انتقادات حقوقية لواقع قمع حرية الدين وتهميش المجتمعات غير السنية في السعودية
لطالما واجهت السعودية، التي تُحكم بنظام ملكي مطلق وفق تفسير صارم للإسلام السني، انتقادات بشأن سياساتها المتعلقة بواقع حرية الدين، ولاسيما ما يتعلق بمعاملة المسلمين الشيعة والأقليات الدينية الأخرى.
وباعتبارها مهد الإسلام، تفرض المملكة إطارًا قانونيًا واجتماعيًا يعطي الأولوية للإسلام السني، وتحديدًا العقيدة الوهابية. وبينما يشكل هذا التجانس الديني جزءًا محوريًا من الهوية السعودية، إلا أنه أدى إلى تمييز منهجي ضد المجموعات الأقلية، مما يحد بشدة من حرياتهم الدينية والمدنية.
وقالت أوساط حقوقية إن النظام الأساسي للحكم في السعودية، الذي يعمل كدستور فعلي للبلاد، ينص على أن القرآن والسنة هما المصدران الرئيسيان للتشريع. يقوم هذا الإطار القانوني على فرض صارم للممارسات الإسلامية كما تفسرها السلطات الدينية في الدولة.
ويواجه المسلمون غير السنة وغير المسلمين قيودًا كبيرة، حيث يُحظر بشدة ممارسة أي دين علنًا بخلاف الإسلام السني المعتمد من الدولة. ويُعاقب بتهمة الردة – التي تُعرف بأنها التحول عن الإسلام – بالإعدام، مما يبرز عدم تسامح الدولة مع الاختلافات الدينية.
جهاز الدولة، بما في ذلك الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، كان تاريخيًا يراقب ويقمع الأنشطة التي تُعد غير إسلامية. وعلى الرغم من تقليص صلاحياتها في السنوات الأخيرة في إطار إصلاحات ولي العهد محمد بن سلمان، إلا أن هذه القيود لا تزال متجذرة بعمق بالنسبة للأقليات الدينية.
التمييز ضد المسلمين الشيعة
يشكل المسلمون الشيعة حوالي 10-15% من سكان المملكة العربية السعودية، ويواجهون تمييزًا منهجيًا في مختلف جوانب الحياة العامة. تخضع ممارساتهم الدينية لرقابة مشددة وغالبًا ما يتم تقييدها.
ويتم فرض قيود صارمة على بناء المساجد والمراكز الدينية الشيعية، وتتعرض المساجد القائمة لمراقبة مستمرة. كما تُمنع أو تُثبط الاحياءات العلنية بالأحداث الدينية الشيعية مثل عاشوراء في العديد من مناطق المملكة، مما يجبر هذه المجتمعات على ممارسة شعائرهم في السر.
في مجال التعليم، يواجه الطلاب الشيعة غالبًا مناهج دراسية تصوّر معتقداتهم الدينية بشكل سلبي، وتصفها بأنها انحرافات عن الإسلام الحقيقي. يعزز هذا التحيز، الأحكام المسبقة المجتمعية ضد المجتمعات الشيعية.
إضافة إلى ذلك، وردت تقارير واسعة النطاق عن معاملة تمييزية من قبل المعلمين والزملاء، مما يزيد من عزلة الشباب الشيعي ويحد من مشاركتهم الكاملة في المجتمع السعودي.
يزيد التمييز الاقتصادي من تعقيد هذه التحديات. يتم استبعاد المسلمين الشيعة بشكل منهجي من المناصب العليا في الحكومة والجيش، مع بعض الاستثناءات القليلة.
وفي القطاع الخاص، يواجهون عقبات في التوظيف والترقيات، مما يترك الكثيرين منهم في حالة من التهميش الاقتصادي. يؤدي هذا الاستبعاد من القوة الاقتصادية والسياسية إلى تعزيز دائرة الفقر والتهميش في المناطق ذات الأغلبية الشيعية مثل المنطقة الشرقية، حيث تتركز معظم ثروة البلاد النفطية.
