هاجمت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بشدة ولي العهد محمد بن سلمان، ووصفته بأنه حاكم مستبد يجب مقاطعته إعلاميا وعدم منحه أي مساحة لتلميع جرائمه وانتهاكاته.
ونشرت الصحيفة مقالة في صفحة الرأي للكاتبة كارين عطية، محررة صفحة الشؤون الدولية في الصحيفة الأمريكية، تنتقد فيها المقابلة التي أجرتها مجلة “ذي أتلانتك” مؤخرًا مع محمد بن سلمان.
وترى الكاتبة أن المجلة سعَت في المقابلة الى إطراء ولي العهد وإظهاره بمظهر المظلوم في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، موضحةً أن المقابلة ليست إلا صورة من الصحافة التي تعطي الأولوية للوصول إلى الشخصيات المهمة أو الأثرياء أو المشهورين أو الأقوياء على حساب الموضوعية الصحفية والنزاهة.
وتستهل كارين مقالها بالقول: “في عام 2018، عندما شرع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تقديم نفسه للولايات المتحدة، أرسل لي الصحافي السعودي جمال خاشقجي تحذيرًا عبر تطبيق واتساب قائلًا: (أعتقد أن أمريكا تعرَّضت لعملية غسيل مخ)”.
وكانت الفكرة من وراء الزيارة – التي التقى خلالها محمد بن سلمان، مع الجميع بدءًا من الرئيس دونالد ترامب ووصولًا إلى أوبرا وينفري، مع توقُّفٍ في محطات أخرى تخص وسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة “واشنطن بوست” – بمثابة تقديم محمد بن سلمان على أنه الوجه الشبابي الحديث للإصلاح في السعودية.
لكن بينما ابتسم محمد بن سلمان للكاميرات وتناول العشاء في حي هوليوود هيلز في لوس أنجلوس، كانت السعودية ترمي مَنْ يوجِّهون إليها سهام النقد في غياهب السجون، وبدأت في خلاف مُزعزع للاستقرار مع قطر وكانت تلقي بالقنابل والمتفجرات على اليمن، بحسب الكاتبة.
تضيف الكاتبة: “وبعد سبعة أشهر، قُتل جمال على يد فرقة اغتيال سعودية في إسطنبول، وسرعان ما تعرض محمد بن سلمان للإدانة والنبذ – لكن شيئًا ما همس في أذني أن هذا لن يدوم طويلًا، والآن لدينا دليل”.
وتشير الكاتبة إلى أن وسائل الإعلام في واشنطن لديها تاريخ طويل في الإطراء المسرف للحكام المستبدين القتلة – خاصةً عندما يكون هؤلاء المستبدون من الحلفاء الرئيسين للولايات المتحدة.
والقطعة الصحافية التي تصدرت عدد غلاف مجلة “ذي أتلانتك” لشهر أبريل (نيسان)، بعنوان “السلطة المطلقة”، عن محمد بن سلمان – والتي كتبها جرايم وود، وتضمنت مقابلاتٍ أجراها الكاتب مع ولي العهد بصحبة رئيس تحرير المجلة، جيفري جولدبيرج – تعد جزءًا من هذا التقليد، ودراسة حالة في كل ما هو خطأ في الوصول إلى الصحافة والتركيز غير الأخلاقي على الرجال الأقوياء المتوحشين، بحسب وصف كارين عطية.
وفي الجزء الأول من المقال، أدى وود “جمبازًا فكريًّا”، بحسب الكاتبة، لمحاولة تبرير عملية التبييض الطويلة التي ستعقب ذلك، وكتب وود: “لقد سافرتُ إلى السعودية على مدى السنوات الثلاث الماضية، في محاولة لفهم هل ولي العهد قاتل أم مصلح أم كلاهما”.
وتلفت الكاتبة إلى أن مقابلة “ذي أتلانتك” بذلت كل ما بوسعها لتقدم لنا صورة مغايرة من خلال الصحافة عن حقيقة الأوضاع السيئة في السعودية في عهد محمد بن سلمان.
وهناك محاولات تدفعنا لتقبُّل فكرة إمكانية التعاطف مع محمد بن سلمان، مثل ذكر الكاتب لتفاصيل منها: “كان ولي العهد ساحرًا ولطيفًا ومتحررًا من الرسميَّات وذكيًّا”، و”يتناول الإفطار كل يوم مع أطفاله”.
تضيف كارين: “علمنا من خلال المقال تفاصيل ثاقبة مثل كيف أن ولي العهد يفضل مشاهدة مسلسل (صراع العروش) (وهو المسلسل الذي يحوي جرعات كبيرة من مؤامرات القصر ووحشية القرون الوسطى) على مشاهدة مسلسل (هاوس أوف كاردز)”.
يتضمن المقال بعض الانتقادات الحادة، مثل القول إن محمدًا بن سلمان خلق مناخًا غير مسبوق من الخوف والقمع في السعودية، لكن يبدو أنه مناسب بوصفه جزءًا من رواية جذابة عن السيطرة الذكورية يمكن قبولها في الولايات المتحدة، بحسب المقال.
وعلى أي حال، كان وود هو الذي كتب أيضًا سيرة موجزة عن ريتشارد سبنسر، المتعصب للبيض – بحسب الكاتبة- ووصفه بأنه “يشبه سليل عائلة مصرفية في مونتانا، مرتديًا ملابسه وجاهزًا لتصوير إعلان تجاري في كوخ خشبي، ليؤكد لمزارعي الماشية المحليين أن ودائعهم ستكون في أمان معه”.
