هاجمت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية سلطات آل سعود بعد إغلاقها قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، مشيرا إلى أن المراقبين الدوليين انتقدوا الأحكام على أنها “محاكاة ساخرة للعدالة”.
وقال مؤسس مؤسسة الكواكبي، إياد البغدادي، الذي سبق أن أشار إلى أنه تلقى تحذيرات من محاولة استهدافه من السعودية: “السلطات السعودية تعتبر القضية مغلقة. ويفترض أن تكون الأحكام الصادرة هي النهائية. ومع اقترابنا من الذكرى الثانية لقتل جمال، يحرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أن يضع هذه القضية خلفه”.
وأضاف الكواكبي: “ليس صعبا أن نرى سبب ذلك، فيبدو أن هناك قلقا بين الدكتاتوريين العرب بأن الرئيس ترامب قد لا يكون رئيسا لأربع سنوات أخرى ليتستر على أفعالهم، وابن سلمان يعلم أنه مع حلول كانون الثاني/ يناير المقبل، قد يواجه مسؤولين في البيت الأبيض أكثر عدائية” في حال خسر ترامب.
وكانت مقررة الأمم المتحدة الخاصة في قضايا القتل خارج القانون، أغنيس كالامارد، التي قادت تحقيقا مستقلا في الجريمة، علقت على أحكام السعودية، بأنها “لا تحمل شرعية قانونية أو أخلاقية”، كونها جاءت “في نهاية عملية لم تكن عادلة ولا شفافة”.
وكان تقرير كالامارد عام 2019 أشار إلى احتمال تورط ولي العهد، محمد بن سلمان، في جريمة القتل، وأتت متماشية مع النتائج التي توصلت إليها، مع تقدير وكالة الاستخبارات المركزية التي قدمتها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018.
وقال البغدادي: “من الواضح أن ابن سلمان ظن أن بإمكانه أن يجعل اختفاء خاشقجي يبقى غامضا إلى الأبد. وذهب مرتكبو الجريمة إلى حدود بعيدة لتغطية جريمتهم، من جلب خبير في الطب الجنائي، وآخر شبيه بالضحية، إلى إرسال فريق للتنظيف بعد ذلك”.
وأشار إلى أنه بفضل المخابرات التركية وتهور الجريمة نفسها، ما حصل كان جريمة مثبتة بأدلة لا تقبل الجدل، تشير إلى تورط الساعد الأيمن لابن سلمان.
وقد يظن المرء أنه بعد ذلك الفشل الذريع، كان ابن سلمان سيفهم خطورة موقفه، لكنه استمر بالتغطية على الجريمة، وكأن الغضب الدولي سيستمر فقط لمدة أيام قليلة.
وهناك تقارير تفيد حتى أن ابن سلمان استمر في محاولات الاغتيال والاختطاف ضد معارضيه، بعد قتل خاشقجي، كما حصل مع ضابط المخابرات السعودي سعد الجبري في كندا، وعبدالرحمن المطيري في لوس أنجلوس.
و”في 2019 حذرتني المخابرات النرويجية أنني أيضا مستهدف”، وفق ما أكده البغدادي.
وقال: “أخذ الأمر أشهرا قبل أن يدرك ابن سلمان أن شبح خاشقجي لن يتوقف عن ملاحقته. وعندما أدرك ذلك، كان أمامه طريقان. الأول طريق الشفافية الكاملة، ليبعث إشارة بتغير كامل في تصرفاته، والثاني طريق المقاومة القصوى”.
وأكد أن “اختيار طريق الشفافية الكاملة يعني تطهير سلسلة أوامر كاملة متورطة في عملية القتل. وهذا سيكون أمرا صعبا إذا ما اعتبرنا أن سلسلة الأوامر تنتهي عند قدميه. وكان بإمكانه على الأقل أن يأخذها إلى أحد المساعدين اللذين أدارا العملية، ساعده الأيمن سعود القحطاني وأحمد العسيري، الذين برأهما في كانون الأول/ ديسمبر 2019”.
وأضاف: “ربما لو فعل ذلك، لكان يمكن أن يقنع العالم بما فيه الكفاية لإعادة صورته كمصلح ليبرالي”.
أما طريق المقاومة القصوى، فكانت بحسب البغدادي “ستعني استبدال صورة “المصلح” بصورة بوتين العرب، كرجل قوي لا يستطيع أحد أن يلمسه أو يحاسبه”.
وتابع: “من الواضح أن ابن سلمان يسعى لبناء دولة بوليسية، دولة تستحيل فيها المعارضة. وأحد القواعد الأساسية للدول البوليسية أن يضمن الأشخاص الذين يقومون بما يطلبه الديكتاتور الإفلات التام من العقوبة.
ولذلك، لا يمكن أن يتهموا بجرائم أو أن يواجهوا العقوبة لقيامهم بالأوامر. ومن الخطير جدا لأي ديكتاتور أن يحاسب من يفرضون إرادته، لأن فعل ذلك يشكل خطرا على سلطته، خاصة إن كانت دولته البوليسية لا تزال قيد البناء ولم تكتمل بعد.
وكان أمام ابن سلمان هذان الطريقان للاختيار بينهما، فاختار الأسوأ من كليهما، فكانت محاكمة تمثيلية لم تقنع أحدا، ضحت ببعض أكثر رجاله ولاء. ولا يزال العالم يراه مجرما، ولكن من يقومون بفرض إرادته يعرفون أنه يمكن إلقاؤهم تحت عجلات الحافلة في أي وقت.
وقال البغدادي: “بالنسبة لي كمعارض مستهدف بشكل مباشر من ابن سلمان، هذه النتيجة لا تغير شيئا، ولكن تشير فقط إلى أن خصمنا غير قادر على تعلم أي دروس. وسيبقى قادرا على أن يجد أتباعا ينفذون أوامره، ويتخلص منهم عندما تنتهي فائدتهم”.
وختم بالقول: “ستستمر السعودية في زحفها نحو الديكتاتورية الدموية، وسيبقى عمل المعارضين خطيرا للغاية”.