القضاء التركي يبقى على مذكرات الجلب الدولية لقتلة خاشقجي

أنهت محكمة العقوبات المشددة في مدينة إسطنبول التركية أولى الجلسات الغيابية لـ20 متهما سعوديا بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده عام 2018، وأرجأت المحكمة الجلسة الثانية من القضية إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

وأمرت المحكمة بالإبقاء على مذكرات الجلب الدولية، وإحضار المتهمين الغائبين للمحاكمة بالقوة.

وعقدت الجلسة في محكمة العقوبات المشددة الـ11 في القصر العدلي بمنطقة “تشاغليان” في إسطنبول بعد أن وافقت على لائحة الاتهام في أبريل/ نيسان الماضي.

وفي إفادتها بصفتها الطرف المشتكي، قالت خديجة جنكيز، خطيبة جمال خاشقجي، إن الأخير تعرض لعملية خداع وخيانة كبيرين عبر استدعائه إلى القنصلية.

وأضافت “أنا أشتكي ضد كل شخص دبر لهذا الأمر وأعطى التعليمات”.

وأشارت جنكيز إلى أن خاشقجي كان يشعر ببعض القلق قبيل ذهابه إلى قنصلية بلاده، لطلب أوراق رسمية بخصوص إجراءات الزواج.

وأوضحت أنه يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، اتصل خاشقجي بالقنصلية، وتحدث مع شخص يدعى سلطان، الذي عاد واتصل به بعد قرابة 20 دقيقة، وأخبره بأن وثائقه جاهزة.

وأضافت أنها لم تشعر بأي قلق على سلامة خاشقجي عندما دخل قنصلية بلاده، مبينة أن القلق بدأ يساورها بعدما طال انتظارها، ثم اتصلت بأختها.

وتابعت “عندما أخبرتني شقيقتي بأن الدوام الرسمي انتهى بالقنصلية سارعت على الفور إلى الشرطة (حراس القنصلية) وعندما علمت بأن الشرطة لا دراية لها به، اتصلت بالقنصلية، وسألت عن جمال وقات لهم بأني خطيبته، ولكن بعدها جاء إلي شاب سعودي في عمر الـ 25 تقريبا وقال لي بأنه تفقد كافة غرف القنصلية ولم يجد جمال، عندها أدركت أن شيئا ما حل بجمال، فاتصلت بالسيد ياسين أقطاي (مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية).

وقال ياسين أقطاي بصفته شاهدا بالقضية، إن صداقته تمتد إلى سنوات مع جمال خاشقجي.

وأضاف أنه يعلم جيدا موقع جمال خاشقجي في الداخل السعودي، حيث كان يسعى لتوطيد العلاقات التركية – السعودية.

وأكد أن العدالة ستطول قتلة خاشقجي عاجلا أم آجلا، كما اتهم الرياض بعدم التعاون مع السلطات التركية.

وبعد الاستماع إلى شهادتي جنكيز وأقطاي، منحت المحكمة حق الاستماع إلى محامي المتهمين، الذين بدورهم قالوا إنهم لم يستطيعوا التواصل مع موكليهم، وأنهم سيقدمون دفاعهم عن المتهمين بعد الحديث معهم.

بعدها قررت المحكمة عقد الجلسة التالية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

وأعدت النيابة العامة في إسطنبول لائحة اتهام من 117 صفحة ضد المتهمين الصادر بحقهم قرار توقيف في إطار مقتل خاشقجي، الكاتب بصحيفة واشنطن بوست.

وتحتوي اللائحة على اسم خاشقجي بصفة “المقتول” وخطيبته خديجة جنكيز بصفة “المشتكي”، مطالبة بالحكم المؤبد بحق “أحمد بن محمد العسيري” و”سعود القحطاني”، بتهمة “التحریض على القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”.

كما تطالب اللائحة بالحكم المؤبد بحق الأشخاص الـ18 الآخرين بتهمة “القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”.

واعتبرت المحققة الأممية الخاصة آنييس كالامار أنه رغم عدم الإشارة إلى دور ولي العهد السعودي في قضية خاشقجي، فإن ذلك سيتم في مرحلة ما من المحاكمة.

وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، قتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، وباتت القضية من بين الأبرز والأكثر تداولا في الأجندة الدولية منذ ذلك الحين.

وعقب 18 يوما من الإنكار، قدمت خلالها الرياض تفسيرات متضاربة للحادث، وأعلنت مقتل خاشقجي إثر “شجار مع سعوديين”، وتوقيف 18 مواطنا في إطار التحقيقات، دون الكشف عن مكان الجثة.

الجدير ذكره، أن تشكل المحاكمة لأول مسار فعلي لإحقاق العدالة بحق قتلة خاشقجي، فبعد نحو عامين من الجريمة أصدرت الرياض أحكاما بالإعدام في حق 5 مدانين، والسجن 24 عاما لثلاثة مدانين آخرين، فيما تم إطلاق سراح الأسماء المقربة من ولي العهد محمد ابن سلمان.

وفي مايو/ أيار الماضي، أعلن أبناء خاشقجي “عفوا” عن قتلة أبيهم؛ ما يمهد لإلغاء الأحكام الصادرة بحق المدانين بقتله؛ في خطوة انتقدتها مؤسسات حقوقية دولية، وعدّتها محاولة للإفلات من قبضة العدالة وأنها جاءت تحت ضغط السلطات السعودية.

وتمسكت أسرة الصحفي خاشقجي سابقا بقوة، بحقها محاكمة قاتليه، نافية القبول بأي تسوية مالية.

