يواصل ولي العهد محمد بن سلمان حملته الشرسة على حقوق الإنسان في المملكة متجاهلا انتقادات المنظمات الدولية والضغوط الحقوقية للإفراج عن معتقلي الرأي.
ويظهر بن سلمان تشديدا على سحق تيار الصحوة والقضاء عليه، رغم أن الحملة الأمنية الشرسة استهدفت التيارات كافة ومنها التيار النسوي وذلك باعتقال الناشطة النسوية لجين الهذلول التي تعرضت للتعذيب والتهديد بالتحرش عدة مرات من قبل المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني.
وقد دخل عام 2020 وما زال المئات من معتقلي الرأي يقبعون داخل سجون المملكة فيما الكثير من عائلات المعتقلين والناشطين والمعارضين في الخارج قابعون رهن منع السفر التعسفي.
وطالبت منظمات حقوقية دولية بالإفراج الفوري عن معتقلي الرأي في سجون سلطات آل سعود خاصة أنهم لم يعرضوا إلى هذه اللحظة إلى القضاء أو محاكمتهم وفق القانون.
وتمارس السلطات المنع التعسفي من السفر على نطاق واسع، دون حكم قضائي، ويصعب على الضحايا الانتصاف القانوني من هذه القرارات التعسفية، بسبب عدم وجود سلطات مستقلة.
ويمارس بن سلمان أسلوب القمع والترهيب ضد كل ما يكتب أو ينتقد أو يعبر عن رأيه سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو على العلن.
ولم يكن غريباً على نظام آل سعود هذا الأسلوب، لكنه زاد عندما تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، وعمل على اعتقال كل من يعارض سياساته او نظامه القمعي.
وقالت منظمات دولية إن سلطات آل سعود مستمرة في ارتكاب انتهاكات الاحتجاز التعسفي للنشطاء والمعارضين السلميين لفترات طويلة دون محاكمة حيث يقضي المئات منهم عقوبات بالسجن لفترات طويلة لانتقادهم السلطات أو الدعوة إلى إصلاحات سياسية وحقوقية أو لمجرد تغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وشددت على أن ذلك يتناقض مع التزامات المملكة تجاه المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تكفل الحق في الرأي والتعبير، وأن أي إصلاح حقيقي في المملكة مرهون بشكل جوهري بالسماح للمفكرين الدينيين ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والمدونين بالتعبير عن أنفسهم دون خوف من الاعتقال والإعدام.
ولا تفصح سلطات آل سعود عن أعداد الموقوفين على خلفية حرية الرأي في سجونها، ولا تسمح للمؤسسات الحقوقية بزيارتهم أو الاطلاع على أوضاعهم.
وتقدر حصيلة حقوقية من تم معرفة أسمائهم من معتقلي الرأي في المملكة منذ سبتمبر/أيلول 2017 بأكثر من 110 شخصيات، إضافة إلى نحو 50 من المقيمين الفلسطينيين.
ومن أبرز معتقلي الرأي الداعية المعروف سلمان العودة الذي تواصل السلطات تلاعبها في قضيته عبر تأجيل المحاكمات السرية وجلسات النطق بالحكم وعدم السماح للمنظمات الحقوقية والصحافيين والمراقبين الدوليين بحضور هذه الجلسات، التي تُعقد في المحكمة الجزائية المختصة بقضايا الإرهاب في العاصمة الرياض، في وقت يعاني فيه العودة من ظروف سجنه الصعبة.
وقال عبد الله العودة نجل الداعية سلمان العودة، وهو أكاديمي وباحث في جامعة جورج تاون الأميركية، إن سلطات آل سعود بعد عدة جلسات محاكمة سرية، رفعت الجلسة ولم تحدد المحكمة الموعد القادم ولا تاريخ النطق بالحكم “كجزء من حالة الارتباك العام في الإجراءات”.
وكانت السلطات بدأت في الـ19 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي بسلسلة جديدة من جلسات المحاكمة السرية، ما يعني فتح ملف القضية من جديد بعد أن كانت قد حجزتها للنطق بالحكم من قبل، بناءً على طلب النيابة العامة، التي تريد تقديم أدلة جديدة تدين العودة.
