قررت وزارة التعليم في نظام آل سعود، إبعاد المعلمين “المخالفين فكريًا”، في خطوة أثارت جدلا واسعاً في المملكة.
وصدر القرار عن وزير التعليم حمد آل الشيخ، في تصريح أوردته وسائل إعلام محلية، بينها “أخبار السعودية” على “تويتر”.
ومنح الوزير مدراء التعليم في مناطق المملكة صلاحيات واسعة، لاتخاذ قرار “الإبعاد الفوري” للعاملين في المدارس ممن لديهم “مخالفات فكرية”.
وأوضح أنه سيتم تكليف المبعدين بأعمال إدارية خارج المدارس بصفة مؤقتة، لحين البت في القضية، حسب المصدر ذاته.
ولم يوضح “آل الشيخ” ضوابط وشروط استبعاد المعلمين، أو “المخالفات الفكرية” التي تستوجب عقوبة الإبعاد الإداري، ما أثار جدلا وانتقادات واسعة في البلاد.
وقال ناشطون سعوديون، عبر منصات التواصل الاجتماعي، إن القرار قد يفتح بابا للدعاوى الكيدية وتصفية الحسابات الشخصية بين مدراء التعليم والمدرسين.
واعتبر هؤلاء أن مثل هذا القرار يعد استفزازا وتخويفا للمعلمين المتواجدين في منازلهم منذ جائحة كورونا.
وفي 8 مارس/آذار الماضي، علقت السعودية الدراسة في مدارس وجامعات المملكة حتى إشعار آخر، ضمن تدابير احترازية اتخذتها البلاد للحد من تفشي الفيروس.
ويأتي القرار امتدادا لما اتخذه وزير التعليم ذاته، في فبراير/ شباط الماضي، من إعفاء عميد كلية الشريعة بالرياض من منصبه، بسبب ما ذكرته وسائل إعلام محلية آنذاك بـ”استضافة مخالفين فكرياً”.
وأعلن “آل الشيخ” قبل أيام، أنه “لن يسمح باستغلال المؤسسات التعليمية للترويج للفكر المتطرف، أو نشر ما يخالف سياسة وتوجهات الدولة، أو استخدام المسؤولية المهنية التعليمية في غير سياقاتها الوطنية” وفق تعبيره.
ودعا إلى “خلو المكتبات، والمراجع العلمية، وتوصيف المقررات، والرسائل المقدمة في الدراسات العليا، أو البحوث المعدة للنشر، من أي إشارة إلى كتب المنتمين للفكر وللحركات والجماعات الإرهابية كجماعة الإخوان المسلمين وغيرها”.
وتواجه السعودية انتقادات دولية حيال أوضاع حرية التعبير، وحقوق الإنسان، وتوقيف كل مخالفي توجهات السلطات، غير أن المملكة أكدت مرارا التزامها “تنفيذ القانون بشفافية”.
وأعاد قرار وزير التعليم إلى الأذهان القرارات المشابهة التي اتخذها ولي العهد محمد بن سلمان بإقصاء بناء على الأفكار السلمية، وبناء على ذلك منع أئمة من الخطابة وفصل آخرين من الإمامة.
ويمر التعليم في المملكة بمستوى منخفض من حيث معايير وجودة التعليم، وما يزال الطلاب السعوديون كل عام دراسي يدرسون في مبانٍ حكومية متهالكة تنتظر الصيانة، وسط تغييرات مستمرة في المناهج، وتخوفات من إدراج مواد لا تتناسب مع البيئة السعودية وسحب مناهج دراسية من المدارس والمساجد، وفق التوجيهات الجديدة لولي العهد.
واندلعت خلافات العام الماضي بين “هيئة تقويم التعليم والتدريب”، التي يديرها وزير التعليم السابق الدكتور أحمد العيسى، ووزارة التعليم، التي هاجمت الهيئة على خلفية مؤتمر أقامته مؤخراً، والذي كشف عن تراجع “أداء الطلاب خلال الدراسة في العام الماضي”.
