يثبت تفاقم عجز اقتصاد المملكة وتراجعه بشكل جاد سرب خطط ووعود ولي العهد محمد بن سلمان بشأن تحويل الاقتصاد من النفط إلى الاستثمار وتنويع مصادر دخله.
ويؤكد مراقبون أن نظام آل سعود أصبح مطالبا بالتوقف عن مغامراته السياسية، والعودة إلى قوة المملكة التقليدية بالتركيز على تقوية أرامكو النفطية وإعادة التوازن للصناعة النفطية.
ويتهدد المملكة تحديات اقتصادية كبيرة بسبب تدني أسعار الخام في الأسواق، وما سيتبعها من تأثيرات سياسية باعتبار أن استمرار انهيار الأسعار لفترة طويلة سيضع ضغوطا كبيرة على مشاريع تنويع الاقتصاد التي ارتبط بها مستقبل بن سلمان السياسي، فتأخير هذه المشاريع أو إلغاؤها سيزعزع ثقة المستثمرين بالرياض، وسيؤدي إلى عزوفهم وربما يؤدي إلى تذمر شعبي.
ويبرز على هذا الصعيد سهم أرامكو الذي تم وضع أمولا هائلة فيه كمؤشر لتقييم سياسات المملكة، حيث انخفض سعره إلى أدنى من سعر الطرح، ما يعني أن حالات عدم اليقين والاستقرار كهذه، والتراجع أو الفشل والانهيار في الاقتصاد، ستزيد من وضع بن سلمان هشاشة وستهدد مستقبله السياسي، وستعزز من موقف مناوئيه.
وتبرز الشواهد أن المملكة لم تخرج منتصرة في حرب النفط الأخيرة مع روسيا بفعل تهور بن سلمان، بل خسرت كما خسر الكثير من منتجي النفط الذين دفعوا ثمن التخبط في المملكة.
إذ أن الأمر كان يندرج ضمن أزمة اقتصادية بسبب فيروس كورونا لكن بن سلمان حول الأمر إلى كارثة، وذلك لأن كل الخبراء الاقتصاديين يدركون أن كورونا كان من المتوقع أن يفرض خفضا للإنتاج بدل الدخول في منافسات ومشاحنات.
ودخلت المملكة في أزمة اقتصادية حقيقية يمكن أن يطول أمدها، فيما يعزو مراقبون إخفاقات المملكة بالأساس إلى رؤية الفرد الواحد بعيدا عن مراكز الدراسات ورأي الشارع، إذ لا يستطيع أن يعبر عن رأيه عبر صناديق الاقتراع ولا البرلمانات المنتخبة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني.
وأي سلطة منفلتة عن الرقابة الشعبية وتتخذ قراراتها منفردة من المرجح أن تقوم بأخطاء كبيرة، وهذه الإخفاقات الاقتصادية ما هي إلا نتيجة حتمية لحكم الفرد الواحد.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن المملكة باتت تلجأ إلى تخرين كميات كبيرة من النفط في البحر، بعد نضوب الطلب جراء إغراق المملكة الأسواق بالخام خلال حربها النفطية مع روسيا.
يأتي ذلك فيما نقلت رويترز عن مصدرين لها، أن شركة أرامكو اختارت بنكي “إتش إس بي سي” و”سوميتومو ميتسوي بانكينغ كوربوريشن” الياباني لتنسيق محادثات مع بنوك أخرى، من أجل قرض بقيمة 10 مليارات دولار تقريبا تخطط شركة النفط العملاقة لجمعه.
وصرّح أحد المصدرين أن البنكين “ينسقان القرض بتقديم مبالغ ضخمة”. والأسبوع الماضي، قالت مصادر لرويترز إن التمويل الضخم سيساعد الشركة في دعم استحواذها على حصة نسبتها 70% في الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) من صندوق الاستثمارات العامة، وهي صفقة قيمتها قرابة سبعين مليار دولار.
فيما صرح وزير المالية في نظام آل سعود محمد الجدعان بأن خفض صادرات النفط سيكون له تأثير على الناتج المحلي الاجمالي، وإن الرياض ستعتمد على الاقتراض في الجانب الأكبر من تمويل عجز الميزانية.
وتوقع الجدعان في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت نموا سلبيا للقطاع غير النفطي هذا العام للمرة الأولى، مشيرا إلى أن الحكومة ستخفض الإنفاق على مستوى قطاعات السفر والسياحة والترفيه والرياضة، كما سيتم تأجيل العديد من المشروعات.
