تتجاهل سلطات آل سعود الأوضاع الحقوقية والصحية لمئات المعتقلين والمعتقلات داخل سجون السعودية رغم الدعوات الأممية والدولية لاحترام حقوق المعتقلين.
وتعتقل سلطات آل سعود المئات من كبار العلماء والدعاة والحقوقيين والإعلاميين والأكاديميين من كلا الجنسين منذ عدة أعوام، غالبيتهم ضمن حملة سبتمبر/ أيلول 2017م، دون تهم معلومة.
وتمنع تلك السلطات الأدوية والعلاج اللازم عن المعتقلين المرضى، وترفض حتى الإفراج عن كبار السن من هؤلاء المعتقلين رغم مكانتهم الدينية والاجتماعية في المملكة.
وأبرز المعتقلين المرضي الذين ترفض سلطات آل سعود منحهم الدواء هم: المفكر الإسلامي د. سلمان العودة ود. محمد الحضيف وآخرين.
وتعزل الأجهزة الأمنية – بأوامر عليا – بعض المعتقلين العاجزين عن قضاء حوائجهم، كالشيخ د. سفر الحوالي والقيادي في حركة حماس د.محمد الخضري وآخرين.
وتعمد السلطات الأمنية إهمال نظافة الزنازين بينما يضرب فيروس كورونا المملكة بشدة.
كما تعمد إلى تمديد اعتقال أصحاب الأمراض المزمنة أو الإعاقات الجسدية، كالدكتور زايد البناوي وزهير كتبي وضيف الله زيد السريح وآخرين.
وكشفت مؤسسات حقوقية عن إعطاء السلطات الأمنية عقاقير وأدوية نفسية لمعتقلي رأي داخل السجون ما تسبب لهم بأمراض وإدمان.
وسبق أن تعمدت سلطات آل سعود تأخير العلاج وموعد العمليات الطبية لبعض المعتقلين كما حصل مع الحقوقي الدكتور عبد الله الحامد الذى توفى داخل السجن في إبريل/ نيسان 2020م.
وليس هذا فحسب، بل تجاهلت سلطات آل سعود إهمال علاج الجروح والكسور للمعتقلين إزاء تعرضهم للضرب والتعذيب كما حصل مع المعتقلين لجين الهذلول والدكتور علي العمري وآخرين.
وتعتقد مؤسسات حقوقية أن الصمت الأممي والدولي إزاء جرائم آل سعود سيدفع بالمزيد من ضحايا المجرم ولى العهد داخل المملكة وخارجها.
وحذرت مؤسسات حقوقية من سياسية الإهمال الطبي، والاغتيال البطيء الذي تتعمده سلطات آل سعود بحق المعتقلين كما حصل مع الصحفي الراحل صالح الشيحي.
وفجر حساب سعودي شهير، قبل أيام، تسريبات جديدة حول ظروف وفاة الصحفي صالح الشيحي في 20 تموز/يوليو الماضي بعد تدهور حالته الصحية منذ خروجه من سجون آل سعود في مايو الماضي.
وقال حساب “العهد الجديد” عبر “تويتر” إن “صالح الشيحي كاتب الوطن، جرى تسميمه عمداً بأخر وجبة عشاء قدمت له قبل خروجه من السجن بيوم واحد”.
وأضاف “العهد الجديد: “كان ـ رحمه الله ـ قد اشتكى من ضيق وآلام مختلفة عقب خروجه بوقت قريب (يومين)، نقل على إثرها إلى المستشفى، ثم توفي بعد ذلك”.
وسبق أن نفذ نظام آل سعود حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول التركية في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، حيث تم تقطيع جثته بالمنشار ثم التخلص منها بعد ذلك بشكل لم تفصح عنه سلطات آل سعود حتى الآن.
أما آخر واقعة قتل بطيء وممنهج عبر الإهمال الطبي في سجون المملكة فكانت من نصيب الدكتور عبدالله الحامد الناشط والأكاديمي السعودي، سبقه في ذلك الدكتور صالح الضميري والدكتور أحمد العماري، مرورا بالشيوخ تركي الجاسر، سليمان الدويش وفهد القاضي.
والأكاديمي السعودي الدكتور عبدالله الحامد توفي مطلع شهر رمضان 24 أبريل/نيسان 2020، في معتقله نتيجة تدهور حالته الصحية وإصابته بجلطة، ثم تركه لأكثر من 4 ساعات في غيبوبة قبل نقله للمشفى، الأمر الذي أدى إلى وفاته.
وكشف حساب “معتقلي الرأي” أن “الحامد كان محتاجا منذ عدة شهور لإجراء قسطرة قلبية، غير أن السلطات ماطلت في ذلك حتى أصيب بجلطة دماغية، ثم أهملت إسعافه لساعات في السجن، حتى توفي”.