وندد عبد الله العودة بالمعاملة غير الإنسانية التي يتعرض لها والده في السجن، حيث أكد مراراً عملية التعذيب الممنهجة بحق والده الذي يبلغ من العمر 64 عاماً، حيث حُرم النوم عدة أيام، وتُرك مقيداً في العزل الانفرادي، وقُدِّم الطعام له في كيس صغير يُرمى له وهو مقيد، ما يضطر العودة إلى فتحه بأسنانه، وهو ما سبّب إصابات له في أسنانه. كذلك فإن الحراس حينما ينقلونه من مكان إلى آخر يأخذونه ويقذفونه دون احترام لسنّه ومكانته.
وتساءل العودة عن السبب الذي دفع السلطات إلى اعتقال والده رغم أن الملك سلمان وولي عهده قاما بتعزيته في شهر يناير/ كانون الثاني عام 2017 أي قبل عدة أشهر من اعتقاله.
كذلك أكد العودة أن محمد بن سلمان زار بيت والده وطلب منه “المشورة” في أمور الحكم.
وقال العودة في تصريحات له: “كيف لولي العهد أن يطلب المشورة والنصيحة من شخص يصنَّف اليوم على أنه منحرف فكرياً؟ أم أن الانحراف حصل في ظرف ساعات من تغريدته في جمع الصف وتأليف ذات البين؟”.
وحظي العودة الذي سُجن سابقاً في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بعد خروجه من سجنه، بترحيب شعبي وحكومي كبير، إذ بات مقرباً من حكومات آل سعود المتعاقبة، التي استخدمت آراءه الوسطية في سبيل محاربة التطرف عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي تورط فيها متهمون سعوديون.
وكانت السلطات اعتقلت العودة في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2017 في حملة أمنية شرسة على المئات من المنتمين إلى تيار الصحوة الديني، أحد أهم التيارات في البلاد، وذلك بعد ساعات من كتابته لتغريدة في موقع “تويتر” لمّح فيها إلى تأييده للمصالحة بين السعودية وقطر، بعد ورود أنباء تفيد بإمكانية إنهاء حصار دولة قطر آنذاك.
وحُبس العودة دون توجيه أي تهمة إليه، حتى طالب المدعي العام بإعدامه بعد توجيه 37 تهمة إليه في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2018، ومن بين هذه التهم “عدم الدعاء لولي الأمر” و”الانضمام إلى منظمة إرهابية” و”الإفساد في الأرض” برفقة اثنين من أبرز دعاة تيار الصحوة، هما عوض القرني وعلي العمري.
وأجّلت فضيحة قضية اغتيال الكاتب والصحافي المعارض جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 داخل القنصلية السعودية في إسطنبول إجراءات محاكمة العودة وسعي السلطات السعودية إلى إعدامه، لكنها عادت من جديد لمحاكمته السرية والتلاعب بالقضاة وعزل بعضهم وتعيين آخرين ومنع حضور المنظمات الدولية والحقوقية وتأجيل المحاكمات دون تقديم أسباب واضحة لعائلته.
وبعد مرور أكثر من سنتين على اعتقال العودة، لا يزال أبناؤه ممنوعين من السفر، وحُرم أبناؤه الصغار والدتهم التي توفيت في حادث مروري مطلع عام 2017 ووالدهم الذي اعتُقل بعد ذلك بأشهر، فيما لا يزال نجله عبد الله العودة يدافع عن والده بشكل أساسي في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، ويحاول إيجاد ضغط دولي على الحكومة السعودية للإفراج عن والده.
وخرج عبد الله العودة على شاشة العديد من القنوات العالمية لتوضيح الظروف الصعبة التي يعانيها والده داخل السجن وعمليات التلاعب التي تقوم بها السعودية داخل أروقة النظام القانوني الغامض في البلاد أصلاً.
وطالبت منظمات حقوقية، وعلى رأسها “منظمة العفو الدولية”، بالإفراج عن العودة دون قيد أو شرط، فيما قال السيناتور عن الحزب الديموقراطي بالولايات المتحدة، باتريك ليهي، إن على السعودية تغليب شروط حقوق الإنسان والإفراج عن سلمان العودة.