يقيد طابع الحكم الاستبداد لنظام آل سعود حرية الصحافة في السعودية ويضعها في مواجهة مباشرة مع الترسانة القانونية القامعة.
وأبرزت مجموعة الخليج لمراقبة الحريات والصحافة “الخط الأحمر” القوانين المقيدة والصارمة بل المتوحشة في السعودية من أجل مراقبة ورصد الممارسة الصحفية.
وجاء في دراسة للمؤسسة: مقارنة بعمر الصحافة العربية، فإن الصحافة في الخليج خاصة في السعودية تعتبر حديثة نسبيا، وتمتلك مسارا مختلفا عن مسار الصحافة في الدول العربية الاخرى كالعراق ومصر ولبنان وسوريا وبعض بلدان المغرب.
لا يعني ذلك انفردا تاما عن تحديات الصحافة العربية وعلى رأسها مهمة مواجهة العقل الأمني واختراق منظومة الأنظمة المستبدة أو الحكم المطلق، فقد واجهت الصحافة الخليجية بعضا من تلك التحديات بالأخص في بدايات نشأتها وسعيها لمقاربة الصحافة العالمية والعربية أو أن تكون ممثلة السلطة الرابعة.
هنا تبرز المفارقة الكبرى فأنظمة الخليج العربية لم تعرف فصلا دستوريا بين السلطات الثلاث لكي يتاح للصحافة أن تكون سلطة رابعة.
فمنذ تأسيس مشيخات الخليج العربي وإلى تشكيلها على صورة دول حديثة لم تمنح هذه الأنظمة شعوبها دساتير عقدية باستثناء الكويت.
أما البحرين فكانت تجربتها الدستورية قصيرة جدا لم تتجاوز الثلاث سنوات، في حين لا تزال بقية الدول الخليجية متعثرة في بناءها الدستوري.
إذ ظلت ثقافة الصحراء مهيمنة على أنظمة المجتمع وبعيدة عن ثقافة العقد الاجتماعي الحديث. انعكس ذلك على بيئة الحقل الصحفي وسعي الأنظمة لتقييده بأطر قانونية مستمدة من طبيعة الحكم المطلق السائدة بين دول الخليج العربي.
وقبل إجراء مراجعة أولية لقوانين الصحافة في دول الخليج يجدر التنويه إلى وجود مرحلة تمردت فيها الصحافة على أنظمة الحكم المطلق وتعرضت نتيجة لذلك لضربات قاسية قادتها إلى قبول الترويض الصحفي.
بدأ الترويض بحزمة القوانين المقيدة والصارمة بل المتوحشة في مراقبة ورصد الممارسة الصحفية، تلاها محاولة ترويض المضمون الصحفي ودفعه لأن يكون مواليا وغير خارج عن بيعة الطاعة، ومن ثم في مرحلة تالية أصبح الرأسمال الصحفي محتكرا لفئات متحالفة مع انظمة الحكم.
من مراجعة أولية لقوانين الصحافة في دول الخليج العربية، سنجد تشابها كبيرا في الترسانة القانونية المتحكمة في الحقل الصحفي. تشابه فرضه توحد المصالح السياسية بين تلك الأنظمة وتوحدها في الاستراتيجيات الخاصة بالحريات العامة والفضاء العمومي.
ففي سؤال وجه خالد الشطي عضو مجلس الأمة الكويتي لوزير الإعلام في سبتمبر 2020 حول عدد الكتب الممنوعة خلال الخمس سنوات كان العدد الاجمالي أكثر من اربعة آلاف عنوان مما خلق قناعة بأن الأصل في الترسانة القانونية هو المنع وليس السماح.
خلافا لنص الدستور الذي يقرر في المادة 37″ حرية الصحافة والطباعة والنشر” وكانت منظمة هيومن رايتس وتش حذرت في تقرير لها في مايو 2013 من أن مشروع قانون الصحافة من شأنه أن يزيد من سيطرة الدولة على وسائل الإعلام ومن القيود على حق في حرية التعبير.
وبحسب المنظمة فإن القانون المقترح من شأنه أن يخلق خطوطا حمراء جديدة لوسائل الإعلام وأن يغلق مساحة النقاش العام ويؤدي لانتكاسة عن التوجه نحو مزيد من الانفتاح الذي جعل الكويت مناط اشادة”.
تزامن تقديم هذا القانون في 2013 مع حملة قمعية استهدفت حرية التعبير إذ لاحقت الحكومة على مدار شهور سابقة عددا من السياسيين المعارضين ونشطاء على الانترنت وصحفيين بتهم الإساءة للأمير.
وتشهد ساحات القضاء الكويتي العديد من القضايا المرفوعة ضد قوانين الإعلام والصحافة والطعن في دستوريتها، ومع ذلك فإن الفضاء العام لا يزال خاضعا لترسانة تلك القوانين المتعارضة مع منطوق النص الدستوري.
بالانتقال إلى وضعية القانون في البحرين فالحال لا يختلف كثيرا عن ترسانة الكويت المقيدة لحريات العمل الصحفي ولا يزال قانون الصحافة معلقا منذ 2002 في الوقت الذي باتت فيه أوضاع المجال الصحفي في البحرين من أسوء الحالات الخليجية بحسب تقارير حقوقية نشرتها رابطة الصحافة البحرينية.
وإذا كانت نصوص الدستورين الكويتي والبحريني تقييد الحرية بقانون فإن المادة الثامنة من نظام المطبوعات في السعودية تنص على ان ” حرية التعبير عن الراي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الاحكام الشرعية والنظامية” اي إضافة قيد مطاط وفق العقيدة الوهابية التي تعرضت مؤخرا لانهيار سياسي.
النتيجة المؤلمة هنا أن الحريات الصحفية والإعلامية تخضع لقانون شبه موحد وغلى ممارسات وتدابير حكومية متفق عليها بين أنظمة الخليج العربية تعيق نمو المجال الصحفي وتفتح الباب على مصراعيه لصحافة باهتة وبعيدة عن اختصاصها الأصلي.
في السياق ذاته فإن سيطرة وهيمنة السلطات على الأدوات الإعلامية واتقانها فنون التحكم في الصحافة والمطبوعات لم يغلق المجال أمام الصحفيين والنشطاء من طرق أبواب جديدة وفضاءات يهرون إليها من بطش القوانين القامعة.
الأمر الذي جعل من نوافذ صحافة المواطن وصحافة المهجر وغرف المساحات كأدوات جديدة بديلة عن الأدوات التقليدية التي تخضع للرقابة والمساءلة. ومع ذلك فقد لجئت السعودية وبقية الحكومات الخليجية إلى محاصرة هذه الفضاءات الجديدة بقوانين منفصلة وإضافية تتقصد الهيمنة وإخضاع المجالات الجديدة للرقابة والمحاسبة.