دعوات واسعة للتصدي للتبييض الرياضي لمحمد بن سلمان
تصاعدت الدعوات في أوساط حقوقية وإعلامية للتصدي للتبييض الرياضي الذي يسعى إليه ولي العهد محمد بن سلمان من أجل التغطية على جرائمه وانتهاكاته لحقوق الإنسان.
والتبييض الرياضي مصطلح الذي تستخدمه منظمات حقوق الإنسان الدولية عادة في توصيف الأنشطة والفعاليات الرياضية التي يقوم بها بن سلمان لتبييض صورته.
وقد عاد المصطلح ليطفو على السطح الأسبوع الماضي، مع سعى بن سلمان، وعبر صندوق الاستثمار السيادي السعودي، إلى شراء نادي نيوكاسل يونايتد الذي ينشط في الدوري الإنكليزي الممتاز، بموازاة حملة حقوقية دولية للضغط على رابطة الأندية الإنكليزية واتحاد كرة القدم والحكومة البريطانية لرفض الصفقة التي تحمل طابعا سياسيا واضحا، ولا يجري أصلاً إخفاء أهدافها السياسية والإعلامية من بن سلمان ورجاله.
وتضمّن التبييض الرياضي استضافة المملكة فعاليات ومنافسات دولية على أراضيها، مثل مباريات كؤوس السوبر الإسباني والإيطالي ومباريات دولية ودّية لمنتخبات عالمية، إضافة إلى مسابقات للمصارعة الحرّة، وأخيراً الدورة السنوية لرالي داكار الدولي للسيارات.
ويعتبر السعي إلى شراء نيوكاسل أول تبييض رياضي خارجي لبن سلمان، بالمعنى الجغرافي وليس السياسي الإعلامي، إذا استثنينا شراء صديقه المقرب منه، والمشرف على هذه العملية تركي آل الشيخ، نفسه لنادي العامرية (الميريا) الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى في إسبانيا، ما يطرح تساؤلا عن مصدر ثروة هذا الرجل، وكيف له أن يدفع ملايين الدولارات لشراء نادٍ باسمه الشخصي، فيما هو موظف حكومي، أو يفترض أنه كذلك.
وكان بن سلمان قد سعى أولاً إلى شراء نادي مانشستر يونايتد، أحد أعرق الأندية في إنكلترا وأوروبا والعالم. الصفقة التي عمل عليها تركي الشيخ أيضاً، قبل أن يظهر أخيراً اسم ياسر الرملان، رئيس صندوق الاستثمار السعودي في صفقة نيوكاسل، ما يؤكد الطابع الرسمي لها.
وقد تعثرت تلك الصفقة لرفض مالكيه الامريكان “نظراً لوضعه المادي المستقر نسبياً”، على الرغم من الإغراءات الكبيرة، واستعداد بن سلمان لدفع ما يتجاوز المليار دولار ثمناً للصفقة، بموازاة رفض جماهير النادي العريق القاطع فكرة بيع النادي لبن سلمان.
ودذع ذلك بن سلمان إلى تحويل أنظاره إلى نيوكاسل الذي يملك تاريخا لا بأس به في الكرة الإنكليزية، واستغلالاً للحالة المتعثرة التي يعانيها الآن، لم يمانع جمهوره محاولات إنقاذه وإخراجه من المكان الذي لا يليق به أبداً مع هبوطه إلى الدرجة الأولى منذ سنوات، ثم مراوحته في أماكن الهبوط معظم المواسم الماضية السابقة.
من الزاوية الرياضية، إذن، يشبه نيوكاسل تقريباً نادي مانشستر سيتي، قبل أن تشتريه طبعاً العائلة الحاكمة في الإمارات، وتحوّله إلى أحد أندية القمة في إنكلترا وأوروبا مع تبييض رياضي أيضاً، ولكن ليس بوتيرة مكثفة وفظّة، كما فعل ويفعل بن سلمان، مع تجاوزات مالية وممارسات إدارية غير رياضية، دفعت الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات رادعة على سيتي تمنعه من المشاركة في دوري الأبطال لعامين مقبلين، ما يعني عودة مشروع النادي إلى الصفر، إضافة إلى خسائر فنية مالية وإدارية فادحة.
