تخطط حكومة آل سعود لتقليص فاتورة أجور السعوديين العاملين في القطاعات الحكومية ومراجعة الكثير من البدلات والدعم الموجه لملايين الأسر في الفترة المقبلة.
ووفق التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي، في أعقاب مشاورات أجراها الصندوق مع حكومة آل سعود منتصف العام الجاري، فإن” فاتورة الأجور الحكومية، مرتفعة من المنظور العالمي، وينبغي الاستفادة من مراجعة نظام الخدمة المدنية في وضع استراتيجية تتضمن مراجعة البدلات والمزايا بغرض احتواء فاتورة الأجور، وجعل مستويات موظفي الخدمة المدنية ورواتبهم تتماشى مع المستويات المطلوبة لتقديم خدمات ذات كفاءة عالية”.
وأشار صندوق النقد إلى أن الحكومة تراجع برامج الحماية الاجتماعية، “لتحقيق وفورات في المالية العامة من خلال دقة توجيه البرامج إلى الفئات المستحقة”، لافتا إلى أن الحكومة أكدت أنها ” ستتمكن من احتواء فاتورة الأجور عن طريق السيطرة على تضخم الأجور، ومواصلة ضبط حجم الموظفين في الخدمة المدنية بالقدر الملائم بعدم إحلال موظفين جدد محل كل المتقاعدين، والاستعاضة عن الموظفين الذين يتركون العمل بموظفين جدد يحصلون في البداية على أجور أقل”.
كما تجري حاليا مراجعة برامج المساعدة الاجتماعية، حيث يستفيد المواطنون من مجانية التعليم والرعاية الصحية، كما تتسم نظم معاشات التقاعد بالسخاء حيث يتقاعد العديد من الأشخاص في سن الخمسين تقريباً، وفق التقرير الصادر مؤخراً.
كما تتضمن برامج شبكات الأمان الاجتماعي، التي يجري إعادة النظر فيها برنامج حساب المواطن، وهو نظام للتحويلات النقدية موجهة للأسر السعودية لتخفيف أثر تنفيذ تصحيح أسعار الطاقة، وضريبة القيمة المضافة.
وأشار صندوق النقد إلى أن أجر العامل السعودي في القطاع الحكومي، يبلغ حوالي 35 ألف دولار في المتوسط سنوياً (2916 دولار شهرياً)، بينما يحصل العامل السعودي في القطاع الخاص على أجر سنوي قدره 25 ألف دولار تقريبا في المتوسط.
وأكد أنه في ظل التفاوت بين الأجور قد يتعذر على القطاع الخاص الذي يوظف السعوديين أن يكون تنافسياً، مشيرا إلى أن قطاع التجزئة قام بتوظيف 5.1 ملايين عامل في 2018، لم يتجاوز عدد السعوديين منهم 300 ألف.
ووفق صندوق النقد، ينبغي خلق المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص، ولا سيما أن هناك حاجة إلى توفير ما يصل إلى مليون وظيفة على مدى الخمس سنوات المقبلة، وعمليا لا يمكن استيعاب هذا العدد في القطاع الحكومي، فإضافة مليون وظيفة حكومية بمتوسط الأجر الحكومي الحالي للسعوديين (حوالي 11 ألف ريال شهريا) سيرفع فاتورة الأجور بنسبة 5.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بينما يدعو الصندوق إلى تقليص كتلة الأجور وخفضها.
وشدد الصندوق على ضرورة تنويع الاقتصاد، فعند اعتماد النشاط الاقتصادي والصادرات والإيرادات بشكل كبير على النفط، يمكن أن يكون للصدمات التي تتعرض لها أسواق النفط أثر كبير على الاقتصاد، لافتا إلى أنه قد ينخفض الطلب العالمي على النفط قبل نفاد الاحتياطيات الكبيرة لدى المملكة، وقد يصبح استخدام مصادر الطاقة البديلة ممكنا في وقت أقرب مما هو متوقع.
وأشار إلى أنه حتى إذا تم زيادة الأصول المالية لصندوق الاستثمارات العامة من مستواها الحالي البالغ 300 مليار دولار إلى حجم مماثل لأكبر صناديق الثروة السيادية في العالم حاليا وقدره تريليون دولار تقريبا، فإن العائدات المالية لن تكون بمفردها بديلا كافيا للدخل في عالم ما بعد النفط.
