محمد بن سلمان يحوّل السعودية إلى حصن دفاعي لحماية أمن إسرائيل

مع تصاعد حدة المواجهة بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، وما تخللها من تبادل كثيف للصواريخ والطائرات المسيّرة، برزت السعودية كلاعب أمني جديد في معادلة الحماية غير المعلنة للمجال الجوي الإسرائيلي، لتتحول بلاد الحرمين إلى حصن دفاعي لحماية أمن تل أبيب.

فبحسب تقرير نشرته مجلة فوربس، لم تكتف الرياض بإدارة دفاعاتها لحماية أراضيها فحسب، بل تجاوزت ذلك لتؤدي دورًا استباقيًا في توفير الدعم الاستخباراتي، واعتراض الذخائر القادمة من وكلاء إيران والتي كانت في طريقها نحو إسرائيل.

هذا التطور يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة التحالفات الأمنية الناشئة في الشرق الأوسط، والدور الجديد الذي باتت تلعبه المملكة تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، في وقت لا تزال فيه العلاقات بين الرياض وتل أبيب رسميًا في دائرة اللااعتراف العلني، وإنْ كانت الوقائع الميدانية تشير إلى تقارب فعلي يتجاوز الطابع الرمزي.

السعودية… من الحياد إلى التداخل العملياتي

لطالما تبنّت السعودية، على مدار العقود الماضية، موقفًا سياسيًا رافضًا للتطبيع الكامل مع إسرائيل دون التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.

لكن الأحداث المتسارعة منذ العام 2020 – بدءًا من اتفاقات “أبراهام” بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وصولًا إلى التغيرات الإقليمية في خريطة العداءات – دفعت الرياض إلى إعادة صياغة أولوياتها الأمنية، ولو ضمنيًا.

ففي ظل الخطر الإيراني المتنامي، وتوسع قدرات طهران في استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية عبر أذرعها الإقليمية، وجدت السعودية نفسها أقرب إلى إسرائيل من أي وقت مضى، ليس سياسيًا فقط، بل عملياتيًا أيضًا.

اعتراض ذخائر حوثية لحماية إسرائيل

وفقًا لتقارير فوربس، اعترضت الدفاعات الجوية السعودية خلال أكتوبر 2023 ذخائر حوثية كانت موجهة نحو إسرائيل، في أعقاب اندلاع سلسلة من الاشتباكات الإقليمية واسعة النطاق.

وأشارت المصادر إلى أن الرياض استخدمت قدراتها الاستخباراتية المتقدمة، ونظام الإنذار المبكر الذي طوّرته عبر شراكات غربية، لرصد تلك التهديدات وتحييدها.

كما شاركت المملكة بفعالية في تبادل معلومات استخباراتية حساسة مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين، ساهمت في اعتراض الضربات الإيرانية على إسرائيل في أبريل 2024، والتي وُصفت حينها بأنها أول هجوم مباشر تشنه طهران على العمق الإسرائيلي منذ سنوات.

ورغم أن هذه الخطوات لم تُعلن رسميًا من قبل الرياض، إلا أن التسريبات الغربية وتقديرات مراكز تحليل الدفاع الإقليمي تذهب أبعد من ذلك، مشيرة إلى تقارير عن إرسال السعودية لمروحيات عسكرية إلى المجال الجوي الأردني والعراقي بهدف إسقاط طائرات إيرانية مسيّرة، وهو ادعاء لم تؤكده الحكومة السعودية، لكنه لم يُنفَ رسميًا أيضًا.

وخلال الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل في يونيو 2025، ووفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، أطلقت القوات الأمريكية أكثر من 150 صاروخًا اعتراضيًا من منظومة THAAD الدفاعية، ما شكّل ضغطًا كبيرًا على المخزون الأمريكي من هذه الذخائر الباهظة.

وتضيف الصحيفة أن وزارة الدفاع الأمريكية ناقشت خيار تحويل جزء من شحنات صواريخ THAAD المتوجهة إلى السعودية لتعزيز الدفاعات الإسرائيلية، لكن الرياض رفضت ذلك، في قرار يُفسَّر على أنه محاولة لتفادي الوقوع في أزمة استنزاف مماثلة لتلك التي واجهتها خلال حربها مع الحوثيين.

وفي تلك الحرب التي استمرت سبع سنوات، وجدت السعودية نفسها قاب قوسين أو أدنى من نفاد صواريخ باتريوت الاعتراضية، واضطرت آنذاك إلى طلب الدعم من دول الخليج الأخرى لتأمين مخزونها. هذا التاريخ يبدو أنه فرض على السعوديين حذرًا مضاعفًا في إدارة ذخائرهم الاستراتيجية، خاصة مع اتساع نطاق تدخلاتهم الإقليمية.

التسلّح متعدد الطبقات: نظرة على مشتريات الرياض

يتزامن التورط الأمني المتزايد للسعودية في المنطقة مع وتيرة متسارعة من عمليات التسلح التي تهدف إلى بناء شبكة دفاع جوي متكاملة.

فإلى جانب منظومات باتريوت وTHAAD الأمريكية، أبرمت الرياض مؤخرًا صفقات لشراء منظومة KM-SAM الكورية الجنوبية متوسطة المدى، والتي تمتلك قدرات فعالة ضد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

كما تشير تقارير إلى حصول المملكة على منظومة Pantsir-S1 الروسية، التي تُستخدم في مهام الدفاع النقطي لحماية الأهداف الحساسة من هجمات منخفضة الارتفاع، وهو تكتيك مناسب لمواجهة طائرات الحوثي المسيّرة الرخيصة.

هذه المشتريات تُظهر أن السعودية، في عهد محمد بن سلمان، تسعى لبناء درع جوي غير مرتبط بحليف واحد، بل قائم على تنويع الموردين وتعزيز المرونة التكتيكية، ما يعزز موقعها كلاعب محوري في شبكة الدفاع الإقليمي.

من الحياد القومي إلى أمن إسرائيل

التحليل الأوسع لما يجري يشير إلى تحوّل لافت في العقيدة الأمنية السعودية. فبدلًا من الاكتفاء بحماية المجال الجوي الوطني والمنشآت النفطية، باتت الرياض تضطلع بدور “الحارس غير المعلن” لأمن إسرائيل، ولو من منطلق تقاطع المصالح الأمنية إزاء الخطر الإيراني.

ومن منظور محمد بن سلمان، فإن حماية إسرائيل ليست هدفًا بحد ذاته، بل أداة لإعادة تموضع إقليمي يؤمّن له بوابة عبور نحو واشنطن، ومكسبًا تفاوضيًا أمام البيت الأبيض في ملف التطبيع، وربما في رسم ملامح “ناتو شرق أوسطي” تقوده المملكة عسكريًا بدعم أمريكي – إسرائيلي غير مباشر.

وعليه لم تعد السعودية تخوض حروبها داخل حدودها أو على جبهاتها التقليدية. فولي العهد محمد بن سلمان أعاد تعريف الأمن القومي السعودي ليشمل، عمليًا، المجال الجوي الإسرائيلي، وهو تحوّل يحمل دلالات استراتيجية عميقة، ورسائل موجهة إلى كل من طهران وتل أبيب وواشنطن في آنٍ واحد.

ورغم أن الخطاب السياسي السعودي الرسمي لا يزال يتمسّك بعدم التطبيع الكامل، فإن الواقع الميداني يشير إلى تطبيع من نوع آخر: تطبيع أمني يقوم على الدفاع المتبادل وتقاطع مصالح استراتيجية… حيث أصبح الطريق إلى واشنطن، أكثر من أي وقت مضى، يمرّ عبر تل أبيب.