في هذه الأثناء طالب عضو مجلس الشيوخ الأميركي تيد كروز المملكة باسترجاع ناقلاتها المحملة بالنفط المتجهة إلى بلاده، وأكد وزير الخارجية الأميركي أن البيت الأبيض يسعى إلى تأمين استقرار أسواق النفط.
وقال كروز إن منتجي الطاقة بالولايات المتحدة على حافة الإفلاس، وإن ملايين الوظائف في خطر.
وأضاف أن رسالته للرياض هي “استعيدوا ناقلاتكم بحق الجحيم”، مشددا على أن عليها استرجاع نحو عشرين من ناقلاتها المحملة بأربعين مليون برميل نفط في طريقها إلى الولايات المتحدة.
وكان وعد بن سلمان السعوديين بمستقبل زاهر ومشاريع عملاقة ستغير وجه أكبر مصدّر للنفط في العالم، لكن سياساته وقراراته انتهت به إلى حال مَن يطلق الرصاص على قدميه.
آخر قراراته التي كثيرا ما وصفت بكونها “متهورة”، إشعاله حرب أسعار في أسواق النفط لعله يسقط القيصر الروسي ويحافظ على حصة المملكة في هذه الأسواق.
لكن أسعار انهارت في لحظة تدهور فيها الطلب العالمي بسبب جائحة فيروس كورونا، لتتكدس براميل النفط السعودية على الناقلات العائمة في البحار لا تجد من يشتريها، وتضطر الرياض إلى إغلاق العديد من أنابيب النفط.
ويبدو أن بن سلمان لن يلتفت في الوقت الحالي إلى ما إذا كانت رؤيته 2030 لا تزال صالحة للتطبيق أم غير صالحة، بل سيكون همه تخفيف الضغوط الداخلية والحفاظ على منسوب الثقة في سياساته بالداخل أو الخارج، في وقت ستواجه فيه موازنة المملكة عجزا كبيرا ليس في هذه السنة فحسب بل لسنوات، بحسب توقعات المحللين.
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نقلا عن مسؤول بارز في شركة أرامكو إن المملكة قد تضطر إلى إغلاق بعض خطوط إنتاج النفط في حقل الغوار وغيره من الحقول، لعدم وجود مشترين له.
وقالت تقارير إعلامية إن البيانات الواردة في موقع تتبع الشحن “فليت مون” (FleetMon)، أظهرت وجود أربع ناقلات سعودية عملاقة على الأقل محملة بالنفط الخام غادرت المملكة أواخر مارس/آذار الماضي، ولا تزال عالقة في البحر منذ أوائل أبريل/نيسان الحالي، قبالة سواحل مصر وسنغافورة وماليزيا، دون وجهة نهائية.
وانهارت أسعار النفط منذ فشل اتفاق مجموعة أوبك بلس أوائل مارس/آذار الماضي، إلى الحد الذي تم فيه تداول النفط الأميركي بسعر قريب من ناقص أربعين دولارا للبرميل الاثنين الماضي، لأول مرة في تاريخ صناعة النفط الأميركية، ليؤثر ذلك على خام برنت القياسي الذي تراجع إلى أقل من 17 دولارا خلال تداولات اليوم الأربعاء، قبل أن تقلص بعض خسائرها وتصعد فوق العشرين دولارا بقليل.
وأصبح من غير المستبعد أن تلجأ المملكة إلى إغلاق عدد من الآبار النفطية في مسعى لخفض الإنتاج وإعادة الاستقرار لأسعار النفط في الأسواق، إذ أنه في حال استمرت هذه الأزمة فقد تصبح تكلفة برميل النفط أغلى من سعر بيعه.
وتشير الأرقام إلى أن نحو 160 مليون برميل نفط متكدسة حاليا على متن ناقلات في البحار، ينتظر أصحابها تصريفها، ولا يُعلَم على وجه الدقة كم هو نصيب السعودية منها، لكن المؤكد أن حصة الرياض ستكون ضخمة، وفق مراقبين، مما يعني خسارات بملايين الدولارات كان يمكن تجاوزها لو أحسنت القيادة المملكة حساباتها قبل خوض حرب الأسعار مع روسيا.
وفي ضوء التطورات الحاصلة، يلاحظ غياب أي حديث في المملكة عن رؤية 2030 ومشاريع بن سلمان مثل مشروع نيوم، لأن أغلبها توقف بسبب شح السيولة، بل باتت الأولوية كيف إدارة المرحلة بأقل الخسارات.