حقوق الإنسان في السعودية 2022: حصانة مستبد
بأكبر مجزرة إعدام في تاريخ السعودية، وبأحكام قياسية تقترب من قرن، أحكم ولي العهد محمد بن سلمان في 2022، أكثر من أي وقت مضى قبضته على البلاد مانحا نفسه حصانة مستبد.
إذ عين محمد بن سلمان نفسه رئيسا لمجلس الوزراء، محصنا بالمصالح والدبلوماسية عن أي ملاحقة، ومطلق اليدين في الانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان.
وبحسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أثبت مسار 2022 أن محمد بن سلمان هو المسؤول الفعلي عن الواقع المؤلم لواقع حقوق الإنسان في البلاد، وأن طبيعة التعاطي مع ملف حقوق الإنسان مرتبطة بما عُرف عن سلوكه المضطرب، وما أثبتته السنوات الماضية من عدائه الشديد تجاه أبسط مبادئ حقوق الإنسان.
وكنتيجة حتمية للتحكم الفردي لبن سلمان، ارتفعت حدة القمع في 2022، لينفذ أكبر إعدام جماعي وينتظر العشرات مصيرهم في طوابير الإعدام بينهم قاصرون وأفراد لم يواجهوا تهما جسيمة.
كما يقبع أصحاب الرأي والمدافعون عن حقوق الإنسان والناشطون في المعتقلات، وتتسع رقعة اضطهاد النساء، وتُنتَهكُ حرية الراي والتعبير، ويهجَّر الناس من مساكنهم وموطنهم.
وفي ظل طمس كافة الأعراف السائدة التي كانت تحول خلال السنوات السابقة دون بعض الانتهاكات، ومع تزايد التشابك في العلاقات السياسية الدولية ولعبة المصالح، تبدو الأرضية ممهدة للمزيد من الاضطهاد وبلا قيود، وتنذر بأن 2023 ستكون كالحة السواد، لا يخفف سوادها إلا علوّ صوت الضحايا رغم محاولات فرض الصمت، والوقوف في وجه الغسيل والتلاعب الذي تشتريه السعودية بالمليارات.
ومع بداية 2022، وعلى وقع أزمات الطاقة والتقلبات السياسية العالمية والحرب الروسية الأوكرانية، تكسّر “الحظر الدبلوماسي” على السعودية.
فبعد زيارة الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون نهاية 2021، افتتح بن سلمان موسم الزيارات الدبلوماسية التي كانت “محظورة” منذ قتل الصحفي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في اسطنبول، وضاعت تراتبية ملف حقوق الإنسان بين ملفات الطاقة والاقتصاد.
في مارس 2022 استقبل بن سلمان رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، وفي يوليو الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي سبتمبر المستشار الألماني أولاف شولتس. وتشكل هذه الزيارات غيضاً من فيض التطبيع الذي قامت به الدول مع انتهاكات السعودية.
وكانت عدة دول قد رجعت خطوة للخلف في علاقتها العلنية مع بن سلمان، بعد ضغط حقوقي، تجنبا لتشويه صورتها بعلاقة مخزية مع شخص يمارس وحشية لا يمكن التنبؤ بحدودها، بعد جريمة قتل خاشقجي الوحشية التي التصقت به.
بالتالي، مع توالي الحج الدبلوماسي إليها في هذا العام، تعافت السعودية وبشكل سريع من تبعات الحظر، وتحولت استجابتها للضغوط الحقوقية إلى شجاعة أكثر على ارتكاب المزيد من الانتهاكات دون رادع.
بالتوازي مع “كسر العزلة” نفذت السعودية في مارس، الإعدام الجماعي الأكبر في تاريخ البلاد، تلا ذلك انتهاكات جسيمة، من بينها أحكام تعسفية وصلت إلى 90 عاما بحق نشطاء، ليس لجرائم عظيمة، بل لمجرد تغريدات، حقاً.. مجرد تغريدات.
وفي سبتمبر عين بن سلمان نفسه رئيسا للوزراء بأمر ملكي، معلنا بذلك سيطرته التامة العلنية على صناعة القرار ونواحي الدولة. بعد أيام من ذلك، رفض القضاء الأميركي دعوى ضده على خلفية مسؤوليته عن قتل خاشقجي، وبررت وزارة الخارجية الأميركية الرفض في أنه بات يمتلك حصانة بصفته رئيسا للوزارء.
وفيما تكثفت الاحتفالات والمهرجانات في مناطق السعودية المختلفة، كانت محاولات فرض الصمت على المجتمع بالترهيب والاعتقال وقمع الحريات تتزايد. ولكن، وعلى الرغم من استمرار حملات الغسيل الرياضي والأكاديمي والدبلوماسي والترفيهي واستمرار دفع المليارات، بقيت صور الضحايا وقصصهم تتناقل، لتظهر أن محاولات السعودية رسم صورة مزيفة لن يخفي عمق الانتهاكات.