وسط قصور حكومي فاضح، كشفت أوساط حقوقية عن خطر يتهدد أجور متأخرة لعمال وافدين في السعودية في ظل ثغرات في برنامج السداد واستمرار وتفشي سرقة الأجور.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية إن ممثلين عن شركتَيْ بناء في السعودية أعلنوا مؤخرا أن العمال الوافدين سيحصلون على أجورهم المستحقة منذ زمن طويل، لكن ثمة ثغرات في خطة السداد تعرّض الأجور للخطر.
وأكدت المنظمة أنه ينبغي للسلطات السعودية أن تضمن حصول جميع الموظفين السابقين في هاتين الشركتين على كامل مستحقاتهم. وينبغي لها أيضا وضع تدابير صارمة بوجه السرقة المتفشية للأجور التي يتعرض لها العمال الوافدون في جميع أنحاء البلاد.
قال مايكل بَيْج، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “العمال الوافدون الذين شعروا بالارتياح بعد الإعلان أنهم سيحصلون على مستحقاتهم يريدون التشبث بتفاؤلهم رغم مرور عقد تقريبا. لكن من المهم للغاية أن يضمن أمناء الإفلاس والتصفية، والسلطات السعودية، وبلدان المنشأ للعمال الوافدين تنفيذ هذه الوعود كاملة”.
في 2016، بعد فترة من انخفاض أسعار النفط والركود الاقتصادي في السعودية، تخلفت شركات عدة عن سداد أجور مئات آلاف العمال الوافدين، الذين تقطعت بهم السبل نتيجة ذلك.
وفي أواخر 2023، أعلن أمناء تصفية “شركة سعودي أوجيه المحدودة” وأمين إفلاس “مجموعة محمد المعجل”، وهم أمناء الشركتين السعوديتين اللتين واجهتا تحديات من هذا النوع، وتخضعان حاليا للتصفية والإفلاس على التوالي، أن على الموظفين التسجيل للحصول على مستحقاتهم.
حجم الأجور غير المسددة مهول. إذ قدّرت محكمة التنفيذ في الرياض في 2019 أن سعودي أوجيه، التي تمت تصفيتها الآن، مدينة بأكثر من 2.6 مليار ريال سعودي (693 دولار أمريكي) كأجور غير مدفوعة وغيرها من المستحقات للعمال.
وبناء على مصادر إعلامية وتصريحات من دول المنشأ، تخلّفت هاتان الشركتان عن دفع أجور 21 ألف عامل على الأقل من باكستان، وبنغلادش، والفليبين، ونيبال.
في يناير/كانون الثاني 2024، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 27 عاملا وافدا من باكستان، وبنغلادش، والسنغال، والفليبين، ونيبال، والهند قالوا إنهم كانوا موظفين سابقا في سعودي أوجيه أو مجموعة محمد المعجل. راجعت الباحثون أيضا سجلات أجور وشيكات العديد من العمال.
قال العمال إنهم عملوا بين ثلاث سنوات و20 سنة في السعودية، وإن لديهم مستحقات لدى إحدى الشركتين تبلغ 80 ألف ريال سعودي (21,333 دولار أمريكي)، منها تعويضات نهاية الخدمة.
ومن بين العمال الـ 27 الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش، قال موظفان سابقان في سعودي أوجيه، أحدهما ما يزال مقيما في السعودية، إنهما حصلا على شيكات عن أجور متأخرة وتمكنا من صرفها.
قال ستة آخرون إن الشيكات وصلتهم عبر البريد لكنهم لم يتمكنوا من صرفها. وما يزال 12 آخرون ينتظرون الشيكات أو تفاصيل إضافية بعد التسجيل، بينما لم يتمكن سبعة موظفين من التسجيل بسبب الأسماء أو أرقام الطلبات الناقصة.
في نهاية فبراير/شباط 2024، تابعت هيومن رايتس ووتش أيضا حالة 10 من العمال الـ 27، لكنهم أفادوا بعدم وجود تغييرات في وضع تسجيلهم أو مدفوعاتهم.
ثمن تخلّف أصحاب العمل عن سداد أجور العمال لفترات طويلة قد يكون مأساويا من الناحية المادية والنفسية لهم ولعائلاتهم.
قال عامل وافد في سعودي أوجيه: “أشعر بتوتر دائم بشأن أجري لأنني خسرت عرقا ودما لكسب كل قرش. أنا الآن مصاب بارتفاع ضغط الدم… أعيش حياة صعبة جدا. اضطررت إلى الاقتراض من المصارف لأدير أمور عائلتي، وأسدد كلفة علاجنا [الطبي]. إذا حصلت على هذه الأموال، سأتمكن من سداد القروض. وإلا سأُدمَّر”.
ويتذكر العمال بوضوح اضطرارهم إلى الاعتماد على سفارات بلدانهم أو السلطات السعودية في 2016 من أجل الغذاء والعودة إلى ديارهم عندما لم تُدفَع أجورهم.
لجأ آخرون إلى مدخراتهم أو حصلوا على مساعدة عائلاتهم في بلدانهم، بما في ذلك عبر الاقتراض. قال بعض العمال إنهم علقوا في السعودية، لأنهم لم يقبضوا أجورهم ولم يتمكنوا من مغادرة البلاد بسبب عدم تجديد الشركة إقاماتهم.
قال العمال إنهم اعتمدوا على أنفسهم ومنصات التواصل الاجتماعي خلال سنوات ليبقوا على اطلاع على تطورات الخطط لسداد الأجور المتأخرة.
