تواجه السعودية خطر الإفلاس بشكل متزايد بعد أن أصبحت اليوم ثاني دولة عربية من حيث الديون العامة (بعد مصر المهددة بالإفلاس).
وقد استلم الملك سلمان بن عبد العزيز العرش في المملكة عام 2015 وميزانية الدولة “صفر ديون خارجية” وأقل دولة في العالم مديونية نسبة لناتجها المحلي.
ورغم انتعاش اقتصاد المملكة بفعل ارتفاع أسعار النفط وتحقيق فائض في الميزانية العامة، إلا هناك وجهًا آخر للاقتصاد يتعمّد الإعلام إغفاله، وجه مخيف يحمل أرقامًا تُنذر بخطر محدق، خصوصًا مع استمرار سياسة العبث بأموال الدولة واستنزافها.
وقد حققت حقبة الملك عبد الله طفرة اقتصادية متميزة، حيث حقق الناتج المحلي الإجمالي نموًا بـ 225% خلال الفترة من 2005 لـ 2014، بمعدل نمو سنوي 25%.
وأصبحت المملكة بنهاية عام 2014، دولة بدون أي ديون خارجية، وبـ 11.8 مليار دولار ديون داخلية، لتصبح أقل دولة في العالم من حيث الدين العام!
وتم خفض الدين العام من 460 مليار ريال في 2005 لـ 44 مليار ريال فقط نهاية 2014 بنسبة تسديد 90.4% لتنخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 37.3% في 2005 إلى 1.6% فقط في 2014، ليصنّفها صندوق النقد الدولي “أقل دول العالم في نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي”!
هذه الأرقام ضاعفت الأصول الاحتياطية للمملكة 5 مرات من 581 مليار ريال في 2005 لنحو 2.75 تريليون ريال نهاية 2014 محققة معدل ارتفاع بنسبة 372.8%.
الأمر انعكس على المواطن أيضًا، بارتفاع متوسط الدخل الفردي للمواطن من 53 ألف ريال في 2005 إلى 92 ألف ريال في 2014 بزيادة 73.8%.
ومع تولي الملك سلمان (الذي سلّم مقاليد الحكم لابنه) بدأ مسلسل الديون المرعب بالازدياد، بحيث بلغ عام 2015 مبلغ 37.9 مليار دولار ديون محلية، و2016 بلغ 84.4 مليار دولار منها 27.5 مليار دولار ديون خارجية.
فيما عام 2017 بلغت الديون العامة 118.2 مليار دولار منها 49 مليار دولار ديون خارجية، ثم عام 2018 بلغت 149.3 مليار دولار منها 68 مليار دولار ديون خارجية.
وواصلت الديون العامة على السعودية الارتفاع لتبلغ عام 2019 ما قيمته 180.8 مليار دولار منها 81.4 مليار دولار ديون خارجية، ثم عام 2020 بلغت 227.6 مليار دولار منها 93.6 مليار دولار ديون خارجية.
وبلغت في العام 2021 ما قيمته 250.7 مليار دولار منها 101.1 مليار دولار ديون خارجية، فيما بلغت الديون نهاية مارس 2022 مبلغ 255.6 مليار دولار منها 101.1 مليار دولار ديون خارجية رغم ارتفاع أسعار النفط!.
وفيما كانت ديون المملكة نهاية 2014 (وكلها ديون داخلية) تمثّل 1.6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفع الرقم خلال 7 سنوات فقط لتصبح النسبة 30.7% في 2022 وبنسبة ديون خارجية تقارب 40% من الدين العام.
وحسب آخر بيانات صندوق النقد الدولي، فإن مصر هي صاحبة أكبر ديون عربية بـ 409.5 مليار $ تليها السعودية بـ 250.7 مليار $ ثم الإمارات بـ 158.9 مليار $.
ولكن الخطير في هذه الأرقام ليس قيمتها فقط بل علاقتها بمجمل الناتج المحلي والذي يعكس قدرة الدولة على سداد ديونها وفق إنتاجها.
