رموز إصلاحية بارزة في سجون آل سعود
أعادت وفاة الناشط الحقوقي البارز الحقوقي عبد الله الحامد، الحديث مجددا عن حدة انتهاكات سجون آل سعود وأعداد المعتقلين السياسيين فيها بما في ذلك رموز الدعوة للإصلاح في المملكة.
وخطفت حملة الاعتقالات التي شنتها سلطات آل سعود في أيلول/ سبتمبر 2017 بعد وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، الأضواء من ملف المعتقلين السياسيين الذين بلغ تعدادهم الآلاف في عهد الملك عبد الله.
وشكّلت الأسماء الشهيرة وذات الشعبية الكبيرة التي راحت ضحية هذه الحملة رأيا عاما محليا وعربيا، يطالب بالإفراج عن الدعاة والكتاب وغيرهم، وفي مقدمتهم الدعاة (سلمان العودة، عوض القرني، علي العمري، وأكثر من 100 آخرين).
ويتفق الإصلاحيون المعتقلون على رفض جميع أشكال العنف ضد السلطة، ويرون الحل في توفير حياة سياسية حقيقية في ظل وجود العائلة الحاكمة.
وبرز من بين هذه الأسماء، الطبيب والمفكر سعود الهاشمي المحكوم عليه بالسجن 30 سنة (قضى قرابة نصفها)، إضافة إلى رفيقيه في ذات القضية (إصلاحيي جدة) موسى القرني وعبد الرحمن الشميري، وهناك آخرون من جمعية “حسم”.
والهاشمي أستاذ جامعي واستشاري طب أسرة سابق بمستشفى الملك عبد العزيز في جدة، يبلغ من العمر 56 عاما، اعتقل في العام 2007، وقال ذووه إنه تعرض للتعذيب، ويعاني حاليا من مشاكل صحية عديدة.
ارتفع صوت الهاشمي عاليا مناديا بالإصلاح السياسي، وركّز في مطالبه على ضرورة إحداث تغيير سلمي، منتقدا الدور السلبي لكبار المشايخ في السعودية تجاه الفساد السياسي والاقتصادي، إضافة إلى مطالبته بتغيير آلية اختيار القضاة.
برز الهاشمي كداعم رئيس للقضية الفلسطينية، وكان يجمع التبرعات بشكل علني في ديوانيته بجدة، واستضاف بها القيادي في حركة حماس، ووزير الخارجية آنذاك محمود الزهار.
ونشط الهاشمي إبان الغزو الأمريكي على العراق، وذهب على رأس وفد إغاثي لتقديم الدعم الطبي، وحصل على شهادات شكر وتقديم من جمعيات وأمراء، عند عودته إلى المملكة.
وفي أواخر 2011، قضت محكمة في الرياض، بالسجن 30 سنة على الهاشمي، ومنعه من السفر 30 سنة أخرى بعد انقضاء محكوميته، إضافة إلى غرامة قيمتها مليون ريال.
واتُهم الهاشمي بـ”الخروج على ولي الأمر، ونزع يد الطاعة من خلال الاشتراك بتأسيس تنظيم سري يهدف إلى إشاعة الفوضى والوصول إلى السلطة، وعقد اجتماعات سرية لوضع خطط استراتيجية لهذا التنظيم”.
واتهم الهاشمي بـ”انتهاج منهج الخوارج في تكفير ولي الأمر والطعن في ديانته، وغسيل الأموال من خلال جمع التبرعات والتحريض على ذلك”، رغم أنه أكد مرارا عدم إيمانه بالتكفير منهجا، إضافة لدعواته المتكررة لتنظيم القاعدة بعدم تنفيذ أي عملية في السعودية.
واللافت أن سعود الهاشمي الذي تردت حالته الصحية في السنوات الأخيرة، كان يتنبأ بأن السجن سيكون مصيره، إذ سجل فيديو مطولا قبل شهور من اعتقاله، ونشر بعد اعتقاله، يتحدث فيه عن أنه سيذهب ضحية المطالبة بإنهاء الاستبداد، وذلك بعد تعرضه لمضايقات أمنية عديدة، ومنعه من الخطابة.
وقال الهاشمي إن المشكلة تكمن في الاستبداد، وفي صمت المشايخ على فساد بعض الأمراء، وقال: “تعقد صفقة بـ70 مليون دولار ثم يأتي بعض طلاب العلم ينكرون على امرأة كشفها عن وجهها، لكن أين أنتم ممن يعقد هذه الصفقة، هذا الفكر يعالج الجزئيات ولا يعالج الكليات”.
وانتقد الهاشمي آلية تعيين القضاة، معتبرا أحكامهم ظالمة، وداعيا إلى اختيار قضاة أكفاء، وتطبيق مبدأ فصل السلطات بشكل حقيقي.