وأكدت منظمة القسط الحقوقية أن “الحامد أحد أبرز المعتقلين السياسيين في السعودية يعاني من وضع صحي متدهور، منذ أكثر من 3 أشهر، ولم تقبل السلطات الإفراج عنه رغم سنه الذي شارف على الـ70 عاما”
ورحلة الحامد مع السجون بدأت عام 1993، اعتقل 6 مرات، أولها في يونيو/حزيران 1993، وآخرها في 9 مارس/آذار 2013.
سبق ذلك وفاة الداعية المعروف الشيخ فهد القاضي، داخل سجون آل سعود في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نتيجة الإهمال الطبي بحسب اتهامات عائلة القاضي.
وفاته داخل السجن أثارت غضبا شعبيا كبيرا ظهر على شكل حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وشاركت حشود كبيرة في تشييعه والصلاة على جنازته بمسجد الراجحي في الرياض.
وأما الشيخ الدكتور أحمد العماري عميد كلية القرآن في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، هو الآخر كان أحد ضحايا نظام آل سعود لكن بالتعذيب والإهمال الطبي معا.
فمع أن الدكتور العماري توفي بسبب جلطة دماغية، بعد إهمال حالته الصحية وعدم القيام بإجراء تدخل طبي بشكل عاجل، إلا أن الناشط الحقوقي السعودي ورئيس منظمة “قسط” يحيى العسيري أفاد بأن الشيخ العماري تعرض للضرب والتعذيب والتعليق من القدمين، في سجن ذهبان، بالقرب من مدينة جدة، الأمر الذي أسهم بتدهور حالته النفسية والجسدية.
وكان الشيخ العماري قد اعتقل في يناير/كانون الثاني 2019، قبل 5 أشهر من تصفيته داخل السجون، على خلفية انتقاداته للعائلة الحاكمة وهيئة كبار العلماء.
وعلى إثر دخول العماري في غيبوبة، اتصلت سلطات آل سعود بأسرته وأخبرتهم بأنها أسقطت جميع التهم الموجهة له، وحررت أمرا بالإفراج عنه، غير أن العماري كان حينها في حالة موت دماغي، بعد إصابته بالجلطة ونقله في وقت متأخر إلى إحدى مستشفيات المملكة.
ولا يشترط أن تكون معارضا أو منتقدا للنظام حتى تدخل قائمة المستحقين للموت، فيكفي أن تؤيد معتقلي الرأي، كما هو الحال مع الشيخ صالح الضميري، الذي اعتقلته سلطات آل سعود عقب تصريحاته المناصرة لمعتقلي الرأي.
دفع الضميري حياته ثمنا لمواقفه، وتوفي بسبب إهمال طبي مع مرضه بالقلب، في سجن الطرفية بمنطقة القصيم (وسطا) في أغسطس/آب 2019.
شملت القائمة أيضا الصحفي السعودي تركي الجاسر، الذي كشفت صحيفة “مترو” البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أنه قتل تحت التعذيب في المعتقلات السعودية، بعد قيام مكتب تويتر في دبي، بكشف هويته الحقيقية للسلطات السعودية.
وقالت الصحيفة: “الصحفي تركي الجاسر اعتقل في مارس/آذار 2018 باعتباره صاحب حساب (كشكول)، والذي كان متخصصا في نشر معلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل أفراد العائلة المالكة ومسؤولين في السعودية، ثم توفي أثناء تعرضه للتعذيب في المعتقل”.
وأشارت الصحيفة إلى أن هوية الجاسر الحقيقية سربت من قبل موظفين بمكتب “تويتر” في دبي، الذي تورط في التجسس على حسابات منشقين سعوديين، بحسب الصحفية.
كذلك الشيخ سليمان الدويش ممن دفع حياته ثمنا لآرائه، حيث كتب سلسلة تغريدات على تويتر حذر خلالها الملك سلمان، بشكل غير مباشر، من منح الثقة لابنه ولي العهد محمد بن سلمان، الذي وصفه بـ”المراهق والمدلل”.
بعد أقل من يوم نشره التغريدات، في أبريل/نيسان 2016، اعترضت الأجهزة الاستخباراتية طريقه خلال زيارته إلى مكة المكرمة، وقامت بإخفائه قسريا لأكثر من 15 شهرا، قبل أن تتلقى العائلة اتصالا وحيدا من الشيخ الدويش.
وفي أغسطس/آب 2018، أعلن حساب “معتقلي الرأي” وفاة الدويش في السجون السعودية جراء التعذيب. وأضاف الحساب: “تأكد لنا خبر وفاة المعتقل الشيخ سليمان الدويش تحت التعذيب في السجن، ويتحفّظ حساب معتقلي الرأي عن ذكر تفاصيل التعذيب الذي تسبب بوفاة الدويش تقديرا لشخصه”.
ومازالت سجون آل سعود تمتلئ بمعتقلي الرأي، وينتظر البعض مصيرا مماثلا، في ظل تواتر أنباء عن اعتزام سلطات آل سعود إصدار حكم الإعدام بحق عدد من الدعاة، بينهم الشيوخ سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، حيث تطالب النيابة العامة بقتل الأول تعزيرا.