وترى الكاتبة أن أكثر الأمور إثارة للاشمئزاز هو أن مجلة “ذي أتلانتك” أعطت محمدًا بن سلمان منصة، ليس فحسب لمواصلة إنكاره السخيف لوجود أي علاقة له بقتل جمال (على الرغم من أن الجريمة جرى تنفيذها على يد شخصيات في دائرته المقربة.
وخلُصت وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) إلى أنه أعطى الأمر بالقبض عليه أو قتله)، ولكن أيضًا لتصوير نفسه على أنه الضحية الحقيقية، وذكرت المجلة أن محمدًا بن سلمان أخبر أشخاصًا مقربين منه أن “حادثة خاشقجي كانت أسوأ شيء حدث لي على الإطلاق”، ونقلت عنه المجلة أن جريمة القتل “آذتني وأضرت بالسعودية، من منظور المشاعر”.
وترى الكاتبة أنه كان يمكن لمجلة “ذي أتلانتك” أن تنتقد محمدًا بن سلمان بشدة بشأن دوره في اغتيال جمال، وبدلًا من ذلك، سُمح لمحمد بن سلمان بالحَطِّ من قدْر جمال، قائلًا إنه لم يكن مهمًّا بما يكفي لقتله.
ونقلت المجلة عن بن سلمان قوله: “لم يكن خاشقجي واحدًا حتى من بين أهم ألف شخص على قائمة المستهدفين”، ومن الصعب أن نتخيل أنهم كانوا سيفعلون ذلك لو كان جمال مواطنًا أمريكيًّا، بحسب الكاتبة.
ولا تحتوي مقابلة المجلة على رد فعل سلبي يُذكر تجاه اليمن (حيث تسببت الحرب التي تقودها السعودية في أزمة إنسانية أودت بحياة ما يصل إلى 85 ألف طفل) أو تجاه عديد من المعارضين والناشطين السعوديين الذين يقبعون خلف أسوار السجون السعودية.
تقول الكاتبة: “عندما تواصلتُ مع المجلة للتعليق، قال متحدث باسمها: (نشجع الناس على قراءة قصة جرايم وود بأنفسهم. وتتناول المقالة المكونة من 12 ألف كلمة قضايا تتعلق بالحوكمة السعودية والدين والمجتمع، وتتناول أيضًا مختلف مظاهر حكم محمد بن سلمان الاستبدادية والقمعية)”.
وكان التعليق مراوغة كلاسيكية، بحسب الكاتبة، مضيفة: “(اقرئي المقال) ليست إجابة عن سبب قرارهم إعطاء الطاغية منصة ليعرض نفسه على الناس من خلالها”، وترجح الكاتبة أنه ربما اعتقدت ذي أتلانتك أن “أكاذيب محمد بن سلمان الصارخة ونرجسيته” ستكون كافية لإدانته في نظر القرَّاء.
واستدركتْ الكاتبة قائلة: “كل ما فعلوه هو إظهار أنفسهم على أنهم مجرد أدوات في حملة محمد بن سلمان لترميم صورته، ويعيد المقال الطويل تدوير الرواية نفسها التي روَّج لها محمد بن سلمان لسنوات – وهو أنه يقف وحده بين السعودية الحديثة والمحافظين المتدينين”.
وأضافت كارين: “كما يحمل المقال ومضات من الاستشراق، مثل الدهشة من مشاهدة فيلم (زومبي لاند: دوبل تاب) في دار سينما بجوار امرأة كانت ترتدي حذاءً رياضيًّا أو رؤية أجانب على متن رحلاتهم في طريقهم إلى مؤتمر سان دييجو كوميك-كون الدولي في كاليفورنيا”.
ولا تحمل مقابلة المجلة معلومات وفيرة حول حملة النظام السعودي من الدعاية الشعبية الزائفة لإغداق أموال ضخمة على المشاهير والمؤثرين وشركات العلاقات العامة للحاق بأحداث السعودية ونشر تجاربها على وسائل التواصل الاجتماعي”.
تضيف الكاتبة: “الأهم من ذلك، أن هذا المقال يعزز النظرة السطحية للسلطة ويعامل الشعب السعودي بوصفه مجرد أمر ثانوي، والشخصيات المؤثرة مثل رجل الدين المسجون، سلمان العودة – الذي يمكن القول إنه كان له نفوذ أكبر في جميع أنحاء الشرق الأوسط بأكمله بآرائه الإصلاحية التقدمية قبل ظهور محمد بن سلمان على الساحة – لم تُذكَر سوى في إشارة عابرة.
ولم تحصل لجين الهذلول، الناشطة في مجال حقوق المرأة التي جرى إطلاق سراحها من السجن، إلا على عدد قليل من السطور المرتجلة. وهناك القليل من الانخراط في رؤاهم للسعودية وحقوق المرأة والإسلام – والتي كان لديهم مساحة للتعبير عنها قبل ظهور محمد بن سلمان على الساحة”.
وفي ختام مقالها، تخلص الكاتبة إلى أن مقال “السلطة المطلقة” يعد “إهانة لذكرى جمال وللصحافة، وعندما ينظر التاريخ إلى هذه الفترة، سوف يتألق مقال مجلة أتلانتك هذا بوصفه مثالًا على كيف أن الطريق إلى عودة الاستبداد الوحشي العالمي قد جرى تمهيد الطريق له في جزء لا بأس به على يد أسوأ جوانب صحافة الوصول إلى الشخصيات المهمة والثرية والمؤثرة في الولايات المتحدة”.