تعيينات قضائية في السعودية تدشن مرحلة من التصعيد بالقمع
كشفت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، عن تعيينات قضائية جديدة في السعودية من شأنها أن تدشن مرحلة من التصعيد بالقمع وسحق حقوق الإنسان.
وقالت المنظمة إنه في خطوة غير مسبوقة، صدر في السعودية مرسومًا ملكيًا بتعيين محقق متورط في التستر على جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي كرئيس لمحكمة مكافحة الإرهاب في البلاد، وكذلك تعيين محققين ومدعين عامين موالين لولي العهد للعمل كقضاة في المحكمة.
وأشارت المنظمة إلى أنه في أعقاب هذه التعيينات، أصدرت المحكمة عدة أحكام مغلظة بالسجن، وألغت أحكامًا بالسجن لفترات أقصر بكثير أصدرتها محاكم دنيا، بما في ذلك الحكم على امرأتين سعوديتين بالسجن 34 و45 عامًا، على التوالي، لاستخدامهما وسائل التواصل الاجتماعي.
وجاءت هذه التعيينات في أعقاب اعتقال وعزل ما لا يقل عن تسعة قضاة بارزين من قبل جهاز أمن الدولة في 11 أبريل/نيسان 2022.
قال عبد الله العودة، رئيس قسم منطقة الخليج في منظمة (DAWN): “يعين ولي العهد مسؤولين أمنيين موالين يفتقرون إلى المؤهلات الأساسية للعمل كقضاة في محكمة “مكافحة الإرهاب” الصورية، ويعاقبون أي معارضة اجتماعية بأحكام مروعة”.
وأضاف أن “مكافأة المحقق المتورط في التستر على جريمة قتل جمال خاشقجي بتعيينه رئيسًا لهذه المحكمة ليست سوى أحدث ازدراء للمساءلة عن جريمة القتل، وتلقي نظرة سريعة على تجاهل الحكومة الكبير للعدالة والإجراءات القانونية الواجبة”.
المرسوم الملكي الصادر في 9 يونيو/حزيران، وهو وثيقة غير عامة حصلت عليها منظمة (DAWN)، تعلن تعيين ما لا يقل عن عشرة محققين ومدعين عامين للعمل كقضاة في المحكمة الجزائية المتخصصة، وهو أمر غير مسبوق في المملكة العربية السعودية.
على سبيل المثال، أحد المعينين هو عبد الله بن شايع القحطاني، الذي شغل سابقًا منصب المدعي العام في دائرة أمن الدولة التابعة للنيابة العامة.
وعادة يجب على القضاة إكمال سنتين على الأقل من التدريب القضائي وإكمال الدراسة في المعهد العالي للقضاء، بالإضافة إلى الحصول على درجة البكالوريوس في القانون أو ما يعادلها.
وجاءت التعيينات في أعقاب تطهير لما لا يقل عن تسعة قضاة في محكمة الإرهاب ومحكمة استئناف الإرهاب والمحكمة العليا من قبل جهاز أمن الدولة، الذي اعتقلهم واتهمهم بالخيانة. لا توجد معلومات عما إذا كان هؤلاء القضاة يخضعون للمحاكمة.
وتشمل التعيينات الجديدة المحقق عوض بن علي بن عايض آل ميشر الأحمري رئيسًا للمحكمة الجزائية المتخصصة.
كان الأحمري متورطًا في التستر على جريمة قتل خاشقجي في اسطنبول، حيث سافر في 2018 مع النائب العام سعود المعجب إلى القنصلية السعودية في اسطنبول ظاهريًا للتحقيق في الجريمة.
لكن وفقًا لتقرير الأمم المتحدة الصادر عن المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفيًا، فقد ساعد الأحمري الوفد السعودي في تنظيف أدلة الجريمة، ومنع السلطات التركية من التحقيق في مباني القنصلية، وتقديم معلومات كاذبة للجمهور حول ما حدث.
قرر النائب العام المعجب عدم توجيه الاتهام إلى سعود القحطاني، الذراع اليمنى لولي العهد، على الرغم من أن الأمم المتحدة ومكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكية ذكروا أنه العقل المدبر للعملية.
كما أدلى المدعون السعوديون بتصريحات متناقضة حول جريمة القتل وفشلوا في التحقيق في مكان رفات خاشقجي.
والأحمري والمحققون والمدّعون العامون الذين تم تعيينهم مؤخرًا كقضاة تربطهم علاقات وثيقة بالديوان الملكي السعودي ومحمد بن سلمان، وفقًا لمسؤول كبير في القضاء السعودي أجرت معه منظمة (DAWN) مقابلة في 20 أغسطس/آب 2022.
كما أكدت هذه المصادر أن الأحمري وغيره من القضاة المعينين حديثًا عملوا سابقًا في دائرة أمن الدولة التابعة للنيابة العامة، والتي كانت مسؤولة عن مضايقة واستجواب وملاحقة الناقدين المجتمعيين في البلاد.
