وجهت بريطانيا دعوة رسمية إلى ضرورة مثول مُصدر الأمر بارتكاب جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي أمام العدالة في أحدث مطالبة دولية بمحاسبة محمد بن سلمان على الجريمة.
وصدرت الدعوة من وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت الذي سئل على هامش المؤتمر الدولي لـ حرية الإعلام الذي تنظمه كل من بريطانيا وكندا في العاصمة لندن، حول طبيعة الضغط الذي مارسته بريطانيا على السعودية لضمان محاسبة المسؤولين عن قتل خاشقجي، والخطوات التي ستتخذها حال عدم حدوث أي تطور.
وقال الوزير البريطاني “قلنا بشكل صريح إن هذه الجريمة تتعارض تمامًا مع قيم بلدنا. وقد أعربت شخصيًا عن هذا الأمر على مستويات عالية جدًا، سواء خلال المباحثات مع الملك أو ولي العهد أو وزير الخارجية” في السعودية.
وأشار إلى أن بلاده واضحة للغاية بشأن ضمان إجراء عملية قضائية مناسبة حيال الجريمة. وتابع: “هناك عملية مستمرة حاليا في المملكة العربية السعودية.. وهناك معتقلون على خلفية هذه الجريمة الفظيعة”.
واستطرد: “ننتظر ماذا سيحدث، ولكن قلنا بشكل صريح إنه يجب علينا التأكد من مثول الشخص الذي أصدر الأمر بارتكاب هذه الجريمة الفظيعة أمام العدالة”.
وفي السياق كشف المجهر الأوروبي – لقضايا الشرق الأوسط عن تحول المؤتمر الدولي لـ حرية الإعلام إلى منصة عالمية لتوجيه انتقادات شديدة إلى المملكة العربية السعودية على خلفية سجلها الحقوقي الأسود وانتهاكاتها ضد الصحفيين.
وحضر المؤتمر الدولي نحو 60 وزيراً وألف من الصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، و بحسب المجهر سيطرت على مراسم افتتاحه والكلمات الرئيسية فيه قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي مطلع تشرين أول/أكتوبر من العام الماضي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول التركية.
وقال المجهر الاوروبي أن المحامية والناشطة الحقوقية والكاتبة الإنجليزية أمل كلوني والتي عينت مؤخراً سفيرة بريطانيا لحرية الإعلام ” بدأت في كلمة رئيسية في جلسة تحن اسم (الصحفيين تحت التهديد) ضمن افتتاح المؤتمر الدولي، مداخلتها بالحديث عن قضية خاشقجي، والدعوة إلى ضرورة محاسبة قتلته وتحقيق العدالة في قضيته.
واتهمت كلوني في كلمتها أمام حشد من وزراء الخارجية والمنظمات غير الحكومية والأكاديميين والإعلاميين، قادة العالم بالفشل في حماية الصحفيين والاستجابة بـ”لامبالاة جماعية” لجريمة مقتل الصحفي خاشقجي.
وقالت كلوني التي تحدثت بصفتها مبعوثة الحكومة البريطانية لحرية الإعلام، إن “الصحفيين يتعرضون للهجوم كما لم يحدث من قبل، ليس فقط أثناء تغطيتهم للحروب ولكن لفضح الجريمة والفساد”.
وأضافت “الغالبية العظمى من جرائم القتل هذه تمر دون عقاب”، لافتة إلى أن “قادة العالم استجابوا بما هو أكثر بقليل من لا مبالاة جماعية” لمقتل خاشقجي على أيدي عملاء مقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وقد قوبلت كلمة كلوني بتفاعل كبير من الحضور في المؤتمر الدولي وسط هتافات ومداخلات تطالب بمحاسبة قتلة خاشقجي والسلطات السعودية.
من جهته اعتبر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت، في افتتاح أعمال المؤتمر، أن حرية الإعلام “قضية عالمية”. وقال “نرسل اليوم رسالة قوية بأن حرية الإعلام ليست قيمة غربية، بل هي قيمة عالمية… وفي أفضل أحواله يحمي الإعلام الحر المجتمع من ظلم السلطة ويساعد في تحقيق إمكانياته”.
وشدد هنت على أن حرية الإعلام تقي من الجانب المظلم للسلطة، من خلال المحاسبة والتدقيق “إن التبادل المفتوح للأفكار عبر الإعلام الحر يسمح للمجتمعات بالتنفس وتحرير طاقتها الأصلية والإبداعية ولكامل أفرادها”.