البداية كانت من العيسى، الذي قال في مقال نشره في صحيفة “الحياة” السعودية، في أكتوبر 2019: إن “الاختبارات الوطنية التي أعلنتها هيئة تقويم التعليم يجب ألا تمر مرور الكرام؛ فهي لا تتوافق مع نتائج الاختبارات الدولية التي أجريت الأعوام الماضية، وتؤكد على أن التحصيل العلمي لدى طلابنا لا يزال دون المستوى المطلوب وبعيد عن طموحات قيادتنا وتطلعات شعبنا”.
وعلى ضوء ذلك ردت الوزارة في بيان رسمي قالت فيه: “بعيداً عن التنظير؛ تؤكد وزارة التعليم أن النتائج التي أعلنتها الهيئة ليست جديدة عليها، حيث تنبهت في وقت مبكر إلى ضعف نتائج المملكة في مشاركاتها في الاختبارات الدولية عام 2015؛ نظراً لعدم وجود منظومة إصلاحات تعليمية حقيقية خلال السنوات الثلاث الماضية (في عهد العيسى)، أو المحاسبة عليها”.
وتكشف هذه الاتهامات إلى أين وصل تدهور التعليم في المملكة، واستخدام الاتهامات بين المسؤولين السعوديين، وتحميل كل منهم الآخر للخروج من دائرة الفشل، وهو ما اتضح من تصريحات سابقة للعيسى أثناء توليه منصب الوزير، قبل عزله في ديسمبر 2018م ، وتعيين حمد آل الشيخ بديلاً له.
واعترف العيسى، في أكتوبر 2018، بوجود خلل في التعليم بالمملكة، وقال: “الخلل في نظام التعليم ليس وليد لحظة معينة؛ بل تراكم سنوات طويلة من السياسات التعليمية التي أدت إلى وصولنا للوضع الحالي”.
وواجه الوزير السابق انتقادات في 4 ملفات؛ تتصدرها إجازات المعلمين، وساعة النشاط، والتأمين الصحي للمعلمين، والخصخصة في مدارس التعليم العام، والتي أثارت الجدل داخل الأوساط التعليمية.
وتخسر المملكة بسبب المقررات الدراسية سنوياً ما يقارب 460 مليون ريال (122.6 مليون دولار)، في ظل إلقاء الطلاب كتبهم في نهاية العام الدراسي.
ورغم الخلافات والاتهامات بين الإدارتين السابقة والحالية لوزارة التعليم بالمملكة فإن الغضب لا يزال يسود في أوساط المعلمين، الذين خرجوا عن صمتهم بسبب الإجراءات المستمرة من وزارة التربية والتعليم في البلاد، والتي وصفوها بـ”الظالمة” وغير المهنية، بعدما وضعت الأخيرة قيوداً تعجيزية قبل صرف علاوتهم السنوية المستحقة.
وارتفع صوت المعلمين السعوديين منذ مطلع سبتمبر 2019، بعد إعلان “آل الشيخ”، لائحة خاصة لمنح العلاوة السنوية ضمن سُلَّم الرواتب؛ تتضمن عدة شروط يجب على المعلم استيفاءها كشرط للحصول على حقه الذي أقره النظام السعودي.
وأثار قرار “آل الشيخ” غضب المعلمين، حيث ربط منح العلاوة السنوية للمعلمين المبدعين والمتميزين، بعد إرسال قائدي وقائدات المدارس أسماءهم، مع تغييرات واشتراطات جديدة سيتم وضعها قبل صرف المكافآت.
وتشترط لائحة وزارة التربية والتعليم السعودية الجديدةُ أيضاً أن يحصل المعلم على رخصة مزاولة المهنة بعد اجتيازه اختباراً خاصاً بها، وفي حال عدم الحصول عليها يُحرم من العلاوة السنوية، وفق رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد.