أكد تقرير بريطاني أن ما سيجبيه نظام آل سعود من وراء اكتتاب شركة أرامكو الحكومية النفطية متواضعة ومحدودة وقد لا تتجاوز تغطية العجز المالي بالمملكة لمدة ستة أشهر.
وجاء في التقرير الذي نشرته صحيفة (ذي تلغراف) البريطانية إن المبالغ المتواضعة التي ستجنيها السعودية من “خصخصة” أرامكو أن مصدري النفط أصبحوا في الوقت الضائع، مع تغيير العالم سياسات الطاقة الخاصة به.
وقال التقرير إن مبلغ 25 مليار دولار لن يكون له أي تأثير مفيد على رؤية 2030 لمحمد بن سلمان، واصفة تلك الرؤية بأنها خطة مسرحية لكسر إدمان النفط والتنويع في كل شيء من مصانع السيارات إلى إنتاج الأسلحة.
وأضاف أن ولي العهد لن يذهب بعيدا لإطلاق مشروع “نيوم” عملاقته البيضاء التي تبلغ قيمتها نصف تريليون دولار على البحر الأحمر.
وقال الكاتب إن النظام السعودي لجأ إلى الحيل لبيع 1.5% من أسهم أرامكو في بورصة “تداول” المحلية، كما فعل في “ريتز كارلتون” للأمراء، مضاعفا الرافعة المالية للبنوك لتمكين عملاء التجزئة السعوديين من شراء الأسهم.
ولن يمس الأجانب الآخرون شركة أرامكو -حسب الكاتب- حتى بعد تخفيض قيمتها من تريليوني دولار إلى 1.6 أو 1.7 تريليون، لأن احتياطيات النفط النظرية لا تساوي الكثير هذه الأيام بسبب ردة الفعل المناخية، وتجنب صناديق الثروة الكبيرة الأصول العالقة ومخاطر التقاضي.
ونبه التقرير إلى أن بلدا كالسعودية عليه تغطية رابع أكبر ميزانية عسكرية في العالم والحرب في اليمن، بالإضافة إلى تمويل مصر ودفع ثمن نظام الرفاه الذي يشكل بالنسبة له الغطاء السياسي، وسيكون محتاجا إلى كل دولار من العائدات الحالية.
ولذلك فإن شراء أسهم في احتكار الدولة الذي هو في نفس الوقت شريان الحياة المالي للنظام يعد مخاطرة بالمصير، متسائلا: هل سيقاوم ولي العهد بسحب عائدات أرامكو من خلال الضرائب حتى لا يترك أي شيء للأرباح؟
تعتبر تقلبات أرامكو حسب التقرير لحظة مهمة لأوبك، لأنها قد تضع حدا للمنظمة في وقت أبكر مما كانت تخشى، خاصة أن بلدان المنظمة بنت هيكل الإنفاق على مجرد افتراضات، كبقاء سعر برميل النفط عند مئة دولار، واستمرار الازدهار الصيني، وهو ما تغير بعد خمس سنوات.
وسيكون الشتاء قاتما لتحالف أوبك وروسيا -حسب التقرير- لأنهم يواجهون مرة أخرى خطر انخفاض الأسعار ما لم يتفقوا على مزيد من خفض الإنتاج، رغم توقع نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.2 مليون برميل العام المقبل، وذلك بسبب أن المعروض من كندا والبرازيل والنرويج وغويانا والولايات المتحدة سيرتفع بمقدار 2.3 مليون برميل في اليوم.
ورأى التقرير أن المخاطرة لأوبك وروسيا هي أن السعر “المنخفض لمدة أطول” قد يمتد إلى منتصف العقد المقبل، وهو وقت ستكون السيارات الكهربائية قد أصبحت بنفس سعر محركات البنزين والديزل، مع تكاليف أقل بكثير لمدى الحياة.
وجاءت توقعات الطاقة الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي بقراءة مخيفة لوزراء أوبك، حيث قدرت أن إنتاج الولايات المتحدة سوف يستمر في الارتفاع إلى مستوى لم يكن متوقعا عند 20.9 مليون برميل يوميا بحلول عام 2025.
وقالت وكالة الطاقة الدولية -وهي ليست صديقة للخضر- إن نمو استهلاك النفط “سيتباطأ حتى يحبو” بعد عام 2025، وقالت “الدول التي تعتمد اقتصاداتها بشكل حصري على النفط والغاز تواجه تحديات خطيرة”.
وخلص التقرير إلى أن هذا هو ما تواجهه أوبك في ظل “سيناريو السياسة المعلنة” لوكالة الطاقة الدولية التي تسمح لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بالاستمرار في الارتفاع بأكثر من مئة مليون طن سنويا، مخاطرة بسلامة الكوكب، فكيف بها مع مطالب سياسة الأمم المتحدة التي تدعو لخفض الطلب على النفط إلى خمسين مليون برميل في اليوم بحلول منتصف القرن؟
ويرى أن أوبك ما زالت تعيش إنكارا سرياليا، حيث ترى أن نظرتها العالمية لهذا الشهر أن النفط والغاز سيستمران في حدود 53% من مزيج الطاقة العالمي خلال عشرين عاما، كما هو الحال اليوم.
ويعد ذلك تجاهلا للإنذار العلمي الصادر عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ -يقول التقرير- وتجاهلا لما هو متيقين من فرض ضريبة كربون عالمية، كما أنه تجاهل أيضا لاحتمال فرض حظر تام على بيع السيارات القائمة على الوقود الأحفوري بأوروبا والصين والهند وأميركا الشمالية في غضون عقد من الزمن.
وانتهى التقرير بأن صناعة النفط في العالم تعيش وقتا سياسيا مستقطعا وتدهورا ماليا، مشيرا إلى أن النظام السعودي كان عليه -بدلا الجهود التي بذلها لتخريب قمم المناخ العالمية قبل عقود- أن يستمع إلى ما يقال.
وختم بأن أرامكو -لو كانت معروضة للبيع قبل أن يستيقظ العالم على مشكلة المناخ في زمن الحديث عن طفرة النفط والطلب الآسيوي الجشع- لكان بإمكان السعوديين أن يملؤوا ما يكفي لتغطية أحلام ولي العهد.