وقال الهاشمي عن نهجه: “هذا الخط الذي هو خط يتجاوز الشخص ويتجاوز الأنا إلى مصلحة الوطن، ومصلحة الأمة ومصلحة أهلنا في بلدنا الحبيب، هذا الخط لا يعجب البعض، فأراد أن يسكت أصواتنا ويكمم أفواهنا، وهذا ما لا يكون إن شاء الله إلا أن تخرج أرواحنا من أجسادنا، عندها فقط يستطيعون أن يسكتونا، ولن يسكتونا بإذن الله، لأن كل قطرة دم، وكل سوط نضرب به سيكون إن شاء الله إضاءة لكل من خلفنا للسير في طريق النضال”.
وتنبأ الهاشمي بما سيحصل له، قائلا: “لو أخذنا إلى السجون سيأتون بمن يشهد علينا، من الكذابين والمبطلين في أماكن أعمالنا، وربما في زملائنا ممن انتسب إلى الدعوة زورا ممن آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، وإننا نعلم أن الموعد يوم القيامة، إلى ديان يوم الدين نمضي، وعند الله تجتمع الخصوم”.
وتابع بأن دعوته إلى التغيير السلمي الذي يغير الثقافة، تحتاج إلى تضحيات حتى “يلتفت الناس المساكين الذين غيبت عقولهم”.
ويبرز ضمن رموز الإصلاح المعتقلين موسى القرني وهو داعية وأكاديمي يحمل درجة الدكتوراه في أصول الفقه، وعمل في التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وعميدا لشؤون الطلبة في ذات الجامعة.
كما أنه عمل مدرسا في جامعة ببيشاور الباكستانية، وكان مديرا للأكاديمية الإسلامية للعلوم والتقنية التابعة لهيئة الإغاثة الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي في بيشاور أيضا.
بعد إحالته إلى التقاعد بقرار ملكي، عمل في المحاماة والاستشارات الشرعية، وكان له ديوانية سبتية (اجتماع كل سبت) في منزله، للتحدث عن الإصلاح الداخلي.
ورغم محاولة السلطات ربطه بالإرهاب، بالاستناد إلى ذهابه سابقا لأفغانستان وباكستان، ومعرفته بأسامة بن لادن، إلا أن موسى القرني ذهب وعاد في الفترة التي كانت تدعم فيها السعودية “الجهاد الأفغاني”.
وأيّد القرني في تصريحات صحفية ما تقوم به وزارة الداخلية من محاورة أصحاب الفكر المتشدد في السجون، إلا أنه لم يسلم من الاعتقال لاحقا.
اعتقل القرني في عام 2007، وحُكم عليه في ذات القضية مع الهاشمي وآخرين بالسجن 20 عاما، والمنع من السفر بعد انقضاء محكوميته 20 عاما، علما بأنه يبلغ من العمر حاليا 66 عاما.
في أيار/ مايو 2018، فجع ذوو موسى القرني بتعرضه لجلطة دماغية، تسببت في نقله إلى مستشفى للأمراض العقلية في جدة، حيث يقيم لغاية الآن.
ومن رموز الإصلاح المعتقليم عبد الرحمن الشميري وهو أكاديمي متقاعد من جامعة أم القرى، وعمل مستشارا في مجلس الشورى لسنوات، اعتقل ضمن قضية إصلاحيي جدة في 2007، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات، رفعت لاحقا إلى 15 سنة، علما بأنه يبلغ من العمر حاليا 70 عاما.
وفي كانون ثاني/ ديسمبر 2003، كان الشميري أحد الموقعين على وثيقة إصلاحية أرسلت إلى ولي العهد حينها الأمير عبد الله بن عبد العزيز، وطالبت بإشراك الشعب في الحياة السياسية عبر الانتخابات، وفصل السلطات الثلاث.
وتبع ذلك توقيع الشميري على عدة وثائق وبيانات، من ضمنها المطالبة بالإفراج عن ثلاثة حقوقيين اعتقلوا إثر رسالة تدعو للإصلاح، ومن بينهم الراحل عبد الله الحامد.
وقالت زوجته وجنات ميمني، إن الشميري يعاني من ارتفاع في ضغط الدم والسكري. اللافت أن الشميري والقرني والهاشمي، وضعوا في زنازين انفرادية لشهور طويلة، ولم يشملهم أي قرار بالإفراج بكفالة أسوة بأكثر من 15 آخرين رُبطت أسماؤهم بقضية “إصلاحيي جدة”.
ومن هؤلاء كذلك محمد القحطاني وهو أستاذ اقتصاد حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة إنديانا الأمريكية، وعمل في معهد الشؤون الدبلوماسية بوزارة الخارجية سابقا.
والقحطاني (55 عاما) هو أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية “حسم”، واعتقل في آذار/ مارس 2013، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات والمنع من السفر 10 سنوات أخرى.
