أدت السياسات الخاطئة لآل سعود ومقامراتهم التجارية والعسكرية في العالم، بنتائج سلبية وغير مسبوقة على الدولة ومواطنيها الذين يودعون عهد الرفاه، بعدما عاشوه لعقود طويلة.
وللمرة الأولى، أقرت المملكة إجراءات “مؤلمة” لإنقاذ الموازنة من العجز الكبير. وشملت هذه الإجراءات زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من الأول من يوليو/تموز المقبل، ووقف صرف بدل غلاء المعيشة اعتبارا من يونيو/حزيران المقبل.
كل هذه الإجراءات وغيرها، قالت المملكة إنها اضطرارية لتفادي تداعيات فيروس كورنا، وحرب أسعار النفط العام.
وخارج المملكة، يذهب آل سعود بأموال المملكة للاستثمار في قطاع الترفيه في الولايات المتحدة الأميركية الذي قد يبدي استعداداً لغض النظر عن سجلها المرتبط بانتهاكات حقوق الإنسان وجريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
واشترى آل سعود خلال إبريل/ نيسان الماضي حصة قيمتها 500 مليون دولار أميركي، أو 5 في المائة، من أسهم شركة البثّ الموسيقي “لايف نايشن” Live Nation، لتصبح ثالث أكبر مستثمر فيها، بعدما انخفضت قيمة أسهمها بأكثر من 40 في المائة.
وخلال الربع الأول من العام الحالي، استثمرت المملكة 500 مليون دولار أميركي في شركة “والت ديزني” Walt Disney.
وأفادت مجلة “هوليوود ريبوتر”، في 6 مايو/أيار الحالي، بأن صفقات جديدة ستعقدها المملكة العربية السعودية خلال الفترة المقبلة، مشيرة إلى أن “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي يقدم عروضاً لشراء أسهم في “تايم وارنر ميوزيك غروب” Time Warner Music Group.
شراء الأسهم في “لايف نايشن” شكل أول عملية لـ”صندوق الاستثمارات العامة” في شركة ترفيه أميركية، منذ جريمة اغتيال الصحافي السعودي والكاتب في صحيفة “واشنطن بوست”، جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018. حينها، أعلنت شركات ومؤسسات في هوليوود مقاطعتها للمملكة السعودية احتجاجاً.
لكن مجلة “هوليوود ريبورتر” لفتت إلى أن وباء فيروس كورونا شكل ضربة هائلة للشركات في هوليوود التي قد تفضل التضحية بصورتها العامة مقابل عدم فقدان قدراتها المالية وانهيارها الكلي، ما يعني فتح المجال أكثر أمام المملكة السعودية للاستثمار في القطاع، خاصة أن استثماراتها الأخيرة لم تواجه انتقادات واسعة، كما في السابق، عبر المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأمام هذه الهجمة السعودية على هوليوود، قالت محررة قسم الآراء العالمية في صحيفة “واشنطن بوست”، كارِن عطية، إن “قبول الشركات لأموال ملطخة بالدماء من نظام لا يأبه بسجن نجوم مواقع التواصل الاجتماعي وتعذيب أشهر الناشطات النسويات وقتل كاتب رأي في (واشنطن بوست) يهدد حرية التعبير فيها مقابل إسعاد المستثمرين”.
وحذرت عطية في مقالة عنوانها “رأسمالية السعودية الكارثية تصل إلى هوليوود”، نشرتها “واشنطن بوست” الاثنين، من أن “استمرار قطاع الترفيه الأميركي في التعامل مع المملكة العربية السعودية يظهر للعالم استعدادها لإلقاء القيم والأخلاق الأميركية في القمامة”.
وأظهرت البيانات الأميركية أن الصندوق السيادي السعودي قد اشترى حصة تبلغ قيمتها 713.7 مليون دولار في شركة بوينغ وحصة تقدر بنحو 522 مليونا في سيتي غروب وأخرى بالقيمة نفسها في فيسبوك، وكذلك حصة قيمتها 495.8 مليون دولار في ديزني، وبقيمة 487.6 مليونا في بنك أوف أميركا.
واعتبر شريف عثمان المختص في الشؤون المالية والاقتصادية بمؤسسة واشنطن أناليتيكا، أن الخطوة السعودية تستغل الفرص الاستثمارية التي خلقها وباء كورونا والتي أدت إلى انخفاض قيمة أسهم كبرى الشركات الأميركية.
وقال عثمان إن الأوضاع الحالية تغري المستثمرين بالشراء خاصة مع انخفاض قيمة أسهم هذه الشركات، معبرا عن استغرابه من إقدام الصندوق السيادي السعودي على شراء حصص في هذه الشركات في ظل سياسات التقشف الصارمة التي تتبعها الرياض بسبب انخفاض قيمة العائدات النفطية وتبعات انتشار وباء كورونا.
وتثير تلك الأرقام الحيرة فمع تعرض السعوديين لضغوط مستمرة للتنازل عن مزايا الرفاهية من أجل الصالح العام للمملكة، يتساءل المرء ما إذا كان أفراد المجتمع، أو مجلس آل سعود، قد يبدأون في طلب تحجيم ميزانية “بن سلمان” التي لا يرى لها سقف.
وتدور حاليا أنباء عن اتفاق بين صندوق الاستثمار السعودي – الذي يسيطر عليه ولى العهد محمد بن سلمان – والمُلاك الحاليين لنادي نيوكاسل، من أجل صفقة الاستحواذ على النادي مقابل نحو 300 مليون جنيه إسترليني.
وإزاء هذه التطورات، دعت خديجة جنكيز خطيبة الصحفي السعودي جماهير فريق نيوكاسل يونايتد الإنجليزي إلى وقف استحواذ ولي العهد السعودي على الفريق.
وطالبت خديجة في رسالة مفتوحة إلى جماهير نادي نيوكسل، الجماهير بالتفكير فيما إذا كان استحواذ ولي العهد السعودي على النادي، الذي نافس في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، هو القرار الصائب.
وقالت خديجة في رسالتها التي نشرتها على حسابها على تويتر: “أناشدكم بالتحرك والضغط من أجل ناديكم، حتى لا يقع في يد بن سلمان الذي يحكم شعبه بالقبضة الحديدية ويقتل معارضيه ويضطهد عائلته”.
ومنذ تولى سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الحكم في المملكة وولي عهده نجله محمد، بدأت الأجهزة الأمنية التابعة بشكل مباشر لمكتب الأخير، وعلى رأسها جهاز أمن الدولة الذي أسس حديثا، بشنّ حملات اعتقال ضد الناشطين السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين من مختلف التيارات.
ووثقت المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان اعتقال السلطات الأمنية 87 امرأة منذ ولاية سلمان وابنه حكم المملكة (2015-2020).