يؤكد مراقبون أن تكرار تسجيل عجز ميزانية السعودية للعام 2023 يعري فشل رؤية 2030 التي روج لها ولي العهد محمد بن سلمان بشأن تحقيق فائض مغلفة بتضليل إعلامي جديد.
ومنذ إعلان محمد بن سلمان إطلاق رؤية 2030، بدأت سلسلة الوعود البراقة في شتى المجالات، كان للاقتصاد منها نصيب، ما بين النهوض به وتنويع مصادر الدخل واستقطاب الشركات الأجنبية وتوفير فرص العمل ودفع عجلة المشاريع وتقليل الدين العام.
وبعد 7 سنوات “عجاف” شهدت الأرقام بعكس ذلك، إذ نشرت وزارة المالية تقريرها السنوي، والذي شهد عجزًا بلغ 82 مليار ريال، حيث بلغت الإيرادات 1.193 تريليون ريال والنفقات 1.275 تريليون ريال.
كما تجاوز الدين العام عتبة قياسية ببلوغه لـ 1.024 تريليون ريال، ورغم أن معظم التوقعات كانت تشير لحدوث فائض، إلا أن العجز هو ما حدث.
وعلى الرغم من أن كل التقديرات الحكومية كانت تتوقع تسجيل فائض في الميزانية يتراوح ما بين 9 مليار ريال إلى 16 مليار ريال في عام 2023.
إلا أنه ومع إعلان العجز، مارس الإعلام الموالي للسلطة التضليل مجددًا إذ أعلن أن عجز 2023 كان متوقعًا منذ البداية، مع استمرار العجز في عام 2024.
في الحقيقة أن العجز المالي هو القاعدة منذ تولّي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد وإطلاق رؤية 2030.
إذ سجلت الميزانية عجزًا لـ 6 أعوام متتالية بين 2016 لـ 2021، وكان عام 2022 هو الاستثناء الوحيد الذي شهد فائضًا مدعومًا بارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وعند العودة للوراء قليلًا مع مطلع الألفية الثالثة، لرأينا تسجيل المملكة عجزًا ماليًا 4 مرات فقط خلال 15 عامًا منذ عام 2000 لعام 2014 في سنوات 2001 و2002 و2009 و2014.
بينما سجّلت ضعف هذا العدد (8 مرات عجز) في 9 سنوات من حكم الملك سلمان وابنه، في مؤشر خطير لم يشهده تاريخ المملكة.
ومع إطلاق الرؤية، وعد ولي العهد بأن اقتصاد المملكة سيتحرّر من اعتماده على النفط ويكون قادرًا على النهوض بنفسه بتنويع المصادر
ومن جديد مارست وزارة المالية التضليل المتعمد، إذ تشير بياناتها لتزايد ملفت للإيرادات غير النفطية في السنوات الأخيرة دون توضيح التفاصيل أو مصادر التنوع.
ولكن الحقيقة التي تنطق بها الأرقام والإحصاءات الرسمية أنّ الضرائب تضاعفت في عهد الأمير محمد بن سلمان لأكثر من 13 ضعفًا خلال 8 أعوام فقط، حيث كانت تشكّل 2.7% فقط من مجمل الإيرادات العامة في 2015 لتصبح 35.4% لغاية النصف الأول من عام 2023.
شهد عام 2023 زيادات كبرى على الضرائب وصلت في بعض أرقامها لـ 82% على أساس سنوي مقارنة مع زيادة 18% فقط في الإيرادات غير النفطية.
فمثلًا، بلغت الضرائب في أول 9 أشهر من هذا العام 277.9 مليار ريال لتشكل لوحدها قرابة ثلث الإيرادات مقارنة بـ 226.8 مليار ريال لنفس الفترة من عام 2022.
وزيادة نسب الضرائب لا تعني نمو الاقتصاد بل أعباءً جديدة يتحملها المواطن.
على الجانب الآخر فشلت الحكومة في تحقيق وعودها بتنويع مصادر الدخل واستقطاب الشركات الأجنبية للاستثمار، ما دفع الحكومة لإطلاق حزمة إعفاءات ضريبية جديدة لمدة 30 عامًا لجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية.
استمرار الاعتماد على النفط والضرائب وازدياد الاقتراض لتغطية النفقات المتزايدة لمشاريع رؤية 2030، دفع الحكومة للمرة الأولى للإعلان عن تأخير وتأجيل بعض المشاريع لتجنّب الضغوط على الاقتصاد حسب ما أعلن ذلك وزير المالية بعد انكماش الاقتصاد في الربع الثالث بنسبة 4.5% على أساس سنوي.
وارتفع الدين العام على المملكة لأرقام قياسية منذ إطلاق الرؤية.
فبعد أن كان 142.2 مليار ريال نهاية 2015 مشكلًا نسبة 5.8% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
تخطّى الدين حاجز التريليون للمرة الأولى ليصل لـ 1.024 تريليون ريال، بنسبة 24% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم أن الكثير من المشاريع متلكئة، يمرّ اقتصاد المملكة بتحديات خطيرة يتمثّل بزيادة غير منضبطة للنفقات الحكومية مع عدم إنجاز معظم المشاريع التي وعدت بها الحكومة، وغياب الشفافية في عرض الأرقام أو وجود محاسبة على الإخفاقات فضلًا عن الإفراط في بعثرة الأموال على صفقات الرياضة ونشاطات الترفيه دون جني عائدات حقيقية.
ويبقى المواطن هو الضحية الوحيدة وعلى أكثر من صعيد: تصاعد نسب الضرائب التي يدفعها، وعدم وجود دعم حكومي حقيقي يوازي التضخم والغلاء، وقلة فرص العمل وعدم كفاية الراتب لتغطية تكاليف المعيشة.
وتوجه الحكومة السعودية لمشاريع سياحية أو تعاقدات رياضية لا تلبي آماله، بل هدفها غسيل السمعة وتبييض الصورة.