يتصاعد الغضب الشعبي في المملكة إزاء استمرار نظام آل سعود في حربه الإجرامية على اليمن المستمرة منذ أكثر من خمسة أعوام من دون تحقيق نتائج جوهرية تخصّ الأمن الوطني السعودي.
وتؤكد تقارير إعلامية أن اتجاهات الرأي في المملكة تظهر تذمراً متزايدا إزاء الاستمرار في الحرب على اليمن، من دون تحقيق نتائج جوهرية تخصّ الأمن الوطني لا سيما ما يتعلق بتهديد جماعة أنصار الله “الحوثيين”.
يضاف إلى ذلك أن الحرب أفرزت نزعات انفصالية في جنوب اليمن، يمكن أن تلقي بظلالها على تماسك المملكة التي تمثل فيها النزعات الانفصالية، المناطقية والطائفية، براكين قابلة للاشتعال، في أي لحظةٍ تجد فيها ما يبعث على ذلك.
ويزداد هذا الخطر مع تراجع الثقة الشعبية في القدرات العسكرية للمملكة لأنها عجزت أمام الحوثيين الذين تدعمهم إيران، كيف بها إذا ما كانت الحرب مع إيران ذاتها؟.
والواقع أن التجربة التاريخية للمملكة، في تورّطها طرفا في دورات الصراع المسلح في اليمن، تحصر مدى صمودها الزمني بين خمس إلى ثماني سنوات؛ الأمر الذي يفيد بأن المملكة باتت قريبة من اتخاذ قرار خروجها من الحرب الراهنة، وتحولها إلى استراتيجية “الاقتراب غير المباشر”، وهو خيار بدأت شخصيات إعلامية تروّجه، ولا يمكن أن يُطرح، إعلامياً، في السعودية، إلا في ضوء جدل رسمي مسموح بتداوله.
ووفقاً للفترة المعيارية السابقة، أمام نظام آل سعود فرصا شحيحة لخروجها الضامن لأمن المملكة الوطني، وتحقيق أهداف الحكومة اليمنية الشرعية، ما لم يجر إعادة ضبط بوصلة الحرب. ومن دون شك، سينعكس أثر ذلك على سلوك الحوثيين، عسكرياً، تجاه المملكة والحكومة الشرعية، سلباً أو إيجاباً.
وقد استأنف الحوثيون في اليمن، أخيراً، هجماتهم بالصواريخ الباليستية على الرياض وجيزان في السعودية، وكانت الرياض قد أمِنت، بضعة أشهر، من هذه الصواريخ، بعد تحوّل هجماتها وهجمات الطائرات المسَّيرة من دون طيار نحو منشآت نفطية شرقي المملكة، وأخرى عسكرية واقتصادية في جيزان ونجران، بل تراجعت وتيرة ذلك تراجعاً ملحوظاً.
وبعودة هذه الهجمات، فإن من المتوقع استمرارها، وربما اتساع دائرتها، وتنوّع أهدافها وتعددها، ما لم يطرأ تحوّل جذري في الموقف السعودي.
يُعد هذا التصعيد مؤشراً واضحاً على تنامي قوة الحوثيين الصاروخية، ونجاحهم في إعادة تفعيل منظوماتها المتعثرة، وأنهم يعتقدون أن اندفاعهم في هذا الاتجاه، وفي ظل حالة التمزق التي تعيشها السلطة الشرعية، سيدفع السعودية، على الأقل، إلى التخلي عن استراتيجية “الاقتراب المباشر”، وانتهاج استراتيجية “الاقتراب غير المباشر” التي تنتهجها الإمارات منذ مغادرة قواتها اليمن، مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، لا سيما أن مِن دوافع ذلك الهجمات التي طاولت سفنا تجارية قبالة إمارة الفجيرة، منتصف العام الماضي.
جاءت هجمات الصواريخ الباليستية على الرياض وجيزان، بعد يوم على خطاب زعيم الحركة الحوثية، عبد الملك الحوثي، بمناسبة صمود قواته، خمس سنوات، والذي عرض فيه مبادلة طيار حربي وضباط وجنود سعوديين أسرى لديه، مقابل إطلاق السلطات السعودية المعتقلين لديها من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مُظهِراً قدرته على المبادرة والمبادأة، ومذكِّراً بإسقاط طائرة سعودية من نوع تورنيدو شرقي محافظة الجوف، في فبراير/شباط الماضي.
كما أن نظام آل سعود يجد نفسه مجبرا على الانشغال بترميم ما أفسده حلفائه في الإمارات في المحافظات الجنوبية اليمنية، من خلال حرصها على تطبيق اتفاق الرياض، ومعادلة توازن نفوذها مع أبوظبي في هذه المناطق، وفي الساحل الغربي، فضلاً عن تنامي التهديد على حدودها الجنوبية مع محافظة الجوف، بعد التقدّم الذي أحرزه الحوثيون فيها، وهو تهديد ذو طبيعة حسّاسة جداً؛ لأنه يتعلق بقطاع من الجيوبوليتيك الشيعي الممتد من المنطقة الشرقية، مروراً بنجران، ووصولاً إلى جيزان.
يفسر الموقف السعودي السابق ما ذكرته مصادر موثوقة أن قيادة التحالف في الرياض تلقّت معلومات عن عزم الحوثيين شن هجمات صاروخية على المملكة، ومن هذه المعلومات إحداثيات لمواقع إطلاق تلك الصواريخ، إلا أن طائرات التحالف لم تقم بأي هجمات استباقية، ولم تسجَّل أي هجمةٍ عليها بعد انطلاق الصواريخ منها؛ إذ تركزت الضربات، في اليوم التالي، على مناطق المواجهات بين صنعاء ومأرب. ويدل التأثير المحدود لهجمات الصواريخ على الرياض وجيزان على أن السعودية اكتفت، بعد وصول المعلومات، باتخاذ تدابير دفاعية فاعلة.