تحمل قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل غدرا مطلع أكتوبر 2018 تطورات صادمة لمحمد بن سلمان تقرب بإمكانية إدانته قريبا.
فقد أمر قاضٍ في محكمة بنيويورك الوكالات الفدرالية الأميركية بتسليم جميع الوثائق التي بحوزتها بشأن مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
ووجه القاضي بول أنغلماير أوامر لوزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين بتسليم قرابة خمسة آلاف صفحة شهريا مرتبطة بملف مقتل خاشقجي الذي كان مقيما في أميركا منذ سنوات ويكتب عمود رأي في صحيفة واشنطن بوست الأميركية، وكثيرا ما انتقد سياسات المملكة.
وقال القاضي أنغلماير إن المعلومات بشأن اختفاء خاشقجي وتصفيته “ذات أهمية عامة مقدرة”.
بالمقابل، ذكر ممثلو وزارتي الخارجية والدفاع أن امتثال إداراتهم للأمر القضائي بموجب قانون حرية المعلومات، سيجعل من المستحيل الاستجابة لطلبات أخرى بموجب القانون نفسه بشأن قضية الصحفي السعودي.
ويرتبط الأمر القضائي بالإفراج عن الوثائق المذكورة بدعوى رفعتها في يناير/كانون الثاني 2019 “مبادرة العدالة للمجتمع المفتوح”، وهي الذراع القانونية لمؤسسة تدعى “منظمات المجتمع المفتوح”، وتطلب هذه المنظمة في دعواها الإفراج الفوري عن كافة الوثائق الحكومية الأميركية المتصلة بمقتل خاشقجي بوصفه كان مقيما في الأراضي الأميركية.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس الأميركية عن القاضي أن طلب مبادرة العدالة للمجتمع المفتوح “منطقي ولا يكتسي أي حساسية غير معتادة في توقيته”.
وقال رئيس فريق المحامين عن المبادرة “أمريت سينغ” -في تصريح عبر رسالة إلكترونية- إن الأمر القضائي “هو بمثابة نداء للمحاسبة، في وقت تحاول فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فعل أي شيء ممكن لإخفاء الحقيقة بشأن الجهة المسؤولة عن مقتل خاشقجي”.
وكانت كبريات وسائل الإعلام الأميركية كشفت في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 نقلا عن مصادر مطلعة أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) خلصت إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي.
يأتي ذلك فيما يسعى بن سلمان للتعجيل والاسراع بغلق ملف اغتيال خاشقجي قبل أن يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملته لانتخابات الرئاسة المقبلة.
وقال موقع “ميدل إيست آي -في تقرير للكاتب ديفيد هيرست- إن محمد بن سلمان يسعى لطي ملف اغتيال خاشقجي عبر تسريع محاكمة منفذي الجريمة التي نفذها فريق أمني مكلف من آل سعود في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي داخل سفارة السعودية بمدينة إسطنبول التركية.
ونقل عن وثيقة مسربة صدرت بتاريخ 24 مايو/أيار الماضي عن مركز الإمارات للسياسات المرتبط بالحكومة الإماراتية وأجهزة الأمن التابعة لها, أن ما يسعى إليه ولي العهد هو خطوة حكيمة لطي صفحة الحادثة، من خلال إدانة أعضاء الفريق الأمني الذي تولى قتل خاشقجي، حتى لا تقع إثارة الموضوع في الحملات التي تسبق انتخابات الرئاسة الأميركية المقرر تنظيمها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ووفق ما ورد في الوثيقة الإماراتية، فإن مساعي الرياض الرامية لغلق الملف تكمن أساسا في دفع ورثة الصحفي الراحل إلى قبول الدية وتسوية مالية تتفق عليها أطراف القضية، وبالتالي التخلي عن حقهم في القصاص من القتلة.
كما جاء فيها أن سلطات آل سعود تخطط للاستعانة برجال الدين السعوديين لطي الملف، وأن رجال الدين سيعرضون على ورثة جمال خاشقجي خيارات تتراوح بين قبول الدية والعفو دون الحصول على أي تعويض مادي.
وفي هذا السياق، أشار الموقع البريطاني إلى أن صلاح خاشقجي -نجل الصحفي الراحل- كان قد نفى أن تكون العائلة تلقت أي أموال من سلطات آل سعود.