وتبلغ الإيرادات النفطية السنوية 11 ألف دولار لكل فرد سعودي في الوقت الحالي، وبافتراض زيادة عدد السكان السعوديين إلى حوالي 26 مليون نسمة بحلول عام 2030، ستكون هناك حاجة إلى أصول قيمتها ما بين 5 و7 تريليونات دولار لتحقيق نفس المستوى من نصيب الفرد من إيرادات الأصول المالية.
وكشفت بيانات رسمية، عن أن حكومة آل سعود جمعت نحو 29 مليار ريال (7.7 مليارات دولار) العام الماضي، من الرسوم التي فرضتها على العاملين الأجانب وأسرهم.
واستخدمت إيرادات هذه الرسوم في تغطية تكلفة مختلف برامج سوق العمل والتدريب التي نفذها صندوق تنمية الموارد البشرية، لكن في يناير/كانون الثاني 2018، تمت زيادة الرسوم إلى 400 ريال شهريا للوافد الواحد في الشركات التي يكون فيها عدد العاملين الوافدين مساويا لعدد السعوديين أو أقل منه، ثم إلى 600 ريال شهريا في يناير/كانون الثاني 2019، ومن المقرر زيادة هذه الرسوم إلى 800 ريال بحلول العام 2020.
كذلك تم فرض رسوم على أسر الوافدين اعتبارا من يوليو/تموز 2017 بقيمة 100 ريال شهريا للفرد الواحد، وتمت زيادتها إلى 200 ريال في نفس الشهر من 2018، ومن المقرر زيادتها مجدداً إلى 400 ريال بحلول يوليو/تموز من العام المقبل.
وتدفع الرسوم مقدما عن عام كامل وقت تجديد التأشيرة، مما قد يكون له تأثير كبير على سيولة الأسر والشركات.
ونظرا لحجم السكان الوافدين في المملكة، تنشأ عن الرسوم المفروضة عليهم إيرادات ضخمة، إذ تشير البيانات الرسمية الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية إلى أن عدد العاملين الأجانب في القطاع الخاص بلغ نحو 6.59 ملايين عامل بنهاية الربع الأول من 2019، بينما يقدر عدد أفراد أسر الوافدين بحوالي 3 ملايين شخص.
وأظهرت بيانات رسمية أن ما يقرب من 1.9 مليون عامل أجنبي في القطاع الخاص غادروا البلاد منذ بداية عام 2017، في مؤشر على تنامي الضغوط المعيشية والصعوبات الكبيرة التي تواجهها أغلب الشركات في المملكة.
ووفق مسح, استند إلى البيانات الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للإحصاء، فإن نحو 180 ألف عامل غادروا المملكة خلال الربع الأول من العام الجاري، بعد أن رحل نحو 1.79 مليون شخص خلال عامي 2017 و2018.
ووصل عدد العاملين الأجانب في القطاع الخاص إلى نحو 6.59 ملايين عامل بنهاية الربع الأول من 2019، مقابل 8.49 ملايين عامل في بداية 2017.
ورغم العدد الضخم الذي غادر المملكة، إلا أن المعدل العام للبطالة لم يتراجع إلا بنسبة طفيفة، ليستقر عند 12.5 في المائة في الربع الأول، مقابل 12.7 في المائة في الربع الأخير من 2018، في حين أن نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 36.3 في المائة، وفق بيانات هيئة الإحصاء.
وكانت الحكومة قد بررت إجراءات واسعة لتقليص أعداد العاملين الأجانب، بزيادة توطين الوظائف عبر تشغيل السعوديين في العديد من القطاعات الاقتصادية.
وقررت التوسع في “سعودة” الاقتصاد كأحد أركان رؤية 2030 لولي العهد محمد بن سلمان، من خلال حصر العمل في عشرات المهن والحرف بعدد من القطاعات المهمة بالسعوديين دون غيرهم من الجنسيات.
لكن وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأميركية ذكرت، في تقرير لها، في سبتمبر/أيلول 2018، أن سياسات الحكومة في التوطين العشوائي للمهن البسيطة تسببت في حدوث كوارث في السوق، وكذلك بالنسبة للوافدين.