شركات المملكة تتكبد خسائر قياسية بفعل انهيار النفط
تتكبد شركات المملكة خسائر قياسية بفعل انهيار أسعار النفط وتخبط سياسات ولي العهد محمد بن سلمان الذي أدخل اقتصاد المملكة بأزمة غير مسبوقة.
إذ تكبدت شركة بترورابغ التي تعمل في تكرير النفط وإنتاج البتروكيماويات، خسائر حادة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.
وتأثرت الشركة بانهيار أسعار النفط في السوق العالمية، والتي تلقي بظلال قاتمة على مستقبل صناعة الطاقة في المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم.
وأعلنت الشركة في إفصاح للبورصة تسجيل خسائر بقيمة 1.79 مليار ريال (480 مليون دولار) بنهاية الربع الأول من 2020 ، مقارنة بأرباح 257 مليون ريال خلال نفس الفترة من عام 2019.
وعزت الشركة الخسائر إلى انخفاض هامش الربح للمنتجات البتروكيماوية، نتيجة ضعف الطلب العالمي خلال فترة جائحة فيروس كورونا، وكذلك الإيقاف الكامل لمجمع الشركة الصناعي لفترة 60 يوماً، ابتداءً من الأول من مارس/آذار الماضي، لإجراء صيانة شاملةً.
وكانت الشركة قد تحولت للخسائر خلال العام الماضي، حيث تكبدت 544 مليون ريال، مقابل أرباح صافية بلغت نحو 669 مليون ريال في عام 2018.
وانخفض سعر سهم الشركة في البورصة السعودية في بداية تعاملات، اليوم الثلاثاء، بنسبة 3.76 في المائة، مسجلا 13.3 ريالا، حيث تراجع مؤشر قطاع الطاقة بنسبة 0.48 في المائة.
ويتوقع ان تتأثر نتائج أعمال شركة أرامكو عملاق النفط السعودي أيضا خلال الربع الأول من العام والذي ينتظر ان تعلن الشركة نتائجه في 12 مايو/أيار المقبل، وفق بيان صادر في وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري.
وانخفضت أرباح أرامكو بنسبة 21 في المائة خلال العام الماضي إلى 330.7 مليار ريال، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى تراجع أسعار النفط الخام وكميات إنتاجه، بالإضافة إلى انخفاض الهوامش الربحية لقطاعي التكرير والكيميائيات.
وتتزايد المخاوف من اتساع تداعيات انهيار الأسعار، فقد ذكر الموقع الإلكتروني لإذاعة صوت ألمانيا “دويتشه فيله”، في الثاني من إبريل/نيسان، أن الانهيار يمكن أن يتسبب في إفلاس بعض الشركات المنتجة للنفط، ويعصف باستقرار حكومات العديد من دول “أوبك”.
وتعمل الأسعار الرخيصة على جر الموارد المالية للبلدان المنتجة للنفط إلى الانهيار، حيث كشف تقرير لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني العالمي، في وقت سابق من هذا الشهر، أن السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، بحاجة إلى سعر 91 دولاراً للبرميل، لتحقيق نقطة تعادل في موازنتها.
وفي مارس/آذار الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من اندثار ثروات المملكة في عام 2035، إذا لم تتخذ “إصلاحات جذرية في سياساتها المالية” التي ترتكز بشكل أساسي على عائدات النفط مثل باقي دول الخليج، التي توقع أن تندثر أيضاً ثرواتها في سنوات متفاوتة، لتكون البحرين الأقرب إلى هذا السيناريو عام 2024.
وتظهر الإحصائيات الرسمية أن المملكة فقدت أكثر من 873 مليار ريال سعودي (233 مليار دولار أمريكي) من احتياطاتها المالية التي تشكل صمام الأمان للاقتصاد المحلي، منذ وصول الملك سلمان إلى العرش في يناير 2015 وحتى نهاية العام الماضي، دون أن يتبين مصير هذه المبالغ الضخمة وكيف تم إنفاقها.
ولدى مراجعة البيانات الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي “ساما” منذ العام 2014، أي منذ ما قبل وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وحتى آخر البيانات التي صدرت عن المؤسسة، يتضح أن الاحتياطي السعودي على الرغم من أنه لا يزال رقماً ضخماً إلا أنه فقد مبلغاً فلكياً يقترب من تريليون ريال.
وتشير البيانات إلى أن “إجمالي الأصول الاحتياطية” لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) كانت في كانون أول/ ديسمبر 2014 عند مستوى 2746 مليار ريال (732 مليار دولار)، لكنها ظلت تتهاوى شيئاً فشيئاً منذ تولى الملك سلمان الحكم لتصل في كانون أول/ ديسمبر 2019 الى مستوى 1873 مليار ريال (499 مليار دولار).
ويعني ذلك أن خزائن الاحتياطيات السعودية فقدت خلال هذه الفترة 233 مليار دولار أمريكي، أو بلغة أخرى فان 46 ملياراً و600 مليون دولار تتبخر من خزائن الاحتياطي السعودي سنوياً منذ أن وصل الملك سلمان الى الحكم.
ولا تعلن المملكة أين تذهب هذه الأموال ولا كيف تتناقص ولا الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع، لكن بعض المحللين يتحدثون عن خسائر ضخمة تتكبدها المملكة من جراء الحرب التي تشنها على اليمن منذ سنوات.
ويشكل هذا المبلغ المفقود اقتصادات وموازنات دول بأكملها، حيث يعادل موازنة بلد مثل الأردن أو تونس لمدة تزيد عن 18 عاما!!
