تحت ضغط آل سعود.. أسرة خاشقجي تعلن العفو عن قتلته
أعلنت أسرة الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، عفوها عن قتلته، وتنازلها عن المطالبة بالقصاص منهم وذلك تحت ضغط شديد مارسه نظام آل سعود على مدار أشهر.
وقال صلاح، نجل الراجل، في بيان نُشر على صفحته بـ”تويتر”: “في هذه الليلة الفضيلة من هذا الشهر الفضيل نسترجع قول الله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين)، ولذلك نعلن نحن أبناء الشهيد جمال خاشقجي أننا عفونا عمن قتل والدنا لوجه الله تعالى وكلنا رجاء واحتساب للأجر عند الله عز وجل”.
— salah khashoggi (@salahkhashoggi) May 21, 2020
وتمسكت أسرة الصحفي خاشقجي بقوة، بحقها محاكمة قاتليه، نافية القبول بأي تسوية مالية.
ولأكدت مصادر حقوقية أن نظام آل سعود مارس ضغوطات شديدة على عائلة خاشقجي التي لا يزال أفرادها داخل المملكة لإجبارهم على التنازل.
وكانت صحيفة “ميدل إيست آي” ذكرت في تقرير آب/ أغسطس الماضي، أن هناك توجه من ولي العهد محمد بن سلمان لإغلاق ملف قضية خاشقجي، عبر عفو أولياء الدم عن قتلته.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” في نيسان/ أبريل 2019م، النقاب عن منح آل سعود أبناء خاشقجي منازل تقدر قيمتها بملايين الدولارات ودفعات شهرية لا تقل عن عشرة آلاف دولار، إلا أن صلاح نفى أن تكون تلك المنح لإسكاتهم عن المطالبة بحق والدهم.
وقال مسؤولين في نظام آل سعود إن ذلك يأتي في إطار جهود النظام الحاكم للتوصل إلى ترتيب طويل المدى مع عائلة القتيل، بهدف ضمني هو ضمان استمرار أعضاء عائلة القتيل في إظهار ضبط النفس في بياناتهم العلنية حول مقتل.
وشهدت قنصلية المملكة في إسطنبول، بـ 2 تشرين أول/ أكتوبر 2018، واحدة من أبشع الجرائم باستدراج مسؤولين سعوديين لخاشقجي، وخنقه، وقتله قبل تقطيع جثته وإخفائها، وسط اتهامات مباشرة لولي العهد محمد بن سلمان بالمسؤولية عمّا حدث.
وتوصلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي آي إيه) بدرجة ثقة “متوسطة إلى مرتفعة” إلى أن محمد بن سلمان أعطى أوامر بقتل خاشقجي، لكن الرئيس دونالد ترامب رفض قبول ما توصلت إليه الوكالة بشأن حليفه المقرب محمد بن سلمان، قائلا: “ربما فعل، ربما لم يفعل”.
وامتنع أبناء خاشقجي منذ ذاك الوقت، عن أي انتقاد قاس للمملكة، رغم أن وفاة والدهم أثارت غضبا عالميا وإدانة واسعة النطاق لوريث العرش السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وظهروا في مقطع فيديو، خلال حضورهم إلى القصر الملكي في الرياض لقبول التعازي التي قدمها لهم الملك سلمان ونجله محمد.
وبذلك تطوي السلطات السعودية قضية مقتل خاشقجي داخلياً فقط، ففي منتصف نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، أعلنت النيابة العامة السعودية أن من أمر بالقتل هو رئيس فريق التفاوض معه (دون ذكر اسمه).
وأصدر القضاء التركي في 5 ديسمبر / كانون الأول الماضي، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني؛ للاشتباه بضلوعهما في الجريمة.
وفي 3 يناير / كانون الثاني الماضي، أعلنت النيابة العامة السعودية عقد أولى جلسات محاكمة مدانين في القضية، ولا يعرف تفاصيل أكثر عن الجلسات المرتبطة بالقضية، وهو ما دعا الأمم المتحدة إلى اعتبار المحاكمة “غير كافية”، وجددت مطالبتها بإجراء تحقيق “شفاف وشامل”.
ولاحقا حكمت بالإعدام على خمسة متهمين من الاستخبارات السعودية لقيامهم بقتل وتقطيع جثة خاشقجي داخل القنصلية السعودية.
