أثبتت تعاقد ولى العهد محمد بن سلمان مع شركة دعاية وعلاقات عامة دولية لمواجهة التشكيك في حلمه بمدينة “نيوم” الذي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أمريكي في مدينة مستقبلية على البحر الأحمر، أن الأزمة الاقتصادية والمالية في المملكة لم تضعف ميله للحصول على دفعة سياسية كبيرة من خلال المشاريع البراقة.
وكان العقد الذي تقدر قيمته بـ 1.7 مليون دولار أمريكي من نصيب شركة “رودر فين”، وهي شركة علاقات عامة لها مكاتب في الولايات المتحدة وآسيا وبريطانيا، حيث سعت المملكة لإنقاذ مشروع آخر، وهو الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم الإنجليزي الممتاز، وهي الصفقة التي باتت مهددة بشكل خاص بسبب الاتهامات الموجهة للمملكة بقرصنة البث التلفزيوني في خلافها مع قطر.
وقدمت الصفقة درسا في مدى تأثير مخاطر السمعة على عمليات الاستحواذ البارزة. ولم تكن القرصنة هي الشيء الوحيد الذي يعقد عملية الاستحواذ على نيوكاسل، حيث برز أيضا سجل المملكة السيئ في مجال حقوق الإنسان نتيجة للاعتقالات الجماعية للنشطاء والنقاد وواقعة قتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 في القنصلية السعودية في إسطنبول.
ومع نشر تقرير من قبل منظمة التجارة العالمية، تحركت سلطات آل سعود بسرعة لمواجهة الانتقادات عبر أجهزة استقبال “BeoutQ”، وهي الأجهزة التي يتم استخدامها في عملية قرصنة البرامج الرياضية لشبكة “BeIN” القطرية، صاحبة الامتياز الحصري لبث العديد من البطولات الرياضية المرموقة في الشرق الأوسط.
واستفادت “BeoutQ” من حظر “BeIN” في المملكة كجزء من المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي فرضتها المملكة والإمارات ضد قطر. لكن المقاهي الرياضية السعودية بدأت في بث قنوات “BeIN” الأصلية لأول مرة فور نشر تقرير منظمة التجارة العالمية.
وعلى غرار استجابة المملكة لتحركات منظمة التجارة العالمية، يبدو أن عقد “نيوم” مع “رودر فين” هو محاولة لإصلاح الضرر الناتج عن السمعة.
ومن الواضح أن عقد “رودر فين” مصمم بشكل أساسي لمواجهة تداعيات مقتل “عبد الرحيم الحويطي”، القيادي القبلي الذي رفض التخلي عن منزله لحلم بن سلمان، في أبريل/نيسان، حيث ستعمل الشركة على إبراز “نيوم” كشركة مسؤولة اجتماعيًا، وقادرة على التعامل بشكل عادل وإيجابي مع مجتمعها المحلي.
وفي هذا السياق، سعى “علي الشهابي”، المحلل السياسي والمصرفي السابق وعضو المجلس الاستشاري لـ”نيوم”، إلى دحض التقارير الإعلامية السلبية حول “نيوم” في سلسلة من التغريدات.
وقال “الشهابي” في تغريداته: “هناك ما هو أكثر جوهرية بالنسبة إلى نيوم من المشاريع المبهرة. سوف تشارك نيوم بشكل كبير في المشاريع الجادة مثل تحلية المياه والزراعة الصحراوية وتوظيف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح”.
وأضاف “الشهابي: “تم التخطيط لها بشكل جيد للغاية ويتم تنفيذ بعض الأمور الآن بالفعل”.
وأيدت شركة “رودر فين” ادعاءات “الشهابي” مع تقدمها إلى وزارة العدل الأمريكية للعمل كوكيل أجنبي نيابة عن الحكومة السعودية.
وقالت: “إن نيوم حلم جريء. إنه محاولة للقيام بشيء لم يتم فعله من قبل ويأتي في وقت يحتاج فيه العالم إلى تفكير جديد وحلول جديدة”.
ولكن التعاقد مع “رودر فين” للعمل نيابة عن المملكة، تزامنا مع حملة إعلامية ضخمة لتسويق “نيوم”، توحي أن الحكومة تركز على إصلاح الأضرار الناجمة عن الخلاف مع رجال القبائل المحليين مقتل “الحويطي”، أكثر من تركيزها على إصلاح المشروع نفسه.
وتنبأ “الحويطي” بأنه سيُحتجز أو يُقتل في مقطع فيديو نُشر على موقع يوتيوب قبل وفاته بساعات. وادعى في الفيديو أن كل ما حدث له يهدف لكسر مقاومة قبيلة الحويطات لسياسات التهجير.
وندد “الحويطي” بقيادة ولي العهد السعودي، ووصف حكمه بأنه “ولاية الأطفال”، كما هاجم رموز المؤسسة الدينية في المملكة ونعتهم بأنهم “جبناء صامتون”.
ومن المتوقع أن يتم تهجير ما لا يقل عن 20 ألف سعودي من المنطقة، رغم ادعاءات بن سلمان أنه لم يجر تهجير أي شخص.
وأعلنت “نيوم” في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها ستقدم دروسًا في اللغة الإنجليزية في أكاديميتها التي تم إنشاؤها مؤخرًا وسيتم تدريب حوالي 1000 طالب على السياحة والضيافة والأمن السيبراني.
في الوقت نفسه، قالت الحكومة إنها ستعوض المهجرين عن خسارة أراضيهم وستمنحهم قطعا من الأراضي على طول الساحل كجزء من برنامج لتحسين مستوى معيشتهم.
وسوف تبدأ “رودر فين” في إنتاج “مواد إعلامية” للترويج للمشروع السعودي، بما في ذلك مقطع فيديو شهري لإبراز مشاركة “نيوم” مع المجتمع المحلي والتركيز على وفاء الشركة بمسؤوليتها الاجتماعية.
لكن من المرجح أن جهود “رودر فين” لن تفعل الكثير لإقناع منتقدي المملكة.
وانتقد كل من “سارة ليا ويتسون”، المدير السابق لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، و”عبد الله العودة”، الباحث القانوني السعودي، طموحات إنشاء مدينة “نيوم” الكبرى.
وقالت “ويتسون” و”العودة”: “بالنظر إلى الانهيار المالي العالمي بسبب كورونا وارتفاع الدين السعودي وسط أسعار النفط المنخفضة فإن نجاح هذا المشروع يبقى موضع شك كبير”.
وأضافا أن “النتيجة الوحيدة التي رأيناها من هذه الرؤية للمدينة المستقبلية هي تدمير مجتمع تاريخي ووفاة محتج سعودي وسط غياب تام للمفاهيم الحديثة للحقوق والعدالة”.