أبرزت شبكة أمريكية ما شهدته السعودية من تغييرات اجتماعية كبيرة في عهد الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد لكن من دون أن تشمل حرية التعبير وإنهاء القمع لأي معارضة.
وتساءل موقع CNN International الأمريكي في تقرير تحت عنوان: “لقد تغيرت السعودية بالفعل على نحو لا يمكن تصوره. لكن هل تتحول إلى وجهةٍ للسائحين؟”.
وتناول المحرر في الموقع نيك روبرتسون، تغييرات كبيرة شهدتها السعودية في السنوات القليلة الماضية وما إذا كان ذلك يعني تشجيع الأجانب على زيارتها كسائحين.
وقال روبرتسون: ما زلت أزور المملكة على مدى العقدين الماضيين، وخلال كل تلك المرات التي زرتها فيها خضتُ كثيراً من التجارب الرائعة.
ومع ذلك، فإن أياً من تلك التجارب لم يؤثر فيّ بقدر ما أثرت تلك اللحظة التي شعرت فيها بأن السعودية تغيرت حقاً، وليس من المبالغة القولُ إن التحولات الاجتماعية الأخيرة في البلاد كانت عميقة وسريعة.
ففي عام 2018، على سبيل المثال، كنت في وسط مدينة الرياض، أنفق الوقت مع بعض الناس في مقهى شبه خاوٍ في وقت مبكر من المساء.
حينها وصل رجال “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، والتي كانت تحظى بالخشية والاحترام بين عموم الناس وعلى نطاق واسع، وتوقفوا بسيارتهم على جانب الطريق، وبدأوا يحثون الناس على الذهاب إلى الصلاة.
في السابق، كان هذا ليؤدي إلى استجابة فورية من الجالسين، وطاعة مباشرة للأوامر، لكن هذه المرة، لم يتحرك أحد أو يحرك ساكناً، وفي تلك اللحظة، استوعبت بالفعل ما كان ينقله إليَّ كثير من السعوديين خلال الأشهر التي أعقبت تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في البلاد، من أنه قد جرَّد الهيئةَ ورجالها من سلطتهم على الناس.
كان ذلك قبل عامين، أما الآن فقد أُحيل رجال الهيئة في الغالب إلى العمل المكتبي.
واليوم، يشعر كثيرون بنوعٍ من الحرية، وإن كانت بالطبع لا تزال مقيدةً بالخطوط غير المرئية لمعظم دول الخليج: استمتع، وامرح، لكن لا تسمح للتطلع إلى قيادة البلاد بأن يراود تفكيرك.
المقاهي الخارجية على طول الأرصفة الجديدة يسودها المظهر الاحتفالي وتضج بالرجال والنساء الذين يقضون وقتهم خارج البيوت بحثاً عن المتعة ولقاء الأصدقاء والتسوق والدردشة والاسترخاء.
في انبهار تقول منيرة القويط، وهي مصممة أزياء تبلغ من العمر 20 عاماً وكانت ترتدي عباءة سوداء تقليدية: “لدينا مزيد من وسائل المرح الآن.. الخروج لمشاهدة الأفلام وارتياد المطاعم ومقابلة الأصدقاء”.
إلى جانبها، كانت تجلس “توتو”، وهي سيدة كانت ترتدي ملابس عصرية دون حجاب (وهو تجاوز كان كافياً للاعتداء عليها في الشارع حتى بضع سنوات مضت)، لكن توتو، التي تعمل معلمةً في روضة أطفال وتبلغ من العمر 42 عاماً، قالت: “الآن تغيرت حياة السعوديين بالكامل”.
كانت السعودية هي الدولة المستضيفة لقمة مجموعة العشرين G20 للقوى الاقتصادية العالمية هذا العام. واستضاف السعوديون اجتماعات القمة في 21-22 نوفمبر/تشرين الثاني، في الوقت الذي انطوت فيه عملية التنظيم على قدر هائل من المسؤولية والتحدي.
بعد اختتامها وقف وزير المالية محمد الجدعان يُثني على فريق مساعديه الشاب، قبل أن يشير إليهم لاحقاً بأنهم “ثروة الوطن”.
كما أن مكاتب الوزير الواقعة في منطقة المدينة الرقمية الجديدة بالرياض- وهو مجمع مستقبلي من المباني المترابطة فيما يفصل بين أحدها والآخر نوافير المياه ومساحات المشاة المفتوحة- بدت معها المنطقة وكأنها جزء من دبي أكثر منها تنتمي إلى الرياض القديمة بشوارعها المليئة بالتراب.
التغييرات هنا كثيرة. باتت النساء تعمل أحياناً في المكاتب جنباً إلى جنب مع الرجال، وهو الأمر الذي كان غير قانوني حتى بضع سنوات قليلة مضت. “تاليا” وهي شابة تبلغ من العمر 27 سنة، هي إحدى هؤلاء.
نشأت تاليا في الرياض تحت رعاية أمها العزباء، وتخرجت في جامعات لندن وبيروت، قبل أن تعود في عام 2017 عندما بدأت إصلاحات محمد بن سلمان.
وتقول تاليا إنها منذ عادت وهي تعمل مع مديرات تنفيذيات ولا ترى حدوداً لما يمكن أن تحققه المرأة في الأوضاع الجديدة.
استغرق الأمر من مؤسس البلاد، الملك عبدالعزيز، 30 عاماً لغزو مناطق البلاد الأربع المتمايزة جغرافياً- عسير في الجنوب، والأحساء في الشرق، والحجاز في الغرب، ونجد في الوسط- وإعلان إنشاء المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر/أيلول 1932.
لكن الأمر لم يستغرق من محمد بن سلمان إلا أقل من خمس سنوات لتغيير الأوضاع في المملكة بطريقة لم يكن أسلافه ليجرؤوا على الإقدام عليها، وقد حمل هذا التغيير على جانبي طريقه اعتقالات واحتجازاً لأكثر من 200 من الأمراء ورجال الأعمال الذين اتهمهم بالفساد.
يصفه الوزراء بأنه رجل صعب المراس، يستمع لكنه لا يتسامح مع أي معارضة لقراره بمجرد اتخاذه، أو أي تهاون في تنفيذ تغييرات يأمر بها.
غير أن الأمر يتجاوز ذلك، فإصلاحات محمد بن سلمان مفروش طريقها باعتقالات نشطاء حقوق الإنسان، وقتل المعارضين– منهم الصحفي السعودي جمال خاشقجي- بوحشية.