قالت صحيفة “التايمز” البريطانية إن دول البلقان أصبحت تلعب دورا مهما في تغذية النزاعات في الشرق الأوسط لاسيما بيع الأسلحة إلى النظام السعودي.
وأفادت “التايمز” بأن دول أوروبا الشرقية باعت إلى المملكة والأردن والإمارات العربية المتحدة أسلحة ظهرت في أيدي المقاتلين باليمن وكل أطراف النزاع في سوريا.
وأضافت أن صربيا والعراق اشتركا في موضوع واحد بعد الإطاحة بكل من سلوبدان ميلوسوفيتش وصدام حسين وهو “السلاح”.
ففي الوقت الذي كان لدى صربيا تخمة من السلاح الذي يعود إلى مرحلة الحرب الباردة وصناعة عسكرية غير مستخدمة فإن الحكومة العراقية لم تكن مهيأة لمحاربة تمرد عسكري.
ولهذا وقعت البلدان في نهاية عام 2007 على صفقة سلاح بقيمة 190 مليون جنيه استرليني لتوفير البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدبابات والذخيرة والمتفجرات وغيرها.
وبعد 13 عاما على هذه الصفقة لا تزال تردداتها واضحة حتى اليوم، فأربعون من المتظاهرين الذين قتلوا في الاحتجاجات ضد الحكومة العراقية في خريف 2019 ماتوا بعد ضربهم على الرأس بقنابل الغاز المصنعة في صربيا.
وكشف تقرير من شبكة البلقان للتحقيق الاستقصائي أن هذه القنابل جزء من الشحنة التي أرسلت إلى العراق عام 2007. وكانت تلك الصفقة علامة مهمة بمرحلة ما بعد يوغسلافيا في مجال تصدير السلاح وفتحت الباب أمام صفقات مربحة وعقود بالملايين.
وبحسب تقرير صدر جديدا عن المعهد الجديد تاكتيكس في لندن، فقد كانت صفقة القنابل الصربية إلى بغداد جزءا صغيرا من الأسلحة التي تم عقدها مع دول الشرق الأوسط والتي تضخمت على مدى العقد الماضي.
وتم بيع الأسلحة المصنعة في دول يوغسلافيا السابقة إلى حكومات تضم النظام السعودي والإمارات العربية المتحدة والأردن وظهرت في أيدي المقاتلين في اليمن وسوريا.
وقال إلير كولا، الخبير الأمني الذي يعمل في البلقان: “قضى البلقان العشرين عاما الماضية ولديه بنى عسكرية. ومع الربيع العربي والمسافة القصيرة بين المنطقتين كان من الواضح أن تصبح تجارة المعدات العسكرية رائجة”.
وأضاف: المشكلة هي ابتعاد الولايات المتحدة عن البلقان ومنطقة المتوسط بشكل سمح لقوى ثالثة بملء الفراغ، وكان ميناء مرسين (جنوب تركيا) مركزا طوال هذه السنوات، وتركت الحروب في اليمن وسوريا وليبيا تداعيات مهمة على صناعة السلاح في البلقان ودول أوروبا الشرقية.
وأكدت الصحيفة البريطانية أن المملكة تعتبر أكبر مشتر لسلاح البلقان حيث اشترت أسلحة بـ 750 مليون جنيه استرليني في الفترة ما بين 2012- 2016.
وكشفت أنه تم بيع الرشاش الصربي إلى الرياض عبر تاجر سلاح بلغاري وانتهى بيد الفرقة 13 في الجيش السوري الحر، والتي حصلت في مرحلة ما على دعم تركيا والسعودية وقطر.
كما تم شراء شحنة أخرى تعود إلى مرحلة يوغسلافيا السابقة وتشتمل على بنادق قتالية من كرواتيا حيث اشترتها المملكة وتم شحنها إلى الأردن ونقلت لاحقا إلى الجيش السوري الحر في جنوب سوريا.
فيما تمت مصادرة أسلحة كرواتية من حزب العمال الكردستاني المحظور وحركة أحرار الشام المتشددة في سوريا.
وفي الوقت نفسه اشترت الإمارات العربية المتحدة أسلحة بـ 120 مليون جنيه استرليني من البلقان، واستثمرت في ذات الفترة في صناعة الدفاع الصربية، وعقدت اتفاقيات عام 2016 مع المعهد الفني العسكري، المعهد البحثي التابع للصناعة العسكرية الصربية وأس دي بي أر جوكوإيمبورت لتطوير قاذفة صواريخ.
وحذر معدو التقرير من زيادة صفقات السلاح مع تلاشي فرص انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي وفشل هذا في فرض قواعده المتعلقة بمنع تصدير السلاح.
وتنص قواعد الاتحاد الأوروبي على مراقبة ثمانية معايير منها ضرورة مراقبة وجهة السلاح بعيدا عن المشتري الأصلي. وتظل الرقابة غير تامة وبدون رادع للدول الأعضاء التي تخرق الحظر.
وفي الوقت الذي رشحت فيه صربيا ومونتينغرو وشمال مقدونيا وألبانيا لعضوية الاتحاد إلا أن ملفاتها أجلت بسبب انشغال الاتحاد بأزمات أخرى وقضايا مثل خروج بريطانيا أو البريكسيت. وهو ما قلل من نفوذ بروكسل بالتدخل في تصدير السلاح.
ويعلق إليا روبانيس، المؤلف الرئيسي للتقرير أن “في البلقان، الدول الصغيرة الغنية يمكنها عمل تغيير في مجال الأعمال، ولو كانت هناك دولة تستثمر في صناعة السلاح فلا يتم نقاش أثر هذا على النظام السياسي أو الاقتصاد”.