وأوضح أن الوثيقة الإماراتية أشارت إلى بيان باسم صلاح خاشقجي نفى فيه وجود أي تسوية، وأكد ضرورة محاكمة كل من كان له دور في جريمة قتل والده.
وأشار موقع ميدل إيست آي إلى أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) والمحققين الأتراك يعتقدون أن ولي العهد محمد بن سلمان هو من أمر بتصفية خاشقجي، الذي كان يكتب مقالات رأي في صحيفة واشنطن بوست الأميركية وموقع ميدل إيست آي.
كما أشار إلى أن ترامب دعم محمد بن سلمان خلال موجة الغضب الدولي العارمة التي سادت عقب اغتيال الصحفي السعودي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول.
وذكّر تقرير ميدل إيست آي بأن من يخضعون لمحاكمة في إطار قضية اغتيال خاشقجي هم 11 شخصا، طالبت النيابة العامة التابعة لآل سعود بإعدام خمسة منهم، وما زال المستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني طليقا ولم تشمله المحاكمات، وما زال يتواصل مع ولي العهد محمد بن سلمان، رغم الاعتقاد بأنه العقل المدبر لعملية الاغتيال.
في خطوة اعتبرت تاريخية، تحدى مجلس الشيوخ الأمريكي إصرار ترامب على دعم بن سلمان وأقر بمسؤولية الأخير في قضية مقتل الصحفي خاشقجي.
هذه الخطوة تأتي بعدما قال الرئيس الأمريكي إنه يريد من واشنطن الوقوف إلى جانب حكومة آل سعود وولي العهد محمد بن سلمان.
فقد كان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي وهو جمهوري ذكر بأنه سيقدم مشروع قانون يحمّل ولي العهد محمد بن سلمان مسؤولية قتل الصحفي جمال خاشقجي ويشدد على محاسبة المتورطين في جريمة قتله.
وقد صوت مجلس النواب الامريكي على مشروع قانون خاص بمحاسبة من يقفون وراء جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي, في وقت وقع أعضاء بالكونغرس الامريكي على رسالة للخارجية لإطلاق سراح نشطاء حقوق المرأة بالمملكة.
وتسبب مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في تشرين أول/أكتوبر الماضي في موجة كبيرة من الغضب والتنديد عبر العالم, وسلطت المزيد من الضوء على الانتقادات المتزايدة للرياض بسبب الحرب التي تخوضها في اليمن حتى أصبح الموضوعان مرتبطين بشكل كبير مؤخرا.
وقد ساهم في نشر القضية بشكل كبير داخل الولايات المتحدة والعالم عموما, اشتغال الصحفي لصالح صحيفة واشنطن بوست, لكن ترامب رغم الضغوط, رفض تحميل بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي رغم أن التقييم النهائي لوكالة الاستخبارات المركزية خلص إلى دور بن سلمان في الجريمة.
وأضاف: “سوف تستمر الحكومة في التشاور والعمل مع مجلس الشيوخ من أجل تحديد المسؤول عن مقتل جمال خاشقجي.”
وكانت المقررة الأممية لحالات الإعدام خارج القانون أنييس كالامار أكدت أن قضية اغتيال خاشقجي ستبقى حية حتى يقتنع الرأي العام العالمي بأنه جرى اتخاذ ما يلزم لتحقيق العدالة، وشددت على ضرورة إنزال عقوبات فردية تطال أشخاصا في أعلى هرم السلطة في المملكة.
وفي سياق حقوق الإنسان أيضا بالمملكة، وقع أكثر من عشرين عضوا بالكونغرس من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) على رسالة شديدة اللهجة لوزير الخارجية مايك بومبيو يطالبونه فيها بالضغط على المملكة لاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لمواطنيها، والإفراج الفوري عن نشطاء حقوق المرأة.
وجاء في الرسالة أن منظمة فريدوم هاوس وغيرها من منظمات حقوق الإنسان “صنفت المملكة على أنها واحدة من أسوأ منتهكي الحقوق السياسية والحريات المدنية في العالم، وأحدث مثال صارخ على ذلك هو اغتيال الصحفي في صحيفة واشنطن بوست (خاشقجي) في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وأضاف أعضاء الكونغرس العشرون بالرسالة أن سلطات آل سعود اعتقلت الناشطات في مجال حقوق المرأة السعودية، ثم زجت في السجون عام 2019 بالأفراد الذين تربطهم صلات بالنشطاء المسجونين حاليًا والذين يدعمون الإصلاحات الاجتماعية.