برزت دلائل فشل حرب آل سعود على اليمن, بعد أن أضاعت المملكة البوصلة بسبب المصالح الشخصية لمحمد بن سلمان وسوء تحالفاته الإقليمية.
كانت الرياض القائد المعلن للتحالف العربي, ولكن الإمارات كانت القائد الفعلي على الأرض, فالمملكة كانت منشغلة بالصراع العسكري في الشمال وعلى الحدود, بينما كانت الإمارات منشغلة بأهدافها الخاصة وصناعة النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري الخاص بها, مما انعكس سلباً على المملكة
نالت الرياض الجزء الأكبر من النقد والتهم والامتعاض العالمي على الحرب في اليمن، ونالت الامارات لوم ونقد وامتعاض أقل ، وعندما أشتد لومها وتشوهت صورتها تركت السعودية وانسحبت لتلقى كل التركة الثقيلة على المملكة مع كل اللوم والنقد والاتهامات والتحرك الدولي.
وكانت حاجة محمد بن سلمان لمحمد بن زايد مستمرة، فهو ممتنُ له في الانقلاب على محمد بن نايف ويأمل بالاستمرار بدعمه حتى وصوله للعرش.
أثر ذلك على عدد من الملفات وجعلته يساوم على مصالح المملكة وأمنها في اليمن ويضحي بحلفاء الدولة السابقين، ويقدم مصلحته كفرد على مصلحة الدولة ومستقبلها.
إن السر وراء صمت محمد بن سلمان على ممارسات محمد بن زايد وعدم اعتراضه على أي من سياسته وتنفيذ جميع مطالبه، ليس فقط لأنه صاحب الفضل في اعتلائه ولاية العهد، إنما رغبته بالاستمرار في الدعم حتى وصوله العرش بعد الملك سلمان وإقناع الأوربيين والأمريكيين به كملك على السعودية
محمد بن سلمان لا يملك تصورا واضحا لما يود أن يكون عليه اليمن، وما إذا كان من مصلحته التقسيم أم لا، وما إذا كان الدور الإماراتي سيصب في مصلحة المملكة أو مصلحته مستقبلا أم سيكون مسارا لزيادة التوتر والخروقات الأمنية بزيادة قوة الحوثي من الخاصرة الجنوبية الرخوة للمملكة.
إن النصر على الحوثي لا يتحقق بالحرب عليه فقط إنما بدعم الحكومة الشرعية ومؤسسات الدولة اليمنية ودعم القوى القبلية والاجتماعية والحزبية والكيانات السياسية، لأنها جميعا تساهم في إضعافه، ولكن أبوظبي فعلت العكس تماما بإضعاف الحكومة وتمزيق القوى اليمنية مما صبت في مصلحة الحوثي.
وعندما نشأ التحالف العربي لمواجهة الحوثيون كانت اهدافهم, هزيمة الحوثي واستعادة الدولة اليمنية, ومحاربة الجماعات الارهابية المتشددة, وتأمين خطوط الملاحة الدولية, ومحاصرة النفوذ الإيراني.
ولكن بعد مرور فترة طويلة ع الحرب في اليمن الحوثي ازداد قوة, والجماعات المتشددة تعيد ترتيب نفسها, وخطوط الملاحة الجوية ازداد تعرضها للهجمات, ونفوذ إيران تمدد أكثر.
وكان دور الإمارات التي صبت في مصلحة الحوثي, تشرذم القوى اليمينة وصراعها مع بعضها البعض, وتدعيم فكرة انفصال الجنوب أو صعدة, وخلق كيانات عسكرية رديفة للجيش, وإضعاف الحكومة اليمنية الشرعية.
واستطاعت الإمارات في صناعة نفوذ سياسي في الجنوب, ودعم التقسيم لأهداف اقتصادية, والسيطرة على عدن وعلى الموانئ وعدم تطويرها لأن تطويرها تعتبره مهدداً لأمنها القومي, وصناعة نفوذ على مضيق باب المندب, وإدارة جزيرتي سقطرى وميون.
يتعامل محمد بن زايد مع ما يعتقده “مهددات سياسية” على أنها “مهددات أمنية” ويراها في المدى المتوسط مهددات وجودية، ويرى أن إفرازات (الربيع العرب) تهديد له ولطموحاته، لذلك يسعى للتعامل مع هذه النتائج “الحرية والديمقراطية” وأي حكومة شرعية يمنية كخطر قادم إليه وإلى الخليج.
لمحمد بن زايد أعداء وأصدقاء يصنفهم بعناية حسب أولوية خاصة في كل منطقة يتواجد فيها، وهم ليسوا أولوية بالنسبة للسعودية، فأعداءه هم حزب الإصلاح والقوى الثورية المطالبة بالحرية ثم القاعدة ثم المعارضون لسياساتها ومن ثم الحوثيون في الكثير من المناطق وهم أنفسهم أصدقائها في مناطق أخرى.