رفعت منظمتا حقوق الإنسان الدولية، العفو الدولية (أمنستي) وهيومان رايتس ووتش، الصوت عالياً ضد صفقة شراء نيوكاسل، وأرسلت رسائل احتجاج إلى الجهات السياسية والرياضية الإنكليزية المعنية، تضمنت مطلبا واضحا وصريحا بضرورة رفض الصفقة.
وعرضت المنظمات الحقوقية من خلالها سجل بن سلمان ونظامه، فيما يتعلق بترسيخ نظام استبدادي أحادي، وانتهاك حقوق الإنسان مع مئات من المعتقلين و”المعتقلات” السياسيين وأصحاب الرأي في ظروف سيئة، من دون التمتع بأدنى حقوقهم الإنسانية، إضافة إلى جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي بشكل بشع، وذهنية أقرب إلى عصابات الإجرام، علماً أن لائحة الاتهام التركية وجّهت اتهامات إلى اثنين من رجاله المقرّبين.
وثمة معطيان أساسيان يختصران القصة كلها، فما يفعله بن سلمان تبييض رياضي موصوف لمستبد ونظام سياسي بشع، وفق القاعدة التي تقول إن في الوسع الحكم على استبداد أي نظام من عدمه، بملاحظة مستوى حضوره في الرياضة، وكلما زاد تدخّله فيها كان ذلك دليلاً لا يدحض على استبداده، تماماً كما كان الحال مع هتلر وموسيليني وفرانكو ومستبدين آخرين كثيرين في العالم الثالث من آسيا شرقاً إلى أميركا اللاتينية غرباً، مروراً بأفريقيا والمنطقة العربية طبعاً.
ويتمثل المعطى الثاني في موقف الحكومة البريطانية المخجل والمشين، كونها لا تمانع من الصفقة من حيث المبدأ، وستدفع حتى باتجاه تمريرها، حفاظاً على مصالحها مع نظام آل سعود وبن سلمان، تماماً كما فعلت في اليمن وليبيا ومناطق أخرى.
وبالتالي صفقة شراء نادي نيوكاسل بمئات ملايين الدولارات تملك احتمالات معقولة للمرور، وسيترأسه غالباً ياسر الرملان، أحد رجال بن سلمان، ولكن وصمة التبييض الرياضي ستلاحق هذا الأخير دائماً، وستكون الفرصة مواتية للتنديد به وبممارساته في ساحات الرياضة بشكل متواصل، أي أن الأمر سيرتد سلباً عليه، على عكس ما يتصور.
في هذه الأثناء طالبت خديجة جنكيز، خطيبة الصحافي والكاتب الراحل جمال خاشقجي، الذي اغتيل في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، مسؤولي رابطة الدوري الإنكليزي الممتاز، بعدم السماح بإتمام صفقة بيع نادي نيوكاسل يونايتد إلى بن سلمان.
ووجه روديني ديكسون، محامي خديجة جنكيز، رسالة إلى رابطة الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم، ناشد فيها بضرورة الحيلولة دون قيام صندوق الاستثمارات السعودي بالاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد.
وقال المحامي في رسالته: “يجب على الدوري الإنكليزي الممتاز أن يمنع إتمام الصفقة، لأن على الرابطة اتخاذ القرار الصائب والقانوني، وخاصة أن هناك عملية اغتيال بشعة حصلت، راح ضحيتها الصحافي السعودي جمال خاشقجي”.
وأشار المحامي إلى أنه “لا يجب أن يشهد الدوري الإنكليزي الممتاز وجود أي شخص له علاقة بأعمال قتل، وعلى القائمين على الرابطة اتخاذ كافة الخطوات اللازمة لوقف عملية البيع، لأنها ليست عملية استثمار، وإنما محاولة للهروب من العدالة والرقابة الدولية”.