يفرض محمد بن سلمان سلسلة إجراءات كبيرة تجاه أبناء عمومته بدء من تجريدهم من كافة مناصبهم وسحب كافة الصلاحيات منهم والاستيلاء على أموالهم ومنعهم من الحديث وإبداء آرائهم في الشؤون العامة كما كانوا يفعلون سابقاً.
ويضع بن سلمان كافة أفراد العائلة في المملكة تحت المراقبة كبيرهم وصغيرهم، ولا أحد يستطيع الحركة أو تنفيذ أي أمر إلا بإذن منه شخصياً، وخلال هذا الصيف لم يستطع الكثير من الأمراء الذهاب إلى أوروبا لقضاء إجازاتهم.
وفي عهود ما قبل بن سلمان، كان ترتيب بيت الحكم السعودي مختلفاً، إذ كان الأمراء ورجال الأسرة الحاكمة يحظون بمراكز قوى متفاوتة، حيث يسيطر أشقاء الملك على الأجهزة الأمنية والوزارات السيادية المهمة، فيما يحظى الصف الثاني والثالث من أبناء الأسرة بنفوذ تجاري وسياسي داخل بعض الأجهزة المهمة في الدولة.
وبرزت داخل أسرة آل سعود الحاكمة شخصيات سياسية مهمة، مثل بندر بن سلطان الذي كان سفيراً للمملكة في الولايات المتحدة ثم رئيساً للاستخبارات العامة، والوليد بن طلال الذي كان أحد أكبر رجال الأعمال في العالم، إضافة إلى متعب بن عبد الله، رئيس الحرس الوطني، إحدى أهم المؤسسات العسكرية في المملكة.
وبفضل هذا النفوذ المتنوع كان كل أمير يدير بنفسه “دولةً صغيرة” تجني مئات الملايين شهرياً، ويعيش عليها آلاف من الموظفين البيروقراطيين.
وكان عددٌ من الأمراء يمتلكون صحفاً خاصة وقنوات إعلامية، ويبدون آراءهم في كثير من القضايا السياسية والاجتماعية بدون تردد، ما وفر توازناً في القوى بين الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة مع وجود كلمة نهائية للملك، والتي لم يجرؤ أن يخالفها أحد طوال فترات حكم آل سعود.
لكن الأمور اختلفت مع بن سلمان، الذي لم يتحمل وجود أي منافسين محتملين له داخل الأسرة الحاكمة.
إذ بدأ في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، أي بعد أشهر قليلة من توليه مقاليد ولاية العهد، بحملة عنيفة ضد أبناء عمومته ورجال الأعمال الموالين لهم وأودعهم في سجن/ معتقل “ريتز كارلتون” حيث تعرض الأمراء ورجال الأعمال لحملات تعذيب أدت إلى وفاة بعض المساجين، مثل اللواء علي القحطاني، مدير مكتب أمير الرياض السابق تركي بن عبد الله آل سعود.
وأجبر الأمراء ورجال الأعمال على التنازل عن ثرواتهم مقابل الإفراج عنهم، حيث أعلن النائب العام سعود بن عبد الله المعجب استرداد الحكومة لأكثر من مائة مليار دولار بعد “مرحلة تفاوض وتسويات” جرت داخل معتقل “الريتز”، وهو المبلغ الذي يوازي ثروة أسرة آل سعود كاملة، وفقاً لتقدير السفارة الأميركية عام 1996.
لكن الأمور لم تنته عند سلب الأمراء أموالهم وإبقائهم خارج الحياة السياسية والاجتماعية فحسب، بل تحولت إلى ملاحقة معتقلي “الريتز كارلتون” بعد الإفراج عنهم، إذ وضعت أجهزة مراقبة لكافة الأمراء لضمان عدم خروجهم خارج المملكة، كما فرضت الإقامة الجبرية على بعضهم، فيما تحول رجل الأعمال الوليد بن طلال إلى مجرد “سكرتير” وحارس أمن لابن سلمان خلال مؤتمر “دافوس الصحراء” الذي أقيم في مدينة الرياض.
ويعد أبناء الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز أكثر المتضررين من حملة ولي العهد ضد الأسرة الحاكمة، إذ تعرض الأمير متعب بن عبد الله، والذي كان يعده والده لتولي الحكم، للسجن في معتقل “الريتز” مع مستشاره ورئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري، وأجبر على التنازل عن ثروته وكافة مناصبه، ومنها منصب وزير الحرس الوطني.
والأخير تشكيل عسكري ضخم يضم أبناء القبائل الموالية للأسرة الحاكمة، حيث بقي هذا التشكيل منذ تأسيسه تحت سلطة والده الملك الراحل عبد الله، واستخدم لزيادة نفوذه والوصول إلى كرسي الحكم قبل سنوات.
ولا يزال مصير تركي بن عبد الله، أخ الأمير متعب وحاكم الرياض الأسبق، مجهولاً حتى الآن بعد مقتل مدير مكتبه اللواء علي القحطاني في ديسمبر/ كانون الأول عام 2017.
وقالت المصادر إن مصير الأمير تركي لا يزال مجهولاً، حيث جرى الإفراج عن كافة معتقلي فندق الريتز تقريباً إلا هو، وهناك أحقاد شخصية بينه وبين محمد بن سلمان، إذ يتهمه الأخير بسرقة مشروع “مترو الرياض” ويراه متآمراً عليه، وبالنسبة لأبناء الملك الراحل (عبد الله)، فإنهم لا يجرؤون حالياً على السؤال عن مصير أخيهم.
ولا تقتصر إجراءات بن سلمان تجاه أبناء عمّه على ذوي المناصب وأصحاب الأموال الذين قد يشكلون خطراً على وجوده في سدة الحكم، بل امتد الأمر إلى أمراء الصف الثالث والرابع، إذ اعتقل سلمان بن عبد العزيز بن سلمان آل سعود ووالده الأمير عبد العزيز برفقة 11 أميراً آخرين على يد كتيبة “السيف الأجرب” الأمنية، وذلك لأسباب غير معروفة.
وقال المحامي الفرنسي إيلي حاتم، والذي يتولى ملف الأمير سلمان بن عبد العزيز، في تصريحات صحافية، إن “غيرة” بن سلمان من الأخير هي السبب الذي دفعه لاعتقاله، إذ إن الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود يحظى باحترام الأسرة الحاكمة، كونه متحدثاً ممتازاً وذا ثقافة عالية، إضافة لكونه متزوجاً من ابنة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، كما أنه حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة السوربون في باريس، وحائز على وسام رفيع من الجمهورية الفرنسية، ويتقن لغات عدة مهدت له بناء علاقات مع زعماء أوروبيين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وكان الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق العاهل سلمان بن عبد العزيز، قد أطلق تصريحاً مثيراً في أثناء رده على محتجين بحرينيين في لندن، إذ قال إن الأسرة الحاكمة ليس لها دخل بتصرفات الملك سلمان وابنه محمد.
وكان الأمير أحمد قد فرّ من البلاد بعد حادثة الريتز وعاش في لندن بعد خلافات مع شقيقه الملك سلمان، لكن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أدى إلى احتياج المملكة له لتخفيف الضغط على بن سلمان.
وحصل الأمير أحمد على ضمانات دولية بعدم التعرض له، وفق ما ذكرت صحيفة “ذا إندبندنت” البريطانية (في 31 أكتوبر 2018) من أجل العودة إلى المملكة.