وقال مصدر مقرب من مدافع سعودي بارز عن حقوق الإنسان في 7 سبتمبر/أيلول 2022 إن الأحمري استجوب أقارب المدافع عن حقوق الإنسان حول النشاط السياسي السلمي له وانتزع اعترافات قسرية من أفراد الأسرة.
قال العودة: “تعيين هؤلاء الموالين لمحمد بن سلمان للسيطرة على محكمة الإرهاب سيئة السمعة في البلاد سيعزز من دور القضاء في القمع السعودي”.
وأضاف: “أحدث الأحكام بالسجن لمدة 34 و 45 عامًا ضد الامرأتين اللتين كانت جريمتهن الوحيدة هي التغريد لدعم الإصلاح هو ما تحتاج لمعرفته حول الطريقة التي يستخدم فيها محمد بن سلمان الموالين له لترويع المواطنين السعوديين”.
تم إنشاء المحكمة الجزائية المتخصصة في عام 2008 للنظر في القضايا المتعلقة بالإرهاب لكن السلطات استخدمتها كأداة لمهاجمة الأصوات المعارضة في البلاد.
وقد تضمنت العديد من قرارات المحكمة محاكمات جائرة وأحكام قاسية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين والأقليات الدينية.
أشرفت المحكمة أيضًا على محاكمات جماعية غير عادلة، بما في ذلك محاكمات أسفرت عن أحكام بالإعدام بحق 81 شخصًا. أعدمت الحكومة السعودية هؤلاء الأفراد الـ 81 بقطع الرأس وإطلاق النار في 12 مارس/آذار 2022.
للمحكمة الجزائية المتخصصة ولاية قضائية على قضايا الإرهاب والقضايا المتعلقة بالأمن المرفوعة بموجب قانون مكافحة جرائم الإرهاب سيئ السمعة في البلاد، والذي يجرّم انتقاد الحكومة أو النظام الملكي باعتباره جرائم “إرهابية”.
انتقدت منظمات حقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة مرارًا هذا القانون وقانون مكافحة جرائم المعلوماتية لسماحه للحكومة بقمع المواطنين السعوديين وتقويض حقوق الإنسان. كلا القانونين غامضان عن قصد لمنح السلطات السعودية أقصى قدر من حرية التصرف مع مساءلة قليلة أو معدومة عن تجاوزاتها.
شهدت السعودية زيادة كبيرة في أحكام السجن القاسية ضد النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بعد اجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن مع محمد بن سلمان في جدة في يوليو/تموز الماضي.
في 8 أغسطس/آب، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على سلمى الشهاب، وهي أم لطفلين وطالبة دكتوراه في جامعة ليدز، بالسجن 34 عامًا وحظر سفر لمدة 43 عامًا لاستخدامها وسائل التواصل الاجتماعي. في اليوم التالي، حكمت المحكمة على نورة بنت سعيد القحطاني، 49 عامًا، وأم لخمسة أطفال، بالسجن 45 عامًا وحظر سفر لمدة 45 عامًا بتهمة التغريد.
في الشهر نفسه، حكمت المحكمة على عبد الإله الحويطي بالسجن لمدة 50 عامًا وحظر سفر لمدة 50 عامًا لدعمه العلني لرفض عائلته التهجير القسري من منزلهم لإفساح المجال لبناء مدينة نيوم. كما حكمت على أسامة خالد، وهو كاتب ومترجم ومبرمج كمبيوتر، بالسجن 32 عامًا، بعد أن حكمت محكمة ابتدائية على أسامة بالسجن خمس سنوات بتهم تتعلق بحرية التعبير. تعتقل السلطات السعودية أسامة خالد منذ عام 2020.
قال العودة: “من الواضح أن المصافحة بقبضة اليد للرئيس الأمريكي بايدن مع محمد بن سلمان قد أدت إلى مستوى أكثر تطرفًا من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية”.
وأضاف: “عائلات الشهاب والقحطاني والحويطي وخالد وآخرون لن يجدوا العزاء في حقيقة أن الرئيس بايدن وعد بمواجهة محمد بن سلمان بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية”.
ودعت منظمة (DAWN) مرارًا وتكرارًا إلى تحميل الجناة السعوديين، بمن فيهم القضاة، المسؤولية عن أدوارهم في تمكين قمع الدولة ضد المواطنين السعوديين بما في ذلك المدافعين عن حقوق الإنسان وقادة المجتمع المدني والإصلاحيين الديمقراطيين والأقليات الدينية.
بالنسبة للقضاة، يشمل ذلك المساءلة عن حرمان هؤلاء الأفراد من حقوقهم الأساسية في وجود إجراءات تقاضي سليمة أثناء المحاكمة، وقيام القضاة بدعم الإدانات بناءً على أدلة غير كافية، وتطبيق أحكام سجن قاسية.
كما حثت منظمة (DAWN) الولايات المتحدة على إنهاء مبيعات الأسلحة للمملكة، في ضوء انتهاكات حقوق الإنسان المنتظمة والمنتشرة في البلاد. تحظر المادة 502 ب من قانون المساعدات الخارجية مبيعات الأسلحة إلى الحكومات التي لديها سجل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.