وديون مصر تعادل 94% من إجمالي ناتجها المحلي، بينما تشكّل ديون المملكة 30.7% من إجمالي ناتجها المحلي.
وفيما تعتمد الدول ذات الاقتصاد القوي (كالمملكة) على دخلها المرتفع لسداد ديونها، تدخل الدول المحدودة الدخل (مثل مصر) في دوامة ما يُعرَف بـ “مصيدة الديون”.
ستلجأ الدول المحدودة الدخل لسداد ديونها للاستدانة مجددًا لسد عجز الموازنة، لكن الديون (وفوائدها التي تزداد كل سنة) ستتضخم، فتضطر الدولة للاستدانة وهكذا تباعًا، إلى أن تضطر في النهاية لبيع أصولها لسداد الديون، أو حتى لإعلان إفلاسها، كما حدث في سيريلانكا، والذي بات يهدّد مصر.
وعلى الرغم من بقاء الدين العام للمملكة (نسبة للناتج المحلي) عند مستويات آمنة نظرًا لمواردها الغنية، إلا أن سياسة الحكومة الاقتصادية في السنوات الأخيرة تدق ناقوس الخطر.
فعلى سبيل المثال، تضاعفت ديون المملكة أكثر من 16 مرة بين 2014 و2019 (قبل أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط).
والاحتياطي السعودي العام كان في 2014: 1.325 تريليون ريال، أصبح في 2021: 354.6 مليار ريال فقط.
أي أن 971 مليار ريال اختفت من خزينة الدول خلال 7 سنوات فضلًا عن تضاعف الدين العام الذي استمر بزيادة 2.2% في 2022 رغم نمو إيرادات النفط بـ 75% على أساس سنوي خلال النصف الأول من 2022.
سياسة الحكومة السعودية المتخبطة اقتصاديا لم تؤثر على الدولة ككل فحسب، بل امتد تأثيرها للمواطن الذي أصبح هو الضحية، فبعد أن جنى ثمرات التحسن الاقتصادي السابق بارتفاع معدل الدخل والتأمينات الاجتماعية، أصبح يعوض عجز الحكومة المالي بالضرائب الكثيرة والغرامات المتعددة والتي أثقلت كاهله.
صحيح أن المملكة غنية بمواردها وقوية باقتصادها، لكن الأعوام الأخيرة بدأت تثير هواجس القلق لدى المتخصصين، خصوصًا مع بيع عدد من أصول الدولة والخسائرالمليارية لصندوق الاستثمارات والأرقام الفلكية التي يتم ضخّها لمشاريع مثل نيوم و ذا لاين، أقل ما يُقال عنها أنها شبه مستحيلة.
وبعد أن كانت خطة الحكومة الاقتصادية تهدف للحفاظ على النمو الاقتصادي، باتت خطتها في عهد محمد بن سلمان الحفاظ على مستوى الدين المرتفع وعدم تجاوزه، وأصبحت الصحف الرسمية تتغنّى بذلك وكأنه إنجاز متناسية الخطر الذي يحيق بالاقتصاد في ظل اعتماده على النفط الذي يتأثر بالتقلبات العالمية.
هذه المؤشرات الخطيرة وغيرها، جعلت صندوق النقد الدولي يحذر في 2019 من” اندثار ثروات السعودية في عام 2035، إذا لم تتخذ إصلاحات جذرية في سياساتها المالية التي ترتكز بشكل أساسي على عائدات النفط”.
ويجمع مراقبون على أنه من السهل تضييع الأموال الطائلة إن أُعطيت لسفيه أو أحمق، وهذا ما يجري في عهد بن سلمان.
إذ أن أموالا كثيرة وثروات ضخمة يديرها دكتاتور مضطرب نفسيًا لا يقبل استشارات أو انتقادات أو اعتراضات لتبقى المملكة (وفق المؤشرات الأخيرة) غير آمنة من انهيار اقتصادي.