تراجعت مستويات الروحانيات في موسم الحج بفعل أسباب عديدة يقف على رأسها ممارسات نظام آل سعود المشينة وتحويلهم الموسم الديني المعظم إلى سياحة محضة.
يجمع المسلمون اليوم على أن شعائر الحج العظيمة تراجع أثرها في أخلاق وتصرفات المسلمين بعد أن فقدت فريضة الحج روحانيتها وصارت سياحة يقوم بها الأغنياء للأكل والشرب والنزول في الفنادق الفاخرة والسفر في الدرجة الاولى في الطائرة وتنزيل الصور على وسائل التواصل الاجتماعي.
يتعامل نظام آل سعود مع إدارة الحرمين بوصفها فرصة هائلة لمراكمة الأرباح الطائلة فقط، بدءًا من شركات السفريات والسياحة وانتهاءً باستضافة ضيوف الرحمن في موسم الحج، وعلى امتداد العام في زيارات العمرة.
وبعيدًا عن غاية الحج العظيمة ومعانيه الروحانية العميقة، حول آل سعود الموسم إلى عنوان للرياء والسمعة بالتفاخر في توزيع منح الحج وتخصيص آلاف منها لأهداف سياسية وخدمة لمصالحهم.
ومهما حاولنا الاجتهاد في تقديم تفسير منطقي وتحليل تقويم لما أصاب الحج، فإنه لا يمكن لنا أن نعفي من المسؤولية أولئك الذين آلت إليهم الأمانة والوصاية على الحرمين الشريفين وما يتبعهما من مناسك وشعائر وعبادات لها أن تحيي أسمى المعاني وأنبل القِيَم فيما لو مُورِسَتْ كما ينبغي لها أن تُمَارَسَ.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: “أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” (التوبة، ١٩). في هذه الآية نجد أن القيام على أمور الحجيج وعمارة المسجد الحرام لا تغني الفرد ولا الأمة شيئًا إن فُقِد عنصرا الإيمان والجهاد في سبيل الله.
فالعمران الظاهر في المسجد والمطاف وكل مرافق الحَرَم لا تغني شيئا إن كان الباطن خرابًا يملأه حب الدنيا وزخرفها والنفور من الآخرة والارتعاد من ذكر الموت.
وماذا فعل القيّمون على أمور الحرمين والأوصياء عليهما في العقود الأخيرة من الزمن؟ إنهم تطاولوا في البنيان في أقدس بقاع الأرض وأكثرها حرمة على البسيطة، ومن أجل هذا قاموا بطمس ودفن معظم الآثار الإسلامية والمعالم التراثية الحجازية التي كانت تكسو مكة والمدينة بذلك الطابع الخاشع خشوع الملائكة حول العرش.
فمراكز التسوّق والفنادق والمضاربات العقارية عاجزة كل العجز عن شحن الحجيج بتلك الطاقة الإيمانية التي تنبع من مكان نزول الوحي وبدء الرسالة الخالدة. والخلود إلى الدعة والراحة في الفنادق الفاخرة التي تحيط بالحرمين لا تتناسب مع روح مجاهدة النفس ورياضتها التي اتّسم بها الحج منذ فجر الإسلام.
وإن كان موسم الحج هو المؤتمر الإسلامي السنوي الأعظم، والفرصة الممتازة للمساواة بين الناس على اختلاف أعراقهم ومشاربهم وأحوالهم الاقتصادية والاجتماعية، فإننا لا نرى أي انعكاس لهذه الروح الإنسانية الجامعة في الممارسات التي ينتهجها نظام آل سعود مع مواطنيه ومع رعاياها من المسلمين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
فالتمييز على الأساس العائلي والقَبَلي هو القاعدة، والمسلمون غير السعوديين محرومون من أبسط الحقوق التي يحصلون عليها في بلدان الغرب المسيحية بمعظمها.
إن ما أصاب الحج في صميم غايته وأهدافه ليس إلا انعكاسًا للوهن الذي أصاب الأمة الإسلامية باستفحال الظلم والاستبداد فيها ولنظام آل سعود دورا رئيسيا في ذلك ولعل في حرب اليمن وما يتم ارتكابه من جرائم بحق المدنيين خير شاهد ودليل على ذلك.