رجح الصحفي والاقتصادي مصطفي عبد السلام، فشل حملة المقاطعة السعودية للبضائع التركية، عازيا الأمر لعدة أسباب.
وقال عبد السلام، في مقال، إنه منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018، وتأزم العلاقات السعودية التركية، تعالت دعوات داخل المملكة وعدد من الدول العربية الداعمة للنظام السعودي إلى مقاطعة المنتجات والسلع التركية!
واستدرك: لكن دعوات حملة المقاطعة تلك لم تجد قبولاً في الشارع العربي وأذاناً صاغية لدى المستهلك، ودليل ذلك الأرقام الرسمية الصادرة من وزارة التجارة ومعهد الإحصاء التركيين.
وبلغ حجم الصادرات التركية للدول العربية آنذاك ارتفع عقب الفترة التي تلت مقتل خاشقجي حيث بلغ نحو 171 مليار دولار في عام 2019 بزيادة بنسبة 2.1% مقارنة بعام 2018، في حين بلغ حجم الواردات 202 مليار دولار، بانخفاض بنسبة 9.1% مقارنة بعام 2018.
وأضاف عبد السلام: صحيح أن الصادرات التركية لدول المنطقة تراجعت في عام 2020، لكن التراجع لم يكن بسبب حملة المقاطعة السعودية الإماراتية التي خفتت بشدة إلى أن اختفت تماماً.
لكن بسبب جائحة كورونا التي أثرت سلباً على صادرات كل الدول، وفي مقدمتها ألمانيا والصين والولايات المتحدة واليابان، وليس صادرات تركيا فقط، حيث توقفت الشاحنات وتدفق السلع والبضائع من دولة لأخرى مع إغلاق المطارات والحدود.
الآن، تنطلق مجدداً دعوات شبه رسمية داخل السعودية لمقاطعة المنتجات التركية تحت وسم “#الحملة_الشعبية_لمقاطعة_تركيا”.
وتطرق إلى أن الملاحظ أن حملة هذا العام تخلت عن “خجلها وتحفظها الرسمي المعهود”، فقد تبنتها جهات محسوبة على مؤسسات رسمية، منها مجلس الغرف التجارية السعودية وغرفة الرياض، ووسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي قريبة من النظام الحاكم في الرياض.
وكذلك مشاركة مقربين من دوائر الحكم وأمراء من الأسرة السعودية الحاكمة لا يشغلون مناصب في المملكة مثل الأمير عبد الرحمن بن مساعد.
وتساءل: هل تنجح دعوات مقاطعة السلع التركية هذه المرة، فيما فشلت فيه في ذروة ملف مقتل خاشقجي؟
وأجاب عبد السلام: لا، فهذه الدعوات وغيرها مصيرها الفشل ولن تؤتي ثمارها لسبب بسيط، وهو أن السعودية لا تنتج ما يلبي حاجة المستهلك، وأنها تعتمد على الخارج في تغطية احتياجات أسواقها ومصانعها ومنشآتها التجارية.
وأشار أيضا إلى أن السوق التركي يعد من أبرز الأسواق الخارجية أمام المستورد السعودي لأسباب عدة منها جودة المنتج التركي ورخص سعره.
وبحسب خريطة الواردات في السعودية تشير إلى أن المملكة تستورد كل شيء. وحسب خريطة الميزان التجاري، فإن المملكة تستورد الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاءها والسيارات والعربات ومعدات النقل والبتروكيماويات واللدائن والمطاط ومصنوعاتهما ومنتجات الصناعات الكيماوية وما يتصل بها والوقود وغيرها.
وقال الاقتصادي: لن أتحدث هنا عن واردات الملابس والسجاد والمنسوجات والسلع الغذائية والزيوت والخضروات والفواكه والحبوب والأثاث وأدوات المائدة والصلب والسيراميك. حتى السبح والسجاجيد والجلباب وفوانيس رمضان والهدايا يتم استيرادها من تركيا وغيرها من دول العالم مثل الصين.
وأكد أن حال السعودية لا يختلف كثيرا عن حال دول الخليج، حيث تشير الأرقام إلى أن حجم واردات الدول الست من الغذاء مثلا يبلغ نحو 53 مليار دولار، منها 20 مليار دولار للإمارات وحدها.
كما تستورد دول مجلس التعاون نحو 90% من احتياجاتها من الغذاء، وتستورد السعودية نحو 70% من تلك الاحتياجات خاصة القمح والزيوت من 160 دولة عبر نصف مليون شحنة سنوية، وفقاً للهيئة العامة للغذاء والدواء.
في المقابل، فإن معظم دول الخليج تصدر منتجاً واحداً هو النفط أو الغاز واللذان يشكلان نحو 80% من صادراتها الخارجية، مقابل استيراد كل شيء، وحسب الأرقام فإن قيمة واردات دول الخليج تجاوزت 458 مليار دولار في العام الماضي.
وفي ظل هذه الخريطة، لا تستطيع السعودية وغيرها من دول الخليج الاستغناء عن السلع والمنتجات الخارجية بما فيها التركية، خاصة أن المملكة تحتل المركز الـ15 في قائمة أكبر أسواق الصادرات التركية.
كما يحتل السعوديون المرتبة الثالثة في قائمة أكثر مشتري العقارات في تركيا خلال السنوات الخمس الماضية، وللسعودية مصالح تجارية واستثمارية ضخمة داخل تركيا، لا يمكن سحبها بسهولة حتى ولو أراد صانع القرار السعودي ذلك.
ووجه عبد السلام نصيحة لسلطات آل سعود: قبل أن تطالبوا بمقاطعة المنتجات التركية، عليكم أولا أن توفروا احتياجات مواطنيكم وأسواقكم من الغذاء والملبس والدواء والسلاح، فهذا هو الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية، وما قبل ذلك تصبح حملات ودعوات المقاطعة دخان في الهواء.
ونصحهم أيضا: قبل أن تطالبوا بمقاطعة المنتجات والسلع التركية عليكم حماية أسواقكم من السلع الصينية الرديئة والمغشوشة.