رصد خبير أمريكي سلسلة صلاحيات كبرى منحها الملك سلمان بن عبد العزيز إلى نجله ولي العهد محمد بن سلمان في سبيل تعزيز سيطرته وحكمه على أفراد العائلة المالكة.
وقال “بروس ريدل”، الزميل في معهد “بروكينجز”، وهو خبير ومراقب مخضرم للشأن السعودي قضى عقودا في مناصب حكومية أمريكية تتعامل مع الشرق الأوسط:
“إذا كان هدف الولايات المتحدة هو سعودية معتدلة ومستقرة داخليا وليست مصدرا للاضطراب في المنطقة، إذن فلا مكان لبن سلمان في مستقبل السعودية”.
وأشار ريدل إلى أن الملك سلمان عزز سلطة نجله بلا رحمة، تاركا الولايات المتحدة من بين آخر الفاعلين الذين يستطيعون وضع ضوابط وقيود على سلوكه وسلطته، إن لم تكن الوحيدة.
تهميش الأمراء
وقال ريدل: لعقود من الزمان، حكمت السعودية مجموعة من الأمراء الذين شغلوا مناصب حكومية مهمة ومكانة عليا داخل الأسرة الحاكمة.
وأوضح تم اتخاذ القرارات المهمة من خلال كبار الأمراء، الذين كان لدى العديد منهم حق النقض. نتيجة لذلك، عكست السياسات السعودية الخارجية والداخلية، مواقف إجماع.
“لكن عندما كبر الأمراء الكبار وبدأوا في الوفاة، بدا أن أبناءهم بدأوا في إعادة تشكيل نظام الحكم فيما بينهم”.
وخلف الأبناء الآباء في مناصب مهمة مثل وزير الخارجية ووزير الداخلية وقائد الحرس الوطني. فيما كان الأبناء الآخرون، الذين عملوا نواب وزراء لآبائهم، على وشك أن يرثوا مناصب أخرى.
وقرب نهاية حكم الملك “عبد الله” ابتعد قليلا عن هذا النظام، وعين “سلمان” وزيرا للدفاع بدلا من نجل الوزير المتوفى حديثا.
لكن بعد ذلك في عام 2015، تولى الملك “سلمان” العرش وبدأ في تفكيك هذا النظام.
وبدلا من حشد الإجماع، ركز الملك “سلمان” السلطة في يد ابنه “محمد”، وهمش الأمراء المتبقين من جيله وأولئك في الجيل التالي الذين يمكن أن ينافسوا ابنه المفضل.
وجعل “محمد”، الذي كان نائبه في وزارة الدفاع، وزيرا. وأطاح الملك بأخيه غير الشقيق، الأمير “مقرن”، من منصب ولي العهد.
ثم في عام 2017، حل “محمد بن سلمان” محل ولي العهد آنذاك الأمير “محمد بن نايف”.
كما عين “سلمان” نجله “محمد” رئيسا للمجلس المسؤول عن وضع السياسة الاقتصادية والاجتماعية والمجلس الذي يشرف على شركة “أرامكو”.
وبذلك عزز “بن سلمان” سيطرته على أهم المؤسسات الاقتصادية في الدولة. وهو الآن صاحب سلطة منقطعة النظير في الداخل، مقيدا فقط بملك مسن وضعيف بشكل متزايد.
وأدت هذه التغييرات العميقة – بحسب ريدل – في هيكل السلطة داخل الأسرة الحاكمة السعودية إلى إزالة القيود التي جعلت السياسة السعودية في السابق تتسم بالحذر
وسمح “بن سلمان” للمرأة بقيادة السيارة، وقيّد سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفرض ضرائب واسعة على السعوديين.
وكان السعوديون ذوو العقلية الإصلاحية يحثون على هذه السياسات لعقود من الزمن، لكن النهج المحافظ في عملية صنع القرار أحبط التغيير.
بطش بن سلمان
وأشار ريدل إلى أن بن سلمان جمع بين القوة والإرادة التي أدت أيضا إلى قرارات متهورة وذات نتائج عكسية وأظهرت أنه غير خبير في الحكم.
في عام 2017، اعتقل “بن سلمان” أكثر من 300 من كبار رجال الأعمال والأمراء في البلاد.
وحول فندق “ريتز كارلتون” في الرياض إلى أكثر السجون فخامة في العالم، وزعزع ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء.
وفي ذلك العام أيضا، اختطف “بن سلمان” رئيس الوزراء اللبناني “سعد الحريري”، الذي كان يزور الرياض، وأجبره على الاستقالة من منصبه.
وكان “بن سلمان” يأمل في حل أزمة سياسية في بيروت بشكل من شأنه أن يلحق الضرر بـ”حزب الله”، حليف إيران، لكن انتهى به الأمر إلى تعزيز الموقف السياسي للحزب بدلا من ذلك.
وفي العام نفسه، انضم “بن سلمان” إلى البحرين ومصر والإمارات في حصار قطر.
وانتهت تلك المقاطعة في ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد انقسام شركاء الولايات المتحدة الخليجيين فقط.
وواصل “بن سلمان” حربا غير مجدية ومدمرة في اليمن، واتخذ إجراءات صارمة ضد المعارضين، أبرزها الأمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.
وتابع ريدل: أدت الصراعات السابقة على السلطة داخل الأسرة الحاكمة إلى انشقاقات علنية، في شكل تشكيلات عسكرية يقودها أمراء متنافسون يواجهون بعضهم البعض.
وأمراء بارزون ينسحبون من مواقعهم الحكومية الرسمية مع الاحتفاظ بألقابهم الرسمية ونفوذهم.
وبعد أن عزز سيطرته شبه الكاملة على الحكومة أبقى المعارضة العائلية في مأزق، يواجه “بن سلمان” تدقيقا عمليا واحدا فقط قد يقيد حريته في العمل، ويأتي من الولايات المتحدة.
وتعتمد خطط “بن سلمان” الطموحة للتغيير الاقتصادي على الاستثمار الدولي، ويلعب المستثمرون الأمريكيون دورا رائدا.
وختم الخبير الأمريكي أنه لا يمكن أن يكون “بن سلمان” لاعبا في النظام المالي العالمي إذا وقفت واشنطن ضده.