وأشار إلى أن العضوية في الاتحاد الأوروبي ربما جلبت مشاكل أخرى. فالأسلحة التي استخدمتها الخلية التي هاجمت المجلة الفرنسية “شارلي إبيدو” عام 2015، كان مصدرها من كرواتيا الدولة العضو في الاتحاد. وربما تم شراء الأسلحة من خلال النظام الذي لا تتم مراقبته بشكل كبير وهو الشنغن (تعرفة الدخول للاتحاد الأوروبي).
ومع ذلك، يحذر الخبراء أنه إن لم يتم إعادة منطقة البلقان إلى الاتحاد الأوروبي فإن صادراتها من السلاح إلى المناطق الأكثر اشتعالا ستزداد.
وشدد بيتر ويزمان الباحث في مركز ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي، على ضرورة أن يحذر الاتحاد الأوروبي دول البلقان من المخاطر، وأن تتبادل أجهزة مخابراتها المعلومات حول أين تصل هذه الأسلحة.
وسبق أن كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” بعدما نقلت عن مدراء تنفيذيين في شركات أسلحة غربية تأكيدهم أن مبيعاتهم للمملكة لم تتأثر بأزمتها المالية.
وقال أحد مدراء التسليح الغربيين: “لقد توقعت خفضا للنفقات ولكن المعلومات من المستويات العليا والأمراء: لا، لن نقوم بعمل هذا ولا تأت وتسألني إن كان برنامجك سيلغى، وواصل العمل بجد لأننا سنواصل على ما نحن عليه”.
وأضاف المدير، الذي رفض كشف هويته، أن إجراءات التقشف أدت إلى العديد من التساؤلات حول أثرها على الصفقات الدفاعية. فبعد يومين من الإعلان عن الإجراءات، في مايو/ أيار المنصرم، تم منح الفرع الدفاعي من شركة بوينغ عقودا بـ 2.6 مليار دولار لكي تزود المملكة بألف صاروخ أرض- جو وصواريخ مضادة للسفن.
وقالت “لوكهيد مارتن” شركة التصنيع الحربية الأمريكية التي تزود أنظمة الصواريخ الدفاعية “ثاد” إلى المملكة إنها “لم تر أي تراجع في النفقات على الدفاع من أي زبون لها في الشرق الأوسط”.
وعندما استقبل ترامب بن سلمان بالبيت الأبيض عام 2018 حمل معه لوحة عليها صفقات “تمت” مع المملكة بقيمة 12.5 مليار دولار، تشمل دبابات ومقاتلات عسكرية وسفنا حربية.
وتنقل الصحيفة عن وزارة المالية في المملكة، قوله: إن “المملكة ستواصل دعم الاحتياجات العسكرية للجيش ولن تبخل بأي شيء من أجل الدفاع عن شعبنا وأرضنا”.
ووصلت النفقات الدفاعية السعودية العام الماضي إلى 52.8 مليار دولار بانخفاض 18.2 مليار دولار عن العام الذي سبقه.
وخلال مايو/ أير المنصرم، أفادت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بأن شركة بوينغ الأميركية ستزود المملكة بأكثر من ألف صاروخ بواقع 650 صاروخا من طراز (SLAM ER) – صواريخ جوية، و402 من طراز (Harpoon) المضادة للسفن.
وبحسب البيان الصادر عن (البنتاغون) فإن نظام آل سعود وقع عقدا مع الشركة بـ1.971 مليار دولار لتطوير ونقل 650 صاروخا (SLAM ER) إلى المملكة، ومن المتوقع أن تتم الصفقة حتى ديسمبر عام 2028.
لكن موقع “إنتلجنس أونلاين” المتخصص في المعلومات والتقارير المخابراتية، قال إن ولي العهد اضطر لإعادة فتح سوق الدفاع أمام الشركات الأميركية؛ لتهدئة غضب الولايات المتحدة بشأن آثار الحرب النفطية بين الرياض وموسكو.
وتوقع الموقع قبل أكثر من شهر حدوث ذلك التطور عندما جرى إنهاء عمل الألماني أندرياس شوير رئيسا تنفيذيا للشركة السعودية للصناعات العسكرية، وتعيين وليد أبو خالد رئيسا تنفيذيا مؤقتا للشركة، وهو ما شكل “خبرا سارا للشركات الأميركية”.
وأشار الموقع إلى أن أبرز المجالات التي شهدت عودة الشركات الأميركية هي العقود البحرية، حيث جرى توقيع صفقة في نهاية أبريل/نيسان الماضي لتدريب البحارة في البحرية الملكية السعودية.
ووفقاً لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس، أبرمت الولايات المتحدة والمملكة اتفاقيات بيع أسلحة بلغت 139 مليار دولار بين عامي 2009 و2016. وأظهرت بيانات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (منظمة دولية مستقلة) أنّ الإنفاق العسكري العالمي بلغ 1.9 تريليون دولار في عام 2019.
وحتى عام 2018، كانت المملكة تحتفظ بثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وهي أكبر مشترٍ للأسلحة والمعدات الأميركية، إضافة إلى استمرار حاجة الرياض لمدربين ومستشارين عسكريين لبيان كيفية استخدام تلك الأسلحة والمعدات باهظة الثمن.
ووفقاً لتقارير غربية، تُنفق المملكة ما يصل إلى 4 مليارات دولار شهرياً على حربها في اليمن، ما يؤثر بقدراتها على تقديم الدعم لعدد من دول المنطقة، مثل مصر والأردن، لضمان الاستقرار الأمني في المنطقة.