رؤية 2030 لبن سلمان.. بين الفشل والإفراط بالطموح
تباينت نتائج المملكة بعد إعلان برنامجها لتنويع الاقتصاد, إذ يقول محللون اقتصاديون متخصصون في مجال الطاقة, إن بعض المشروع تتحرك ببطء, في حين أن هناك مشروعات أخرى مفرطة في الطموح.
وتسعى المملكة للتخلي عن النفط وذلك بعد إعلان ولي العهد عن خطته 2030, حين قال لدى إعلان خطته قبل ثلاث سنوات, إن على المملكة أن تتخلص من إدمان النفط “بصفتها أكبر دولة مصدرة له وثاني أكبر الدول المنتجة في العالم”, لضمان ألا تصبح تحت رحمة التقلبات السعرية لهذه السعلة أو الاسواق الخارجية.
كان محمد بن سلمان يتحدث بعد أن أدى انخفاض أسعار النفط الخام إلى ارتفاع العجز المالي في المملكة إلى نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015, الأمر الذي تسبب في إبطاء النمو الاقتصادي.
وكانت شركة أرامكو في العام الماضي, على وشك إبرام اتفاق لشراء حصة في مصفاة هندية لتكرير النفط, حينها توجه رئيسها طائرة على وجه من السرعة من باريس وتوجه إلى نيودلهي.
وصل رئيس أرامكو التنفيذي “أمين الناصر” دون سابق إخطار, في الحادي عشر من أبريل/نيسان 2018, وأتم الاتفاق ووقعه في وقت لاحق من ذلك اليوم بعد انتهاء المفاوضون من التفاصيل, واشاد الناصر على أهمية الصفقة للمملكة وشركة النفط العملاقة.
ويمثل الاستثمار المزمع في مشروع المصفاة والبتروكيماويات الذي تبلغ استثماراته 44 مليار دولار, على الساحل الغربي للهند, مثالاً واضحاً على مدى سعي أرامكو للاستفادة بقدر الإمكان من كل برميل من النفط تتجه, وذلك بزيادة طاقة التكرير, لا سيما في آسيا, سريعة النمو.
ويبدو أن هدف محمد بن سلمان المعلن, المتمثل في التمكن من العيش من دون النفط في 2020, لن يتحقق, ومن المرجح في ضوء التقدم البطيء أن يظل اقتصاد المملكة رهينة لأسعار النفط لفترة أطول من المقدر.
وقال جيم كرين, الباحث في الطاقة في جامعة رايس: “ادمان المملكة للنفط لا يقل الآن عما كان عليه في أي وقت, ومن الناحية الاقتصادية بالطبع فالاقتصاد السعودي يعيش على النفط, ولا يزال النفط يهيمن على الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والإيرادات الحكومية.”
وأضاف: “رغم ذلك فالمملكة تعمل على تغيير علاقتها بالنفط, لا يزال الاعتماد عليه قائماً, غير أن المملكة تعمل على اعتصار قيمة أكبر من نفطها.”
ويقول صندوق النقد الدولي إن من المحتمل أن يصل العجز في العام الجاري إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي, مع تباطؤ النمو المرتبط بالنفط في أعقاب تخفيضات الإنتاج التي قررتها منظمة أوبك.
وتعد أرامكو محوراً رئيسياً في خطة الإصلاح التي طرحها ولي العهد من عدة أوجه, ليس أقلها أن خطة خصخصتها جزئياً ستولد دخلاً لتمويل الإصلاحات.
كما أن للشركة يداً في معظم الصفقات الكبيرة التي أبرمتها المملكة في اخر عامين, إذ إنها زادت استثماراتها في انشطة التكرير والبتروكيماويات.
في ذلك الوقت, أعلنت أرامكو عن استثمارات لا تقل قيمتها عن 50 مليار دولار في السعودية وآسيا والولايات المتحدة, وتهدف الشركة لزيادة إنتاجها من الكيماويات لثلاثة أمثاله تقريباً, ليصل إلى 34 مليون طن متري سنوياً بحلول 2030, ورفع قدرتها التكريرية العالمية إلى ما بين 8 ملايين و 10 ملايين برميل يومياً من أكثر من 5 ملايين برميل يومياً.
وفي مارس/آذار من العام الماضي, استكملت أرامكو صفقة لشراء حصة قيمتها 7 مليارات دولار في مصفاة تكرير ومشروع للبتروكيماويات مع شركة بتروناس الماليزية.
وبعد ذلك بشهر، وقَّع الناصر وكونسورتيوم من مجموعة شركات هندية اتفاقاً مبدئياً، لمنح أرامكو حصة في مصفاة من المقرر إقامتها، بطاقة تكريرية تبلغ 1.2 مليون برميل في اليوم، في ولاية ماهاراشترا الغربية في الهند.