وأكدت مصادر حقوقية أن نظام آل سعود مارس ضغوطات شديدة على عائلة خاشقجي التي لا يزال أفرادها داخل المملكة لإجبارهم على التنازل.

وتعقيبا على تغريدة صلاح خاشقجي، قالت خديجة جنكيز إنه ليس لأحد الحق في العفو عن قتلته “لأن جريمة قتله المشينة لن تسقط بالتقادم”، في حين وصفت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات القتل خارج القضاء أنييس كالامار العفو بالمهزلة.

وقامت سلطات آل سعود بمحاكمة عدد من المتهمين بقتل خاشقجي، قالت إنهم توجهوا إلى تركيا لتنفيذ الجريمة من دون علمها. وصدرت قبل أشهر أحكام بالإعدام والسجن، في قضية أثارت إدانات دولية واسعة. ولم تعرف أسماء المتهمين رسميا، وجرت المحاكمة بعيداً عن وسائل الإعلام، وسط تشكيك بنزاهتها ومصداقيتها.

وكانت صحيفة “ميدل إيست آي” ذكرت في تقرير آب/ أغسطس الماضي، أن هناك توجه من ولي العهد محمد بن سلمان لإغلاق ملف قضية خاشقجي، عبر عفو أولياء الدم عن قتلته.

وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” في نيسان/ أبريل 2019م، النقاب عن منح آل سعود أبناء خاشقجي منازل تقدر قيمتها بملايين الدولارات ودفعات شهرية لا تقل عن عشرة آلاف دولار، إلا أن صلاح نفى أن تكون تلك المنح لإسكاتهم عن المطالبة بحق والدهم.

وقال مسؤولين في نظام آل سعود إن ذلك يأتي في إطار جهود النظام الحاكم للتوصل إلى ترتيب طويل المدى مع عائلة القتيل، بهدف ضمني هو ضمان استمرار أعضاء عائلة القتيل في إظهار ضبط النفس في بياناتهم العلنية حول مقتل.

وامتنع أبناء خاشقجي منذ ذاك الوقت، عن أي انتقاد قاس للمملكة، رغم أن وفاة والدهم أثارت غضبا عالميا وإدانة واسعة النطاق لوريث العرش السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وظهروا في مقطع فيديو، خلال حضورهم إلى القصر الملكي في الرياض لقبول التعازي التي قدمها لهم الملك سلمان ونجله محمد.

وبذلك تطوي سلطات آل سعود قضية مقتل خاشقجي داخلياً فقط، ففي منتصف نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، أعلنت النيابة العامة السعودية أن من أمر بالقتل هو رئيس فريق التفاوض معه (دون ذكر اسمه).

وأصدر القضاء التركي في 5 ديسمبر / كانون الأول 2019، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني؛ للاشتباه بضلوعهما في الجريمة.

وفي 3 يناير / كانون الثاني 2020، أعلنت النيابة العامة السعودية عقد أولى جلسات محاكمة مدانين في القضية، ولا يعرف تفاصيل أكثر عن الجلسات المرتبطة بالقضية، وهو ما دعا الأمم المتحدة إلى اعتبار المحاكمة “غير كافية”، وجددت مطالبتها بإجراء تحقيق “شفاف وشامل”.

ولاحقا حكمت بالإعدام على خمسة متهمين من الاستخبارات السعودية لقيامهم بقتل وتقطيع جثة خاشقجي داخل القنصلية السعودية.

وأصدرت أيضا أحكام متفاوتة بالسجن على ثلاثة متهمين، وقررت الإفراج عن نائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري، وعدم توجيه أي اتهام للرأس المدبر للعملية المستشار الملكي السابق سعود القحطاني، وهو حكم وصفته المنظمات الدولية بأنه يفتقر للعدالة.

وقالت مقررة الأمم المتحدة، آنياس كالامار إن أدلة موثوقة تبين أن ولي العهد محمد بن سلمان ومسؤولين كبار يتحملون المسؤولية الشخصية عن جريمة القتل. ودعت إلى تحقيق دولي مستقل في القضية.

كما قال يرى فرِد رايان، المدير التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست، في مقال نشرته الصحيفة، إن سلطات آل سعود “تتبنى استراتيجية مراوغة” عبر تقديم “مسؤولين يمكن التضحية بهم ككباش فداء” لإجراء محاكمة صورية وتخفيف حدة الغضب العالمي.

ومنذ ذاك الحين، تبحث المملكة عن صورة جديدة أمام المجتمع الدولي في أعقاب سلسلة جرائم هزت الرأي الدولي، أبرزها قضية اغتيال الصحفي خاشقجي.

وكشفت وكالة أسوشيتد برس مطلع مايو/أيار الحالي أن السعودية بصدد إجراء إصلاحات جديدة بغية تحسين سجلها في حقوق الإنسان، وتلميع صورتها التي تضررت نتيجة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي والانتهاكات في حرب اليمن.

وشرعت المملكة مؤخرا – حسب وكالة أسوشيتد برس- في إجراء تعديليْن على الأحكام، يلغي أحدهما عقوبة الجلد، في حين يلغي الثاني تنفيذ حكم الإعدام في المدانين الذين ارتكبوا جرائم عندما كانوا قاصرين.

كما يدفع آل سعود بأموال المملكة إلى الخارج للاستثمار في قطاع الترفيه في الولايات المتحدة الأميركية الذي قد يبدي استعداداً لغض النظر عن سجلها المرتبط بانتهاكات حقوق الإنسان وجريمة اغتيال الصحافي خاشقجي.