وأصدرت أيضا أحكام متفاوتة بالسجن على ثلاثة متهمين، وقررت الإفراج عن نائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري، وعدم توجيه أي اتهام للرأس المدبر للعملية المستشار الملكي السابق سعود القحطاني، وهو حكم وصفته المنظمات الدولية بأنه يفتقر للعدالة.
وقالت مقررة الأمم المتحدة، آنياس كالامار إن أدلة موثوقة تبين أن ولي العهد محمد بن سلمان ومسؤولين كبار يتحملون المسؤولية الشخصية عن جريمة القتل. ودعت إلى تحقيق دولي مستقل في القضية.
كما قال يرى فرِد رايان، المدير التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست، في مقال نشرته الصحيفة، إن السلطات السعودية “تتبنى استراتيجية مراوغة” عبر تقديم “مسؤولين يمكن التضحية بهم ككباش فداء” لإجراء محاكمة صورية وتخفيف حدة الغضب العالمي.
ومنذ ذاك الحين، تبحث المملكة السعودية عن صورة جديدة أمام المجتمع الدولي في أعقاب سلسلة جرائم هزت الرأي الدولي، أبرزها قضية اغتيال الصحفي خاشقجي.
وكشفت وكالة أسوشيتد برس مطلع مايو/أيار الحالي أن السعودية بصدد إجراء إصلاحات جديدة بغية تحسين سجلها في حقوق الإنسان، وتلميع صورتها التي تضررت نتيجة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي والانتهاكات في حرب اليمن.
وشرعت المملكة مؤخرا – حسب وكالة أسوشيتد برس- في إجراء تعديليْن على الأحكام، يلغي أحدهما عقوبة الجلد، في حين يلغي الثاني تنفيذ حكم الإعدام في المدانين الذين ارتكبوا جرائم عندما كانوا قاصرين.
كما ذه آل سعود بأموال المملكة إلى الخارج للاستثمار في قطاع الترفيه في الولايات المتحدة الأميركية الذي قد يبدي استعداداً لغض النظر عن سجلها المرتبط بانتهاكات حقوق الإنسان وجريمة اغتيال الصحافي خاشقجي.
واشترى آل سعود خلال إبريل/ نيسان الماضي حصة قيمتها 500 مليون دولار أميركي، أو 5 في المائة، من أسهم شركة البثّ الموسيقي “لايف نايشن” Live Nation، لتصبح ثالث أكبر مستثمر فيها، بعدما انخفضت قيمة أسهمها بأكثر من 40 في المائة.
وخلال الربع الأول من العام الحالي، استثمرت المملكة 500 مليون دولار أميركي في شركة “والت ديزني” Walt Disney.
وأفادت مجلة “هوليوود ريبوتر”، في 6 مايو/أيار الحالي، بأن صفقات جديدة ستعقدها المملكة العربية السعودية خلال الفترة المقبلة، مشيرة إلى أن “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي يقدم عروضاً لشراء أسهم في “تايم وارنر ميوزيك غروب” Time Warner Music Group.
شراء الأسهم في “لايف نايشن” شكل أول عملية لـ”صندوق الاستثمارات العامة” في شركة ترفيه أميركية، منذ جريمة اغتيال الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست”، وحينها، أعلنت شركات ومؤسسات في هوليوود مقاطعتها للمملكة السعودية احتجاجاً.
لكن مجلة “هوليوود ريبورتر” لفتت إلى أن وباء فيروس كورونا شكل ضربة هائلة للشركات في هوليوود التي قد تفضل التضحية بصورتها العامة مقابل عدم فقدان قدراتها المالية وانهيارها الكلي، ما يعني فتح المجال أكثر أمام المملكة السعودية للاستثمار في القطاع، خاصة أن استثماراتها الأخيرة لم تواجه انتقادات واسعة، كما في السابق، عبر المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأمام هذه الهجمة السعودية على هوليوود، قالت محررة قسم الآراء العالمية في صحيفة “واشنطن بوست”، كارِن عطية، إن “قبول الشركات لأموال ملطخة بالدماء من نظام لا يأبه بسجن نجوم مواقع التواصل الاجتماعي وتعذيب أشهر الناشطات النسويات وقتل كاتب رأي في (واشنطن بوست) يهدد حرية التعبير فيها مقابل إسعاد المستثمرين”.
وحذرت عطية في مقالة عنوانها “رأسمالية السعودية الكارثية تصل إلى هوليوود”، من أن “استمرار قطاع الترفيه الأميركي في التعامل مع المملكة العربية السعودية يظهر للعالم استعدادها لإلقاء القيم والأخلاق الأميركية في القمامة”.