وفي فبراير/شباط من العام الجاري، وقَّعت أرامكو صفقةً قيمتها 10 مليارات دولار لإنشاء مجمع للتكرير والبتروكيماويات في الصين. وفي الشهر الماضي وقعت الشركة 12 اتفاقاً مع كوريا الجنوبية، بمليارات الدولارات، في أنشطة تتراوح بين بناء سفن إلى توسعة مصفاة تكرير مملوكة لأرامكو.
وقال روبين ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة «قمر إنرجي» لاستشارات الطاقة في دبي: «هذا ما أسمّيه نهج العودة للأساسيات فيما يتعلق بالتنويع الاقتصادي في الخليج. فصناعة الطاقة لديها أصول ورأسمال ومهارات، ولذا فهي محرك المشروعات الجديدة من تكرير وبتروكيماويات وغاز وما إلى ذلك».
في مارس/آذار، قالت أرامكو إنها ستستحوذ على حصة نسبتها 70% في شركة البتروكيماويات، الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، مقابل 69.1 مليار دولار من صندوق الثروة الوطني، المعروف باسم صندوق الاستثمارات العامة.
وتكسب أرامكو أسواقاً جديدة لنفطها الخام، وتعمل على تعزيز وجودها العالمي في مجالات المصبّ، المتمثلة في التكرير والمعالجة والتنقية, وهدفها أن تصبح قوة قيادية عالمياً في مجال الكيماويات.
وقال عبدالعزيز الجديمي، النائب الأعلى للرئيس للتكرير والمعالجة والتسويق لرويترز، في مايو/أيار، إن الشركة لا تستثمر كيفما اتّفق يمنة ويسرة، بل تستثمر في الأسواق المناسبة، وفي أصول التكرير الملائمة، وحيث تتحقق لها القيمة من أنواع الوقود إلى الكيماويات.
ويقود الناصر المعروف بين العاملين في أرامكو باسم «مستر أبستريم» (المنبع) التوسع في قطاعات المصب. وهو يريد تقريب طاقة التكرير لدى الشركة من قدرتها الإنتاجية، التي تبلغ الآن 12 مليون برميل في اليوم.
وتريد أرامكو أن يتساوى تدريجياً وجودها في قطاعات المصب مع مستوى منافسيها الكبار، وكذلك تقليل مخاطر تعرُّضها لأي انخفاض في الطلب على النفط الخام، أو تقلبات أسعاره، شأنها في ذلك شأن السعودية نفسها.
وقال مصدر بصناعة النفط، مطّلع على خطط السعودية «تريد أن تضمن الطلب عليك في الأسواق الرئيسية، عليك أن تكون أكثر نشاطاً، وأن تصبح أكثر قدرة على التكيف، وأن تتأكد من ضمان مستقبلك. فهذا ما حققته ماليزيا على سبيل المثال وكذلك الهند».
وعلى مدى سنوات ظلّت أرامكو مورداً منتظماً للنفط الخام إلى مصافي التكرير الهندية، من خلال عقود الخام طويلة الأجل.
ومع ذلك فرغم أن لها حصصاً في مصافي تكرير أو أصول في مجال التخزين في أسواق آسيوية مهمة أخرى مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وتملك كذلك أكبر مصفاة في الولايات المتحدة، فهي لم تضمن وضعاً مماثلاً في الهند، التي تعد سوقاً سريعة النمو للوقود والبتروكيماويات.
كذلك غيَّرت أرامكو استراتيجيتها التسويقية في الصين، فهي الآن أكثر توجهاً نحو شركات التقرير المستقلة، لزيادة مبيعات النفط الخام السعودي، بعد سنوات ظلَّت تتعامل فيها حصرياً تقريباً مع شركات صينية مملوكة للدولة.
ولم يتضح كيف سيتم تنفيذ هذا المشروع أو توقيته، كما أن وزارة الطاقة السعودية تمضي قدماً في مشروعاتها الشمسية الخاصة.
وفي لطمةٍ للمستثمرين المحتملين، تلطَّخت صورة المملكة وسمعة ولي العهد بمقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، العام الماضي.
وقاطع رجال أعمال وساسة كبار منتدى استثمارياً كان الهدف منه استعراض مستقبل المملكة الجديد، بعيداً عن النفط، ولم تنقذه سوى الصفقات الكبيرة مع أرامكو.
كذلك تأجلت الخصخصة الجزئية لشركة أرامكو منذ أن طرحت خططها للاستحواذ على حصة في سابك، وذلك رغم أن مسؤولين سعوديين كباراً، من بينهم وزير الطاقة خالد الفالح، قال إن هذا قد يتحقق في 2020-2021.