والأرقام المذكورة ترجع إلى ما قبل انهيار أسعار النفط والذي بدأ في شهر آذار/ مارس الماضي، حيث كانت هذه الأموال تتبخر على الرغم من الأسعار المرتفعة للنفط الذي يشكل المصدر الأساس لإيرادات السعودية المالية.
لكن الأسعار بدأت تتهاوى في الأسبوع الأول من الشهر الماضي الى أن هبطت عن مستوى العشرة دولارات للبرميل في النصف الثاني من نيسان/ أبريل الحالي.
كما أن إيرادات المملكة من الحج والعمرة تعطلت هي الأخرى بعد أن دخل على المسلمين شهر رمضان المبارك دون أن يصل الى المملكة ولو زائر واحد بسبب فيروس “كورونا” الذي تسبب بإغلاق عالمي واسع.
وتكشف معطيات الأزمة غير المسبوقة التي يعانيها اقتصاد المملكة حدة الإخفاقات الهائلة التي ارتكبها ولي العهد محمد بن سلمان وتحول خططه للإصلاح والاستثمار إلى مجرب سراب.
وتوقع “ستاندرد تشارترد” انكماش الناتج المحلي الإجمالي للمملكة 4.5% في 2020، نتيجة خفض إنتاج النفط، في تدهور كبير قياساً بتوقعات سابقة بنمو نسبته 5%.
وعلى وقع الضغوط الناتجة من كورونا، أعلنت “مؤسسة النقد العربي السعودي” (البنك المركزي) في تغريدة أنها وجهت البنوك في المملكة بتأجيل سداد أقساط كل المنتجات التمويلية المقدمة للموظفين السعوديين لمدة 3 أشهر.
وأضافت المؤسسة أن الإجراء جزء من حزمة اقتصادية حكومية لمساعدة الشركات والعاملين في التغلب على تداعيات تفشي كوفيد-19.
وتبرز الشواهد أن المملكة قد تصبح دولة مدينة، وهي فرضية كانت مستبعدة في الماضي، لكنها باتت الآن احتمالا واردا. ففي ظل هبوط سعر خام برنت إلى أقل من عشرين دولارًا -يقول الكاتب- فإن بن سلمان في طريقه لاكتشاف ماذا يعني استغناء العالم عن نفط المملكة.
ويمثل قطاع النفط والغاز نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، و70% من عائدات التصدير، وقد اختفى كل ذلك نتيجة انهيار الأسعار، وفقا للكاتب.
وشهد اقتصاد المملكة تراجعا منذ بعض الوقت، فعندما تولى الملك سلمان العرش وصعد معه نجله محمد في 23 يناير/كانون الثاني 2015 بلغ إجمالي الاحتياطات الأجنبية 732 مليار دولار، وبحلول ديسمبر/كانون الثاني من العام الماضي، تقلص ذلك الرقم إلى 499 مليار دولار، وهو ما يعني خسارة قدرها 233 مليار دولار في أربع سنوات، وفقًا لمؤسسة النقد العربي السعودي.
كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من 25 ألفا و243 دولارًا عام 2012 إلى 23 ألفا و338 دولارًا عام 2018، وفقًا للبنك الدولي.
وقدر صندوق النقد الدولي أن صافي دين المملكة سيصل إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، و27% العام المقبل، وقد يصل إلى 50% بحلول عام 2022 في ظل جائحة كورونا وأزمة أسعار النفط.
والإغلاق الذي تسبب فيه تفشي فيروس كورونا المستجد، وأدى إلى تعليق الحج ومواسم العمرة، التي تجذب نحو عشرة ملايين حاج ومعتمر سنويا؛ قد أفقد ميزانية المملكة ثمانية مليارات دولار أخرى.
ومع الخسائر الناجمة عن انهيار أسعار البترول، وإلغاء الحج والعمرة، وإغلاق الاقتصاد؛ فإن هناك مؤشرات أخرى تشير إلى عمق الأزمة، ومن أهمها الاستثمارات السيئة.
إذ تراجعت قيمة صناديق الثروة السيادية يعد أحد المؤشرات الدالة على الاستثمارات السيئة. واحتل صندوق الثروة السيادية الرئيسي للمملكة -صندوق الاستثمار العام- المرتبة 11 عالميا، بعد هيئة أبو ظبي للاستثمار وهيئة الاستثمار الكويتية وهيئة الاستثمار القطرية، حيث بلغت قيمة صندوق الثروة السيادية للإمارات 1.213 تريليون دولار، ثم الكويت بمبلغ 522 مليار دولار، وقطر بمبلغ 328 مليار دولار، والسعودية بمبلغ 320 مليار دولار.
وتشير تقديرات قدمها صندوق النقد الدولي قبل تفشي وباء كورونا إلى أن خطط زيادة صندوق الاستثمار العام السعودي ليصل إلى تريليون دولار لن تكون كافية لتوفير الدخل اللازم، إذا أرادت السعودية تنويع مصادر اقتصادها بدل الاعتماد على النفط.
كما تبرز شواهد على تراجع قيمة مشاريع استثمارية مهمة في المملكة، مثل مشروع نيوم والاستثمار في شركة أوبر وغيرهما.
كما أن الركيزتين الأساسيتين لخطة الإصلاح التي تبناها محمد بن سلمان تتداعيان، حيث فشلت خطته الرامية لجلب استثمارات أجنبية من خلال بيع 5% من أسهم شركة أرامكو في بورصات الأوراق المالية الأجنبية، كما يشهد صندوق الاستثمار العام -الأداة الرئيسية لتنويع اقتصاد المملكة بعيدًا عن النفط- حالة من الفوضى.
ويجمع مراقبون على أن بن سلمان في عصر ما بعد النفط لن يكون قادرا على إنفاق مليار دولار من دون أن يطرف له جفن كما كان من قبل.