وأضاف أن “الدول العشر الأولى على مؤشر الشفافية الدولية، سبعة منها ضمن العشرة الأوائل على مشعر حرية الصحافة العالمي. وفي الوقت ذاته من بين الدول العشر الأكثر فساداً، أربعة منها موجودة بين أسوأ عشر دول في حرية الإعلام” في إشارة إلى السعودية.
ويقول منظمو المؤتمر في لندن إنه يهدف إلى رفع مستوى الحوار والتعاون العالميين حول قضايا تتعلق بحرية الإعلام، بما فيها الأخبار الكاذبة.
بدورها، قالت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند، “إن الصحافة الحرة هي الحجر الأساس في أي مجتمع ديمقراطي، وأساسية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان”.
ويُعد عام 2018 الأسوأ من حيث العنف ضد الصحافيين، حيث تم استهداف أكثر من نصفهم، وفقاً لـ”مراسلون بلا حدود”، إضافةً إلى ارتفاع أعداد القتلى بين الصحافيين بنسبة 15 في المائة.
وأبرز الصحفيين الضحايا خلال 2018 هو الكاتب الصحفي الشهير جمال خاشقجي الذي أقر النظام السعودي بقتله بشكل خارج القانون في قضية أثارت تنديد دولي واسع النطاق ومطالب بمحاسبة القتلة ومن أصدر الأمر بذلك.
وبالتزامن مع انطلاق المؤتمر العالمي لحرية الإعلام في لندن، أعلنت منظمة “مراسلون بلا حدود” الدولية أنّ وفداً منها زار السعودية للدعوة إلى إطلاق سراح 30 صحافياً مسجوناً وسط انتقادات غربية مستمرة للرياض في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وقالت المنظمة الدولية إن الزيارة “غير المسبوقة” للسعودية في إبريل/ نيسان حصلت أملاً في أن تعفو السلطات عن المحتجزين خلال شهر رمضان الذي انتهى قبل أسابيع.
وكان وفد “مراسلون بلا حدود” برئاسة الأمين العام للمنظمة كريستوف ديلوار، قد التقى بمسؤولين سعوديين، من بينهم وزيرا العدل والإعلام ووزير الدولة للشؤون الخارجية والنائب العام ورئيس هيئة حقوق الإنسان.
وأشار ديلوار إلى “الحاجة الملحة إلى إشارة قوية من الحكومة السعودية تنم عن إرادة سياسية حقيقية حتى يبدأ جبر هذا الضرر، إذ نعتقد أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إجراءات جدية مثل إطلاق سراح جميع الصحافيين المحتجزين في البلاد”.
وقال إن التواصل مباشرة مع السلطات السعودية كان “خطوة ضرورية” نجحت في فتح قناة للتواصل. وتتعرّض السعودية لانتقادات دولية شديدة بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، خصوصاً بعد مقتل خاشقجي وتقطيع جثّته على يد سعوديين داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وتعتقد وكالة المخابرات المركزية الأميركية وبعض الدول الغربية أن القتل كان بأوامر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو ما ينفيه المسؤولون السعوديون.
وقالت خبيرة بالأمم المتحدة، الشهر الماضي، إنه يتعين التحقيق مع بن سلمان ومسؤولين كبار آخرين في ضوء وجود دلائل يعتد بها ضدهم.
ونشرت المفوضية الأممية لحقوق الإنسان تقريراً أعدته مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحالات القتل خارج نطاق القانون أغنيس كالامار، وحمّلت فيه السعودية مسؤولية قتل خاشقجي عمدًا، مؤكدة وجود أدلة موثوقة تستوجب التحقيق مع مسؤولين سعوديين كبار بينهم محمد بن سلمان.
وذكر تقرير كالامار أن “مقتل خاشقجي هو إعدام خارج نطاق القانون، تتحمل مسؤوليته السعودية”. وأثار احتجاز ومحاكمة نحو عشر ناشطات، من بينهن الصحافية هتون الفاسي والمدونتان إيمان النفجان ونوف عبد العزيز، باتهامات تشمل الاتصال بصحافيين أجانب، غضباً غربياً واسعاً.
ومن بين الصحافيين المحتجزين أيضاً المدون رائف بدوي، الذي يقضي عقوبة السجن لمدة 10 سنوات لتعبيره عن آراء مثيرة للجدل على الإنترنت، وكذلك صالح الشيحي، الكاتب بصحيفة “الوطن” الذي اعتقل العام الماضي بعدما اتهم الديوان الملكي بالفساد.
وتراجع مركز السعودية على المؤشر العالمي لحرية الصحافة هذا العام، وأصبحت تحتل أحد أسوأ عشرة مراكز وهي الآن في المركز رقم 172 ضمن التصنيف الذي يضم 180 دولة.