جزء من نهج محمد بن زايد قائم على تأهيل قوى متناقضة ودعمها وتسليحها شمالية وجنوبية وسنية وشيعية وقبلية وجهوية وسياسية متنافسة، من أجل خلق حالة من التوازن بينها؛ لتتصارع وتُضعف اليمن وتتحقق مصالح أبوظبي الاقتصادية والسياسية. إلا أن ما حصل أن سياسته صبت جزئيا في مصلحة الحوثي وإيران
الإمارات في ظل غفلة السعودية وضياع بوصلتها تسعى لقسيم اليمن أو إضعافه لتضمن مصالحها الاقتصادية والعسكرية في باب المندب، فهي تعمل هناك بجدية مع مصر والولايات المتحدة لضمان خطوط التجارة، كما تعمل على إفشال موانئ اليمن الاستراتيجية لأن نجاحها سيعني فشل لموانئ الإمارات.
دعمت أبوظبي شخصيات وقوى وتيارات سلفية ومدخلية وتعاقدت مع شركات أمنية ،وعسكريين سابقين وشكلت ميليشيات مسلحة جهوية ومناطقية بقيادة أقرباء للرئيس المقتول علي صالح ضد الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية؛ مما أضعف سلطتها ورفعت من قدرة الحوثي على الاستمرار.
الدور الإماراتي المخرب والمقوض للاستقرار وتعميق الانقسامات في اليمن بشراء شخصيات بالمال السياسي الحرام ،ساهم بإفشال المساعي السعودية في دعم الحكومة اليمنية وشرعيتها.
فما قامت به كان انقلاب على المعايير الدولية وتجاهل الحكومة الشرعية وتجاهل واحتقار للمصلحة السعودية.
تصنيف الإمارات لقوى الثورة على أنها أخطر من الحوثي عليها وعملها الدؤوب على ضربهم مع حاضنتهم الشعبية ، زاد من قوى الحوثي.
وقد يجعل ذلك له مكانة سياسية وعسكرية مهمة في مستقبل اليمن، وهو ما سينعكس سلبا على مصالح المملكة وقد بدأ ذلك فعليا منذ اتفاق ستوكهولم.
دعمت أبوظبي تنظيم القاعدة لتنفيذ اغتيالات ضد حزب الإصلاح وسلفيين معارضين لها ، كما دعمت الحوثي في مناطق أخرى ضد الإصلاح وقوى الثورة اليمنية, على اعتبار أنهم أعدائها الأكثر شعبية والمعارضين لتوجهاتها, كل ذلك قوض سمعة التحالف وأهدافه ، خاصة السعودية.
رأى محمد بن زايد أن الحكومة الشرعية في اليمن التي تدعمها السعودية ما هي إلا نتاج للربيع العربي ويجب وأدها وإيجاد حكومة بديلة ،كما يرى أن السعودية لا تفهم ما تفعل, لذا يقوم بأعمال تصب في مصلحة الإمارات فقط وتضرب مصالح السعودية, وهذا احتقار ونظرة دونية للمملكة وقادتها.
دخلت أبوظبي الحرب ضد الحوثي بأجندة غير أجندة السعودية، فالمملكة رغبت في تأمين حدودها من الحوثي عسكريا ودعم الشرعية سياسيا، أما الإمارات فدخلت اليمن وعينها على مصالح اقتصادية واستراتيجية تتجاوز القضاء على الحوثيين إلى السيطرة على جنوب اليمن وتقسيمه وضرب من يقف في طريقها.
صمتت المملكة على كل سياسات أبوظبي في اليمن بالرغم من أنها تضر بمصالحها في النهاية، بل بدت منسجمة مع فكرة تقسيم اليمن إلى شمالي وجنوبي.
الإمارات تركز على الجنوب والانفصاليين والسعودية تركز على الشمال وتدعم الحكومة اليمنية الشرعية الضعيفة.
صمت المملكة صمتا مطبقا على خلافات أبوظبي والرئيس هادي، بل أنكرتها في كثير من المناسبات، وسعت لحلها خلف الأبواب المغلقة حتى بعد ظهورها للعلن. لكن بعد الأضرار المتكرر بمصالح السعودية من قبل أبوظبي بدأت الخلافات الخفية تنعكس على السياسة التي انتهت بالانسحاب الجزئي للإمارات.
للإمارات دقة في تعريف العدو والصديق والحليف، وتقس ذلك ضمن معايير محددة في ساحات المنطقة واليمن ، أما المملكة فلا تعرف من هو الصديق ومن هو العدو ومن هو الحليف، تسير خلف أبوظبي بالرغم من أن السعودية وشعبها ومصالحها منفصل تماما عن الإمارات.
حمد بن زايد إتبع في اليمن سياسة الولايات المتحدة التدميرية بعد احتلال العراق بإشعال فتيل حرب طائفية واغتيالات ، فالولايات المتحدة أدَّعت أنها قوات تحرير العراق فدمرته ، و الإمارات أدَّعت أنها تريد تحرير اليمن فدمرته.
عبدربه منصور هادي وصف الدور الإماراتي في اليمن بأنه “احتلال” لكنه لم يقل كلمة احتلال فقط إنما وصفه بأنه “احتلال غبي”، ربما لأن النتيجة النهائية لا تصب في مصلحة أحد سوى الحوثي الذي يحاربوه وأدى اليوم إلى الانسحاب الجزئي من حرب الاستنزاف.
أصبح النصر العسكري بعد الانسحاب الاماراتي أمرا لا يمكن تحقيقه، وهو لم يكن هدفا رئيسيا للإمارات، لأن القوات الاماراتية والمرتزقة والميليشيات التي يسلَّحونها ويمولونها تقاتل على الارض في الجنوب.