القمع والعنف
بالإضافة إلى التمييز الهيكلي، عانت المجتمعات الشيعية في المملكة العربية السعودية من العنف والقمع. في السنوات الأخيرة، شنّت جماعات متطرفة، بما في ذلك داعش، هجمات على المساجد الشيعية والتجمعات، مما أسفر عن فقدان كبير في الأرواح.
وقد أدانت الحكومة هذه الهجمات، لكنها تعرضت لانتقادات لفشلها في توفير الحماية الكافية للمجتمعات الشيعية. ويعتقد الكثيرون أن هذا يعكس اللامبالاة المجتمعية تجاه سلامة ورفاهية الشيعة.
لقد لعبت الحكومة نفسها أيضًا دورًا في قمع الناشطين والقادة الشيعة. على مدار العقد الماضي، تصاعدت عمليات الاعتقال والسجن، بل والإعدام لعدد من الشخصيات الشيعية البارزة.
تم إعدام الشيخ نمر باقر النمر، الناقد البارز لمعالجة الحكومة للمسلمين الشيعة في عام 2016، بتهم التحريض على العنف، برغم أن منظمات حقوق الإنسان الدولية أدانت المحاكمة على نطاق واسع باعتبارها مدفوعة بأهداف سياسية. أثارت وفاته غضبًا داخل مجتمع الشيعة في المملكة العربية السعودية وأدت إلى إدانات عالمية، مما أبرز النهج القاسي للمملكة تجاه الأصوات المعارضة.
الاستجابة الدولية
لقد أثار تعامل السعودية مع المسلمين الشيعة والأقليات الدينية الأخرى انتقادات مستمرة من المنظمات الدولية. وقد صنّفت لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية (USCIRF) المملكة العربية السعودية بشكل مستمر كـ “دولة ذات اهتمام خاص” بسبب انتهاكاتها الجسيمة لحرية الدين.
وتؤكد تقارير من هيئات مثل USCIRF ووزارة الخارجية الأمريكية على غياب التقدم الجوهري في معالجة هذه القضايا، مشيرة إلى استمرار اضطهاد الناشطين الشيعة، وقمع الممارسات الدينية للأقليات، وتعزيز الأحكام المسبقة المجتمعية من خلال المؤسسات التي تسيطر عليها الدولة.
وقد سلطت مجموعة حقوق الأقليات الدولية الضوء أيضًا على معاناة السكان الشيعة في المملكة العربية السعودية، موثقةً أنماط التمييز، والإقصاء الاقتصادي، والقمع الديني.
وتلاحظ المجموعة أنه بالرغم من محاولات المملكة تقديم نفسها كمجتمع يتطور في إطار رؤية 2030، إلا أن هذه الإصلاحات قد تجاوزت إلى حد كبير المجتمعات الأقلية، مما ترك القضايا الأساسية للاختلال الديني من دون معالجة.
وبينما بدأت السعودية في تنفيذ إصلاحات محدودة تهدف إلى مكافحة التطرف الديني، فإن هذه التدابير لم تحسن كثيرًا من أوضاع المسلمين الشيعة والأقليات الدينية الأخرى. لا يزال الإطار القانوني للمملكة، جنبًا إلى جنب مع المواقف المجتمعية المتجذرة، يواصل قمع حرية الدين وتهميش المجتمعات غير السنية.
لتحقيق التقدم الحقيقي، يجب على السعودية أن تقوم بإصلاحات شاملة تضمن حقوقًا وحمايات متساوية لجميع المجموعات الدينية، مع ضمان احترام حرية المعتقد في كل من القانون والممارسة. وحتى يتم تنفيذ هذه التغييرات، ستظل الأقليات الدينية في المملكة مستبعدة من وعد المساواة والعدالة.