أشعل ولي العهد محمد بن سلمان منذ أيام حربا على أسعار النفط ما جعل المملكة تجد نفسها هدفا لخسائر مركبة تهدد بتفاقم غير مسبوقة لأزمة اقتصادها الحاصلة أصلا منذ سنوات.
إذ أن المملكة تخسر مرة وبشكل يومياً من بيعها عشرة ملايين برميل في اليوم بفارق في السعر يصل إلى نحو 30 دولار عما كان عليه السوق في شهر كانون الثاني/يناير الماضي.
كما أن المملكة تخسر من جراء هبوط أسعار أسهمها في بورصات العالم لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية.
يضاف إلى كل ذلك خسائر شركة أرامكو النفطية الحكومية التي انخفضت قيمة سهمها بقيمة 10%، خاصة أن أرامكو هي ما بنى عليه بن سلمان مشروع رؤيته المعروفة ب2030 لتحديث المملكة وتنويع مصادر دخلها فإذا بقيمتها تتعرض للتآكل عوض النمو.
وترتب بالفعل على هذه الخسائر دعوة إلى التقشف وخفض الانفاق الحكومي في المملكة والتقشف كلمة لا تحبها الشعوب خاصة إذا رأت أن منشأها ليس من قلة في الموارد بل من سوء في توظيفها.
ويتسأل المراقبون عن سداد القرار السعودي بخفض الأسعار وزيادة في الانتاج والمملكة تخوض غمار انتقال خشن في الحكم لم تعهده من قبل، في ظل التصدعات التي أصابت الاسرة الحاكمة من اعتقال أمراء ورجال مال وشيوخ دين وقبائل فضلاً عن الناشطين والناشطات ممن يطالبون ويطالبن بإصلاحات جذرية إضافة إلى اعتقال أمراء كبار مثل الأمرين أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك ومحمد بن نايف ولي العهد السابق.
كل ذلك لا يشكل بيئة سياسية تسمح بمغامرة لا تؤمن ارتداداتها الاقتصادية القاسية ومن ثم الاجتماعية والسياسية، فالسلطة لا سيما في العروش الموروثة تحتال إلى التأييد بالسعة إلى التضييق وبطلب الرضا للسخط، ولذلك عد خبراء سياسيون واقتصاديون قرار بن سلمان بيان أخر في التخبط الذي سيؤدي إلى أضرار بالغة في الاقتصاد السعودي.
ويحيل تفسير ظاهر قرار بن سلمان إلى حرب أسعار طرفاها المملكة وروسيا بعد أن رفضت موسكو من الأوبك بخفض الانتاج إذ أن روسيا ترى أن ارتفاع أسعار النفط يفيد شركات انتاج النفط الصخرية الأمريكية.
أما المملكة فهي تسعى وفق منطقها إلى جر روسيا جرا عبر ضغط الخسائر إلى الجلوس مع أوبك لترتيب السوق على نحو يدفع بالأسعار صعودا.
وإذ بدت حرب الاسعار استعراضا للقوة الاقتصادية السعودية يقدم بن سلمان فاعلاً ذا خطراً في المسرح الدولي، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتقن لعبة صراع القوى قد يجد في هذه الحرب المفروضة عليه فرصة لتأكيد نفوذ بلاده وفرض هيبتها كقوة لا يستهان بها ولو اضطره ذلك إلى الاعتماد على احتياطات بلاده من النقد.
بموازاة ذلك يظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسروراً بوفرة الوقود وامتلاء مستودعات بلاده الاستراتيجية بالنفط الرخيص، وهو سيحول هذا المعطى إلى رأس مال سياسياً يدعم سعيه البقاء في البيت الأبيض.
ويرى مراقبون أن تهور بن سلمان بشأن النفط يخدم هدفين أمريكيين وهما نفط رخيص وإجهاد مالي لروسيا يكفكف نفوذها التوسعي ويعطل أحلامها باستعادة المنافسة القطبية مع الولايات المتحدة.
ويوم أمس أعلنت شركة “أرامكو” أنها ستقوم بسحب عشرات آلاف البراميل من مخزونها النفطي يومياً، في إطار إغراقها السوق العالمية بالنفط بأسعار رخيصة بعد خلافات مع روسيا بخصوص الإنتاج، وتأثير فيروس “كورونا” على الاقتصاد العالمي.
وقال أمين الناصر الرئيس التنفيذي للشركة إن “أرامكو ستقوم بسحب 300 ألف برميل يومياً من مخزونات النفط للوصول إلى مستوى قياسي للإمدادات في أبريل المقبل”، بحسب صحيفة “الاقتصادية” المحلية.
وأضاف: “سنحرص على الإبقاء على العمليات وقوة الأوضاع المالية على الرغم من تأثير كورونا”.
وانخفضت أسعار النفط إلى النصف منذ بداية العام؛ بسبب تضرُّر الطلب نتيجة تفشي فيروس كورونا، وبعد إخفاق روسيا و”أوبك” في التوصل إلى اتفاق جديد بشأن تخفيضات الإنتاج.
ورفضت موسكو دعم تخفيضات جديدة أعمق، وردَّت الرياض بفتح باب الضخ في السوق على مصراعيه، وتعهدت بإيصاله إلى كميات قياسية.
وسجلت “أرامكو” تراجعاً في أرباحها خلال 2019 بنسبة 20.6%، إلى 330.7 مليار ريال (88.2 مليار دولار)، بواقع 23 مليار دولار، وهي أول حصيلة مالية معلنة بعد إدراجها في البورصة، ديسمبر الماضي.
وأرجعت الشركة الانخفاض إلى تراجع أسعار النفط الخام وكميات إنتاجه، إضافة إلى انخفاض الهوامش الربحية لقطاعي التكرير والكيماويات، وانخفاض القيمة المثبتة المتعلقة بشركة صدارة للكيماويات بواقع 6 مليارات ريال (1.6 مليار دولار).
وتوقعت الشركة أن يتراوح حجم الإنفاق الرأسمالي لعام 2020 بين 25 ملياراً و30 مليار دولار، في ظل ظروف السوق الحالية والتقلبات الأخيرة في أسعار السلع.