اعتبر تقرير للشبكة الدولية أن فتح جبهة جديدة في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن يزيد من تعقيد الأوضاع في اليمن الذي يعيش أزمة إنسانية مخيفة (أكثر من 20 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومناطق بأكملها على حافة المجاعة) تحت تأثير الحرب التي شنها عليه تحالف الرياض بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان الذي قاد بتهور الحرب في اليمن.
وأبرزت الشبكة الدولية أن جرائم المملكة في اليمن، بالإضافة إلى مقتل جمال خاشقجي في القنصلية بلاده في اسطنبول، أحدث تأثيرا في الرأي العام العالمي.
وأشارت إلى أن الجرائم التي قام بها نظام آل سعود جعلته يصبح محل انتقاد دولي حيث أن الكونغرس الأمريكي طلب مرارا تعليق بيع الأسلحة وعدم دعم الرياض والتورط معها في هذه الإبادة الجماعية.
ورأت الشبكة الدولية أن سيطرة الانفصاليين الجنوبيين، بدعم من الإمارات، على عدن، يشير إلى صدع واضح للغاية في التحالف السعودي الإماراتي ويسلط الضوء على الاختلافات في المصالح بين أبو ظبي و الرياض.
وبحسب الشبكة فإن طريقة تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، في تخلي واضح عن تقليد الخلافة الأفقية، أثارت نوعا من الصدمة، بينما أضافت إعادة تشكيل السلطة وتنفيذ عمليات اعتقالات وتعذيب للأمراء صدمة ثانية للرأي العام الدولي.
وتضيف أنه في ظل هذه التصرفات والتحركات الفاشلة لمحمد بن سلمان، يعاني شعب المملكة من توترات وفقر يتم إخفاؤه سيما في عدد من محافظات المملكة التي تكشف القناع عن مجتمع فخم زائف.
ولا يجادل أحد في تحول اليمن إلى مستنقع للتحالف العربي بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، بعد امتداد الحرب سنوات استنزفت خزينة الدولة المملكة، وزادت من الانتقادات الدولية للمملكة، ما عقّد علاقاتها مع الغرب وزاد من صعوبة إبرامها الصفقات، إذ لم تعد سياسة البذخ تنفع في إسكات الاعتراضات على ممارسات المملكة، لا في اليمن ولا في انتهاكات حقوق الإنسان بالداخل أو الجرائم في الخارج، على غرار اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
تدهور الحال في الحرب اليمنية، وغياب أي أفق للحسم السياسي ولا العسكري، صارا يدفعان السعودية إلى البحث عن استراتيجية للخروج من المستنقع، وخصوصاً بعد فشل الرهان على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وبعدما تخلى الشريك الإماراتي في التحالف العربي عن المشاركة المباشرة في الحرب، وقام باستدارته التي باتت معلومة نحو إيران، لإبعاد أراضيه وقواته عن مرمى الصواريخ الحوثية التي هددت أكثر من مرفق في الإمارات.
الانسحاب الإماراتي، أو إعادة التموضع، دق ناقوس الخطر لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي لا يستطيع أن يحذو حذو حليفه الإماراتي، باعتبار أنه حامل راية التحالف العربي، وأي خطوة مماثلة لتلك التي قامت بها أبوظبي ستضرب الصورة التي يحاول بن سلمان رسمها للسعودية، منذ توليه عملياً السلطة في البلاد، بدعم أو تحريض من “مثله الأعلى” وليّ عهد أبوظبي محمد بن زايد. ويبدو أن وليّ العهد السعودي لجأ إلى “عرّابه” لإيجاد وسيلة أخرى للخروج من الحرب بأقل الخسائر الممكنة بالنسبة إلى المملكة.
فما كان من بن زايد إلى أن عاد إلى فكرة تقسيم اليمن التي كان يرعاها منذ فرض سيطرته على الجنوب، ونسجه تحالفاتٍ من الانفصاليين هناك، حتى في ظل معارضة المملكة. لكن الآن الوضع مختلف، فالرياض في وضع سيسمح لها بقبول الفكرة، إذا كان فيها مخرج من الحرب.
على هذا الأساس، جرى ترويج سيناريو سيطرة الانفصاليين على عدن، وطردهم الحكومة الشرعية من “العاصمة المؤقتة”، باعتباره خطوة أولى للخروج، إذ إن تدخل السعودية الذي قام على فكرة إعادة حكومة عبد ربه منصور هادي إلى الحكم سينتفي بفعل نهاية “الشرعية” بشكل كامل في الشمال والجنوب، وتكريس أمر واقع قائم على وجود سلطتين في الشمال والجنوب، وربما ثالثة في حضرموت، ومن ثم فإن القتال في اليمن سواء ضد الحوثيين أو الانفصاليين سيكون غير ذي جدوى، أو هكذا ما كان من المفترض أن يتم ترويجه.
أما ضبط العلاقات بين الطرفين أو الثلاثة الذين سيكونون مسيطرين على أرض اليمن، فسيتم عبر الإمارات وخطها المفتوح مع إيران من جهة، ومع المجلس الانتقالي الجنوبي التابع لها من جهة ثانية، ومن ثم تأمين اتفاق للسعودية، مماثل للذي قامت به من الحوثيين عبر طهران، لوقف استهداف قواتها وأراضيها.
على هذا الأساس، يمكن تفسير صمت آل سعود المطبق خلال الأيام الخمسة التي قام خلالها الانفصاليون بالسيطرة على عدن، وإعلان نيتهم التوجه إلى محافظات أخرى في الجنوب. غير أن رياح الخروج لم تأت كما تشتهي السفن السعودية، وخصوصاً مع الدخول الأميركي على الخط، وإعلان الرفض المطلق لمخطط التقسيم، والتأكيد على وحدة الأراضي اليمنية، وهو ما أعلنته إيران أيضاً، ما أشار إلى أن الانسحاب لن يكون سهلاً، وأن استقرار الأمور لن يكون مؤمناً، مع فارق أن المواجهات اللاحقة بين الشمال والجنوب، في حال حصلت، ستكون خارج إطار السيطرة السعودية.
معطيات دفعت المملكة إلى مراجعة “نصائح” الحليف الإماراتي، لتبدأ الضغط لإعادة الوضع إلى ما هو عليه في عدن، وهو ما بدأ فعلياً، بعدما ترسخت قناعة لديها بأن استراتيجية الخروج هذه محكومة بالفشل، وأن دخول الحرب ليس بسهولة الخروج منها.