استمر البعض بالصراع لنيل أجورهم بعد عودتهم إلى بلدانهم. قال عامل فليبيني: “في الفليبين، تجمع زملائي. ذهبوا إلى شارع منديولا [أحد شوارع مانيلا، غالبا ما يشهد مظاهرات]، وقفوا هناك، وقدموا مقابلات إعلامية، ثم تفرقوا سلميا. وتواصلنا مع إدارة رعاية العمل في الخارج، وقسم العمال المهاجرين، إلخ”.
أفادت مصادر إعلامية بأن المحادثات الدبلوماسية بين الفليبين والسلطات السعودية تمحورت حول عدم سداد أجور آلاف العمال الوافدين، وقدمت السلطات السعودية ضمانات بأن العمال سيحصلون على أجورهم.
في 6 فبراير/شباط، أعلنت السلطات الفليبينية أن 843 شيك، من أصل 1,104، سُوّيت وأُودعت في حسابات العمال الوافدين، ويصل مجموعها إلى 868.7 مليون بيزو (15.5 مليون دولار أمريكي تقريبا). إلا أن أكثر من 9 آلاف عامل ما يزالون ينتظرون مستحقاتهم.
قالت السلطات وأشخاص تمت مقابلتهم إن آلاف العمال الوافدين الباكستانيين لم يتمكنوا من تسجيل معلوماتهم بطريقة صحيحة. قال ثلاثة عمال ينشطون على منصات التواصل الاجتماعي إنهم يساعدون أقرانهم على تسجيل طلباتهم.
وقال أحدهم: “نساعد الذين يتصلون بنا على منصات التواصل الاجتماعي، لكننا لا نعرف ما عدد العمال المتبقين الذين لا يعلمون بهذه الخطط”.
قال ابن موظف سابق في مجموعة محمد المعجل إن والده، الذي لا يجيد استخدام التكنولوجيا، سمع بالدعوة إلى التسجيل من برنامج إخباري عبر إذاعة محلية في نيبال وطلب من ابنه أن يسجله.
وأكدت المنظمة أنه ينبغي للسلطات تعزيز جهودها للتواصل مع العمال لضمان أن جميع العمال المؤهلين قد أُبلِغوا بالبرنامج ويستطيعون تسجيل معلوماتهم بسهولة.
قال عامل نيبالي بعد أن فقد الأمل في الحصول على أمواله إن إعلان سفارة بلده عن برنامج السداد كان مفاجأة سارة له. وقال إنه تسجل وهو الآن ينتظر الشيك، مضيفا: “بهذه الأموال، سأفتح مشروعا تجاريا في قريتي”.
قال عامل باكستاني في وضع مشابه: “بمجرد حصولي على المال، إن شاء الله، سأفتح شركتي الخاصة، أو أهتم بزواج شقيقتي، أو أبني منزلا، أو أجد عملا. ستخفف هذه الأموال المشاكل والتوترات التي واجهتها”. بينما قال عامل هندي، وهو يشعر بالارتياح لتمكنه من صرف الشيك: “لماذا أكون سعيدا؟ هذا حقنا”.
العمال الذين حصلوا على شيكاتهم يواجهون مشاكل عملية في صرفها. قال عامل بنغلادشي إنه أجرى اتصالات دولية مستميتة وباهظة الثمن بمصرف الإنماء، المصرف السعودي الذي أصدر الشيكات لموظفي سعودي أوجيه السابقين. عندما تلقى أخيرا الشيك، لم يقبل أي مصرف في بنغلادش بصرفه.
قال موظف آخر إن مصرفا محليا في بنغلادش قبل الشيك منه، لكن الحصول على الأموال سيستغرق أسابيع. أما العمال الفليبينيون الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات، فقالوا إنهم أودعوا شيكاتهم لكن، على حد تعبير أحدهم، المصارف المحلية “تنتظر أن يحول مصرف الإنماء أمواله إلى مدخراتنا”.
قال العمال السبعة الذين تمت مقابلتهم ولم ترد أسماؤهم في قائمة الطلبات الأصلية، أو لم يحصلوا على رقم طلب، إن مستحقاتهم تبلغ آلاف الدولارات. ليس من الواضح بالنسبة لهم لماذا تم استثناؤهم. قال أحدهم عن مسؤولي سفارة بلاده: “كل ما قالوه لي هو أن الأسماء الواردة في القائمة التي يقدمها [أمناء الإفلاس في مجموعة المعجل] فقط هي المؤهلة لتقديم طلب”.
في منشورات على منصات التواصل الاجتماعي لدعوة الموظفين السابقين في سعودي أوجيه ومجموعة المعجل السابقين إلى تقديم طلباتهم، تساءل العديد من العائدين من السعودية من شركات أخرى، لديهم المظالم نفسها، ما إذا ستكون هناك دعوات مماثلة من أصحاب عملهم السابقين.
وثّق بحث هيومن رايتس ووتش انتشار حالات سرقة الأجور من قبل أصحاب العمل وعودة العديد من العمال إلى بلدانهم بدون مستحقاتهم. وجدت هيومن رايتس ووتش أن سرقة الأجور منتشرة رغم إعلان السلطات السعودية عن مختلف المبادرات الإصلاحية.
قال بَيْج: “العمال الذين يهاجرون من أجل فرص أفضل يجب ألا يعودوا إلى ديارهم من السعودية بوفاضٍ خالٍ. هذه فرصة لا تُعوَّض لمعالجة الظلم المستمر، ومن الضروري أن تحصل السلطات السعودية على معلومات صحيحة وتضمن تعويض جميع الأجور المستحقة للعمال، لا سيما قبل الأحداث الضخمة التي ستعتمد بشكل تام على العمال الوافدين”.