ويعد القحطاني رفيقا للراحل الحامد في “حسم”، صرح في ندوات علنية بوجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل السجون السعودية. (شاهد)
وصعّد القحطاني ملف التعذيب في السجون، والاعتقالات التعسفية إلى المنظمات الدولية، بعد تجاهل القضاء السعودي لعشرات الشكاوى التي رفعتها “حسم” بهذا الخصوص.
وشارك القحطاني في إرسال خطاب للعاهل السابق الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2009، يدين المحاكمات السرية للمتهمين بقضايا متعلقة بالإرهاب.
وكان القحطاني من أوائل المطالبين بحقوق أوسع للمرأة السعودية، وأعلن منتصف العام 2011 أنه منح زوجته قيادة السيارة وسط الرياض لنحو ساعة، علما بأن قيادة المرأة حينها كانت مجرّمة قانونيا.
وقال القحطاني قبيل جلسة الحكم عليه: “من مشى في هذا الطريق مستعد للذهاب إلى السجون، ولن تخيفنا السجون”.
وكان القحطاني من أبرز المنادين بمنح تراخيص لمؤسسات المجتمع المدني، قائلا إنه كلما قلّ وتقلص دور هذه الجمعيات، زاد استبداد النظام.
ووصف القحطاني حالة الشعوب الخليجية بأنها تتفرج على الصراع بين النخب الحاكمة، لترى من سيرثها ويقودها، وكأنها قطيع من الماشية.
وقال في إحدى ندواته: “الشعوب الخليجية ستصل إلى السلطة حتما، وإن طال الزمان، وذلك عبر 4 سيناريوهات، أولها الملكية الدستورية مع احتفاظ الأسرة الحاكمة بمنصب تشريفي”، إلا أنه استبعد ذلك نظرا لتمسك هذه الأنظمة بمفاصل الحكم.
السيناريو الثاني بحسب القحطاني هو استمرار الأنظمة بالنهج القمعي، ومصادرة الحريات، وعندها ستصل الأمور إلى صدام بين الشعب والحكام، وتنبأ القحطاني عبر السيناريو الثالث باحتمالية سقوط الأنظمة الخليجية عبر الصراع بين صناع القرار، وهو ما حدث جزء منه بالسعودية بإقصاء ولي العهد محمد بن سلمان لكافة أبناء عمومته من المناصب الحساسة.
وأضاف أن السيناريو الرابع سيكون سقوط هذه الأنظمة في حال حدوث حرب بالمنطقة.
ويبرز في قائمة رموز الإصباح المعتقلين عبدالكريم الخضر وهو أكاديمي وحقوقي من مؤسسي جمعية “حسم”، حكم عليه بالسجن 8 سنوات منتصف العام 2013، إضافة إلى منعه من السفر 10 سنوات عند انقضاء مدة الحكم.
كان الخضر (56 عاما) رئيسا لفريق الدفاع عن الراحل عبد الله الحامد عند اعتقاله في 2008، قبل أن يؤسسا مع آخرين جمعية “حسم”.
الخضر، وهو أستاذ في الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة القصيم، طرح آراء مختلفة للمدرسة السلفية التقليدية في السعودية، إذ إنه أيد مشروعية المظاهرات، والإضراب للسجناء، وتحدث بمنظور مختلف عن مصطلح “ولي الأمر”.
وقال الخضر في مذكرة تلاها أمام القاضي بجلسة محاكمته: “لماذا نحاكم الآن؟ لا نحاكم لأننا سبب خسارة الشعب في سوق الأسهم، ولا لأننا أخذنا المليارات بصفقات الأسلحة، ولا لأننا وضعنا الشبوك على ملايين الأمتار من أراضي المسلمين، ولا لأننا اعتقلنا الآلاف من الشباب وأبقيناهم في السجون سنين دون محاكمة”.
ردد الخضر عبارة مفادها أن “الأمة نشأت ذليلة بسبب مفهوم طاعة ولي الأمر، الذي يجعل شخصا واحدا يتحكم في القرار”، وقال: “في الدول العربية، الواحد يسوق الأمة كلها إلى حرب، والواحد يوقف الحرب كلها، والواحد يعبث بأموال الأمة وحقوقها، وذلك لعدم وجود دستور يحتكم إليه الجميع”.
الخضر كان من أشد المطالبين بالتزام السعودية باتفاقية مناهضة التعذيب التي أقرت عام 1987، ورسم آمالا بعيدة لملاحقة القضاة والمحققين الذين انتهكوا حقوق الإنسان محليا، لدى المحاكم الدولية.
والخضر المختص في أصول الفقه، أكد أن مساواة الخروج على الحاكم باللسان بالخروج عليه بالسلاح، “بدعة” لا أصل لها في الإسلام، واستحدثها فقهاء متأخرون.