أظهرت المحاكمة الغيابية التي بدأت في تركيا لقتلة الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي تفاصيل صادمة منها أنه تم الطلب إشعال فرن بُعيد دخول المغدور لمقر قنصلية المملكة.
إذ قال شاهد تركي عمل بالقنصلية السعودية بإسطنبول إنه طُلب منه إشعال فرن تنور بعد أقل من ساعة على دخول المغدور خاشقجي مبنى القنصلية، في حين توقعت مسؤولة أممية أن يُدرج ولي العهد محمد بن سلمان في قائمة المتهمين.
وأفاد زكي دمير -وهو فني محلي عمل لدى القنصلية السعودية- أمام الجلسة الأولى لمحاكمة قتلة خاشقجي التي عقدت أمس الجمعة، بأنه استدعي لمقر سكن القنصل بعد أن دخل خاشقجي إلى مبنى القنصلية المجاور للحصول على أوراق خاصة به.
وأضاف “كان هناك خمسة أو ستة أشخاص.. طلبوا مني إشعال فرن تنور. كانت هناك أجواء من الذعر”.
ووفقا للائحة الاتهام الموجهة إلى 20 سعوديا، بينهم مسؤولان بارزان، فإن دمير شاهد العديد من أسياخ اللحم، ولاحظ أن بلاطات الرخام حول الفرن تغير لونها فيما يبدو كما لو أنه تم تنظيفها بمادة كيماوية.
وقال سائق القنصل في إفادة منفصلة بلائحة الاتهام إن القنصل أمر بشراء لحم الكباب النيئ من أحد المطاعم.
وأضافت لائحة الاتهام أن دمير عرض المساعدة في فتح باب موقف السيارة عندما وصلت سيارة نوافذها معتمة، لكن طُلب منه مغادرة الحديقة بسرعة.
وقال مسؤولون أتراك إن إحدى النظريات التي تحقق فيها الشرطة هي أن قتلة خاشقجي ربما تخلصوا من جثته بحرقها بعد خنقه وتقطيع أوصاله.
وأنهت محكمة العقوبات المشددة في مدينة إسطنبول التركي أمس الجمعة أولى الجلسات الغيابية لـ20 متهما سعوديا بقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده عام 2018، وأرجأت المحكمة الجلسة الثانية من القضية إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وأمرت المحكمة بالإبقاء على مذكرات الجلب الدولية، وإحضار المتهمين الغائبين للمحاكمة بالقوة، من بينهم سعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد السعودي، وأحمد عسيري النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية.
ويطالب الادعاء العام التركي بعقوبة السجن المؤبد على المتهمين بتهم التخطيط والتحريض والقتل بطريقة وحشية.
وبعد الإدلاء بشهادتها أمام القاضي، أكدت خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي أنها مؤمنة بتحقيق العدالة في تركيا.
بدوره، أكد ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية أن العدالة ستطول قتلة خاشقجي عاجلا أم آجلا، كما اتهم الرياض بعدم التعاون مع السلطات التركية.
إدراج محمد بن سلمان
وقالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالإعدام خارج نطاق القضاء أنييس كالامار إنها تتوقع أن يعد الادعاء التركي قائمة أخرى بالمتهمين في جريمة قتل جمال خاشقجي ربما تشمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وقالت كالامار إن الدولة الوحيدة التي تملك أدلة على تورط الأمير محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي هي الولايات المتحدة، لكن البيت الأبيض عرقل الخطوات التي اتخذها الكونغرس للوصول إلى المعلومات.
وأشارت إلى أن تركيا قامت بما يقع على عاتقها في قضية مقتل خاشقجي، مشيرة إلى أن إجراءات المحاكمة في تركيا أكثر شفافية وعدالة بمراحل من نظيرتها في السعودية.
ووصفت المحاكمة التي أجريت في المملكة العربية السعودية بالكوميديا القضائية، ولفتت إلى أن المحاكمة لا ترقى إلى أن تكون شرعية، حيث أجريت في الخفاء، ولم تحاكم الجناة الحقيقيين.
وكانت المحققة الخاصة كالامار انتهت في تحقيقها إلى أن خاشقجي ذُبح بوحشية، وأن جريمة قتله تمثل إعداما خارج نطاق القضاء.
وقالت بعض الحكومات الغربية، وكذلك وكالة المخابرات المركزية الأميركية، إنها تعتقد أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمر بقتله، وهو اتهام نفاه مسؤولون سعوديون.
ووفق الأحكام الصادرة من الرياض، التي أعلنها النائب العام السعودي بشأن القضية نهاية العام الماضي، لم توجه للقحطاني أي تهم بسبب ما وُصف بقلة الأدلة حاله كحال العسيري الذي أُخلي سبيله أيضا للسبب ذاته، كما بُرئ القنصل السعودي محمد العتيبي.
أما المتهمون الخمسة الذين حكم عليهم بالإعدام من دون الإفصاح عن هوياتهم، فعلى الأغلب أن الأحكام لن تنفذ بحقهم بعد إعلان أسرة خاشقجي العفو عن قاتليه، مما يمهد الطريق لعفو قانوني عن المتهمين.
