أكدت دراسة أميركية وجود معيقات كبيرة أمام امتلاك السعودية للسلاح النووي. وقال برنامج أمن الشرق الأوسط “سي إن إيه إس” (CNAS) ومركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي “سي إس آي إس” (CSIS) إن السعودية تسعى بجدية لامتلاك وتطوير قدرات نووية، لكن هناك الكثير من التحديات التي تقف في وجهها.
وأوضحت الدراسة -التي كرست للقضايا الأكثر إلحاحا في العالم ومنطقة الشرق الأوسط المضطربة- أن الهدف منها هو تحديد وتقييم الاتجاهات الجيوسياسية الرئيسية التي ستشكل مشهد الانتشار النووي في المستقبل.
وأوردت الدراسة أنه وفي عام 2015 وعلى الرغم من أن السعودية صرحت بأنها ستعمل على تطوير قدراتها النووية استجابة للمفاوضات الأميركية الإيرانية فإن الرياض لم تتخذ سوى خطوات متواضعة.
وأشارت إلى أن الرياض توشك على الانتهاء من إنشاء مفاعل للأبحاث النووية، فقد سرت مؤخرا أنباء عن قيامها بتطوير منشأة نووية بمساعدة صينية، لكن لم يتم تأكيد هذه المزاعم بعد.
كما أعلنت المملكة عن نيتها تطوير العديد من مفاعلات الطاقة النووية كجزء من برنامجها للطاقة النووية المدنية، وطلبت واستلمت عطاءات من الولايات المتحدة والصين وروسيا وكوريا الجنوبية وفرنسا.
ومع ذلك، فقد ظلت هذه المشاريع تتأجل بشكل متكرر، ومن المقرر الآن الانتهاء من معظمها بحلول عام 2040.
وظلت الولايات المتحدة والسعودية على مدى سنوات في حوار بشأن إمكانية توفير التكنولوجيا والمواد الأميركية لدعم هذا الجهد، وفي عام 2008 وقعت مذكرة تفاهم تظهر نية التعاون في الأنشطة النووية.
لكن لم يتمكن كلا الجانبين حتى الآن من إبرام “اتفاقية 123” التي يتطلبها قانون الطاقة الذرية الأميركي حتى يتم تعاون نووي سلمي لعمليات نقل كبيرة للمواد أو المعدات أو المكونات النووية من الولايات المتحدة إلى دولة أخرى، أو إذا أرادت واشنطن بناء مفاعلات نووية في السعودية.
وقد رفضت السعودية طلبات الولايات المتحدة بأن تلتزم الرياض بالامتناع عن التخصيب وإعادة المعالجة وتنفيذ البروتوكول الإضافي الذي يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول بشكل أكبر إلى البرنامج النووي السعودي.
وقالت الدراسة إنه سيكون من الصعب تقنيا على الرياض تطوير عناصر أساسية لدورة الوقود أو عناصر أخرى لبرنامج أسلحة نظرا لقلة خبرتها النووية، ومحدودية قاعدتها الصناعية الدفاعية.
ونتيجة لذلك -تقول الدراسة- ربما يسعى السعوديون للحصول على مساعدة أجنبية، وإن دولا قليلة -إن وجدت- قد تكون مستعدة لتقديم المساعدة باستخدام التقنيات الحساسة، مثل التخصيب أو إعادة المعالجة.
واستعرضت الدراسة 7 اتجاهات باعتبارها عوامل مهمة في التحكم بانتشار الأسلحة النووية، وحاولت تطبيقها على الوضع السعودي، وهذه الاتجاهات تشمل:
1- البيئات الإقليمية المتوترة بشكل متزايد:
أدت الهجمات من الحوثيين وتلك التي تتهم بها إيران إلى زيادة شعور الرياض بالضعف.
وعلى الرغم من أن المملكة تواصل الاعتماد على الولايات المتحدة في معداتها الأمنية والعسكرية فإنها شعرت بالحاجة لتحسين قدرتها الصاروخية، ويقال إنها بدأت خطوات عملية في هذا الشأن.
2- تراجع الثقة في التزامات الدفاع الأميركية منذ ثورة النفط الصخري:
جعلت الهجمات على منشآت أرامكو التزام أميركا بالدفاع عن السعودية موضع تساؤل.
وكان السعوديون قد شعروا من قبل بالخيانة عندما سعى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى إبرام اتفاق نووي مع طهران.
وفي غضون ذلك، وباستثناء العلاقات الشخصية القوية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والسعوديين، فإن بقية مكونات المؤسسة الحاكمة في واشنطن -بمن في ذلك الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس- بدؤوا يبتعدون عن السعودية بسبب التوتر بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، والتكلفة الإنسانية للحرب في اليمن.
3- صعود زعماء مستبدين:
كان الغرب ينظر إلى ولي العهد محمد بن سلمان في البداية على أنه مصلح تقدمي وأجرى تغييرات إيجابية في المجتمع السعودي، لكنه ركز على تعزيز سلطته واتبع سياسة خارجية عدوانية ومتهورة في كثير من الأحيان.
4- التزام مشروط:
رغم أنها طرف في معاهدة حظر الانتشار النووي فإن استخدام السعودية اتفاقيات الحد من التسلح يعتمد إلى حد كبير على القدرة على منع إيران من الحصول على سلاح نووي.
وقد هدد بن سلمان بأن بلاده ستصنع أسلحة نووية إذا فعلت إيران، في انتهاك لالتزامات الرياض بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، وقد أثار هذا الموقف مخاوف جماعية بشأن التزام الرياض بالشفافية وعدم الانتشار.
5- أفضل سعر للتعاون النووي:
توقفت مفاوضات الولايات المتحدة مع السعودية بشأن “اتفاقية 123” مع استمرار السعوديين في رفض قيود التخصيب.
وتحاول الرياض الحصول ليس على أفضل سعر للتعاون النووي ولكن أيضا على الحد الأدنى من قيود منع الانتشار، وإذا لم تتوصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع السعودية فستفتقر إلى رافعة حاسمة للتأثير على مستقبل البرنامج النووي السعودي.
6- تراجع فاعلية العقوبات الأميركية:
فشلت جهود الكونغرس لممارسة الرقابة على العلاقة الأميركية السعودية ومعاقبة السعودية على سلوكيات معينة حتى الآن في الحصول على الأصوات اللازمة، مما يسلط الضوء على التحديات السياسية الداخلية الأميركية المتمثلة في معاقبة الرياض.
وفي الواقع، وبعد مقتل خاشقجي تم فرض عقوبات محدودة فقط على مجموعة من المسؤولين السعوديين على الرغم من الدعوات من الكثيرين لاتخاذ إجراءات أكثر شدة.
7- تغير الديناميكيات العالمية بسبب المنافسة الإستراتيجية:
إذا كانت السعودية غير قادرة على الحصول على احتياجاتها من الولايات المتحدة فيما يتعلق بالدفاع والطاقة النووية فقد تلجأ إلى روسيا أو الصين.
ولن تقدم بكين وموسكو الالتزامات والمعدات التي تبحث عنها الرياض فحسب، بل ستفعل ذلك أيضا مع القليل من المخاوف إن وجدت بشأن الحوكمة الداخلية للسعودية، أو سياستها الخارجية، على سبيل المثال تجاه اليمن أو مخاطر الانتشار.