلمان، ما أسماه “إجراءات دفاعية حاسمة لحماية المواطنين الأمريكيين في الخارج”، وهو ما يعطي مؤشرات على وجود تنسيق أمريكي سعودي قبل اغتيال سليماني.
وبعد تداول توقعات بدور سعودي في العملية، حرص نظام آل سعود إلى الإعلان عبر وكالات أجنبية أن الإدارة الأمريكية لم تبلغ المملكة مسبقاً عن تخطيطها لاغتيال سليماني.
وتبني النظام موقف أنه في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة تؤكد “الرياض أهمية البرهنة على ضبط النفس للوقاية من أي عمل يمكن أن يؤدي إلى تصعيد”.
ولعل عدم الإعلان السعودي عن الابتهاج بالعملية، تكشفه الأزمة التي أشعلها هجوم واحد اتهمت به إيران في سبتمبر الماضي، حين استُهدفت منشأتي “بقيق” وخريص” النفطيتين، حيث أوقف نصف إنتاج المملكة من النفط لنحو 10 أيام، وهو ما دفع المملكة لفتح قنوات اتصال سرية للحوار مع طهران.
وبعد العملية، قال مصدر أمريكي مطلع لـ”سي إن إن” الأمريكية، إن إيران قد تنتقم بضرب حلفاء لأمريكا في العراق والشرق الأوسط، فيما تعتبر المملكة أحد أبرز حلفاء واشنطن، واستقبلت خلال الأشهر الماضية، الآلاف من الجنود الأمريكان.
كما تعتبر المملكة البلد الخليجي الأكثر جفاءً مع إيران، فيما تتمتع دول أخرى تستضيف قوات أمريكية، بعلاقة مستقرة مع طهران بما فيهم الإمارات أكبر حليف معلن لآل سعود.
واتسم الموقف الرسمي لآ سعود بالهدوء رغم حالة العداء الشديد مع إيران، والتحريض الذي لم يتوقف تجاه قائد فيلق القدس خلال جولات التصعيد الإعلامية مع طهران.
واكتفى نظام آل سعود في بيان له بالقول إن “تلك الحادثة جاءت نتيجة لتصاعد التوتر والأعمال الإرهابية التي نددت بها المملكة وحذرت منها في الماضي من تداعياتها”، داعيا لضبط النفس وعدم التصعيد.
لكن الصحف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي في المملكة شهدت احتفاءّ كبيراً بمقتل سليماني لوحظ عليه تدخلا فاعلا من الذباب الالكتروني لبن سلمان.
ووصفت صحف تابعة للنظام سليماني بأنها “إرهابي تم القضاء عليه، وبمقتله تم إنهاء مشاريع إيران التخريبية معه”.
وفي محاولة مفضوحة لتلميع بن سلمان من الذباب الالكتروني تم إعادة مقطع فيديو سابق لولي العهد يقول فيه إن بلاده ستعمل على نقل المعركة إلى إيران قبل وصولها إلى المملكة.
وحادثة الاغتيال وما تبعها من اتصالات أمريكية سعودية، سلطت الضوء مجدداً على تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية وترد فيه أسماء شخصيات على صلة بالإمارات أيضاً.
فالمشاورات التي تحدثت عنها الصحيفة آنذاك، تم عقدها في الولايات المتحدة مع كل من جورج نادر، رجل الأعمال الأمريكي من أصل لبناني ومستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد؛ ومع جويل زاميل، وهو إسرائيلي له صلات عميقة بوكالات الاستخبارات والأمن في بلده.
وقالت الصحيفة الأمريكية في حينها إن هذه المناقشات جرت قبل أكثر من عام من حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل مبنى قنصلية بلاده في إسطنبول التركية (أكتوبر 2018)، وعندما كان محمد بن سلمان لا يزال ولياً لولي العهد ووزيراً للدفاع.
وتابعت الصحيفة نقلاً عن مصادر لم تسمها، أن كبار مسؤولي الاستخبارات السعودية وبعض المقربين من بن سلمان، ناقشوا إمكانية استخدام شركات خاصة لاغتيال أعداء السعودية من الإيرانيين، بحسب ثلاثة مصادر كانت على دراية بالنقاشات التي جرت.
واستناداً إلى المصادر ذاتها، فإن المجموعة الصغيرة المقربة من بن سلمان ناقشت تلك الخطط منذ بداية صعوده، حيث كانت هناك توجيهات بتصعيد العمليات الاستخباراتية والعسكرية، في إطار مسعى بن سلمان لتعزيز سلطته.
كما أن نائب رئيس الاستخبارات السعودي، اللواء أحمد عسيري، عقد في آذار/مارس 2017 اجتماعاً بالرياض مع “نادر” و”زاميل”، ناقش فيه معهما خططاً لتخريب الاقتصاد الإيراني، من خلال استخدام عملاء استخباراتيين، مقدِّراً أن تلك العمليات بحاجة إلى تمويل يصل إلى ملياري دولار أمريكي.
وخلال تلك النقاشات، استفسر كبار مساعدي عسيري عن إمكانية أن تشمل الخطة اغتيال سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
بعد ذلك، انتقلت الاجتماعات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً مع نادر وزاميل، اللذين سبق أن وضعا خطة لتخريب الاقتصاد الإيراني، وكان ذلك في عام 2016، ولأنهما لم يكونا على ثقة بفوز دونالد ترامب في الانتخابات، فإنهما عرضا الخطة على الإمارات والسعودية، وفق الصحيفة.
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن نادر وزاميل ترددا في الموافقة على المقترح السعودي، وطلبا أن يشاورا محاميهما، حيث رفض المحامون تلك العمليات، فقالا للسعوديين إنهما لن يشاركا في أي عمليات اغتيال.
وأرشد نادر، السعوديين إلى شركة مقرها في لندن، تديرها قوات بريطانية خاصة سابقة، يمكنها أن تقبل مثل هذا العرض، ولكن لم يُعرف اسم الشركة.
وتنقل الصحيفة عن أحد الموالين لبن سلمان، وهو على دراية بتفاصيل مقتل خاشقجي، أن اهتمام الجنرال عسيري بالاغتيالات لم يكن مفاجئاً، لكنه غير ممثل للسياسة الرسمية للبلاد.