يشار إلى أنه في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 قتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، وباتت القضية من بين الأبرز والأكثر تداولا في الأجندة الدولية منذ ذلك الحين.
وعقب 18 يوما من الإنكار، قدمت خلالها الرياض تفسيرات متضاربة للحادث، وأعلنت مقتل خاشقجي إثر شجار مع سعوديين وتوقيف 18 مواطنا في إطار التحقيقات، دون الكشف عن مكان الجثة.
وقد فتح عام 2020 أبوابه دون أن يُغلق التحقيق في مقتل خاشقجي، وسط سعي سعودي لإغلاقه ومحاولات تركية لإنجازه، إلى أن تحقق ذلك اليوم.
ورغم أن الرياض رفضت تسليم المشتبه فيهم للمثول أمام القضاء، فإن أهمية الإجراءات القضائية تعود إلى أنها المحاكمة العلنية الأولى في مقتل خاشقجي، حسب مراقبين.
سير المحكمة
وأعدت النيابة العامة في إسطنبول لائحة اتهام من 117 صفحة ضد المتهمين الصادر بحقهم قرار توقيف في إطار مقتل خاشقجي، وتطالب اللائحة بالحكم المؤبد لأحمد عسيري وسعود القحطاني، وهما مقربان من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
كما تطالب اللائحة بالحكم المؤبد بحق الأشخاص الـ18 الآخرين بتهمة “القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”.
وذكرت لائحة الاتهامات أن خاشقجي تم خنقه حتى الموت وتمزيق جسده، ولم يتم العثور على أشلائه.
ويطالب المدعي العام التركي بإنزال عقوبة السجن مدى الحياة بهم جميعا، وهي أقصى عقوبة في تركيا منذ إلغاء عقوبة الإعدام عام 2002.
يذكر أن 16 محامياً من نقابة المحامين في إسطنبول انتدبوا للدفاع عن المتهمين في هذه القضية.
شهود وشهادات
وحسب وسائل الإعلام التركية، وقفت خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي أمام منصة القضاة وأدلت بشهادتها، متحدثةً عن اليوم الذي ضاع فيه مستقبلها.
وفي شهادته أمام المحكمة، قال ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي إن سعود القحطاني مستشار ولي العهد السعودي طرد نجل جمال خاشقجي من عمله للضغط على والده، وأضاف “خاشقجي أبلغني أن القحطاني هدد أحد أبنائه وطلب منه أن يتوقف أبوه عن انتقاد النظام”.
وتابع أقطاي “جمال أخبرني أن ما يحدث في اليمن دفعني لكتابة مقالات ناقدة للنظام السعودي”، ولفت إلى أن خاشقجي أخبره أن النظام السعودي “يفرض على مواطنيه طاعته بخصوص ما يجري باليمن”.
وفي أواخر 2019، ذكرت الرياض أنها حكمت على خمسة أشخاص بالإعدام بعد محاكمة أحيطت بسرية، وبرأت المحكمة ساحة عسيري (يسار) ولم تتهم القحطاني (الجزيرة)
وفي هذا السياق، ذكر نظيف كرمان مؤلف كتاب “الدبلوماسية المتوحشة.. الأسرار المظلمة لجريمة خاشقجي”، أن “جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي حصلت في تركيا، وحسب القانونين التركي والدولي فإن محاكمة المجرمين يجب أن تكون على الأرض التي وقعت فيها الجريمة، خاصة أننا شهدنا محاكمة هزلية لهم في السعودية”.
وقال الكاتب التركي إن تركيا ستواصل العمل مع الإنتربول لجلب المتهمين إلى المحاكمة في تركيا ومن ثم نيلهم العقاب، وهنا تكن أهمية عقد المحكمة أيضا.
وأضاف “ليس من حق أبناء جمال خاشقجي العفو عن قتلة أبيهم لأنها قضية رأي عام وهي جريمة ضد الإنسانية، فضلا عن أن السيدة خديجة جنكيز خطيبة الضحية لم تعف عن القتلة، بل طالبت مرارا بمحاكتهم وملاحقتهم والقبض عليهم”.
ولفت كرمان إلى أن المحكمة لها قيمة رمزية وتأتي في سياق تسمية المسؤولين عن قتل خاشقجي بشكل رسمي.
وأكد الكاتب التركي أن أدلة المحكمة ونتائج حكمها ستساعد مستقبلا في أي محاكمة دولية للقتلة، وستقدم معلومات مهمة للقضاء الأممي.
وأشار إلى أن المحاكمة أحيت القضية من جديد وهي تشجع السياسيين والبرلمانيين على الاستمرار في مناقشة القضية.
من جهته، قال مصدر خاص في دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية التركية إن عقد المحكمة جاء بالتنسيق مع الإنتربول الدولي الذي لن يتمكن من ملاحقة القتلة والقبض عليهم إلا بناء على طلب رسمي بعد إدانتهم رسميا في محاكمة علنية.
وذكر المصدر أن الرياض حاولت مرارا وتكرارا خلال الفترة الماضية تسوية قضية خاشقجي مع أنقرة، مؤكدا أنه ليس في وارد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تسوية القضية تحت أي ظرف من الظروف.