تزايد المؤشرات على تطبيع علني قريب بين النظام السعودي وإسرائيل
تتزايد المؤشرات على تطبيع علني قريب بين النظام السعودي وإسرائيل في ظل وساطة أمريكية مستمرة وحديث واشنطن عن إحراز تقدم يلبي مطالب الرياض التي تتجاهل القضية الفلسطينية.
وصرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن اتفاقا “ربما يكون في الطريق مع السعودية” بعد محادثات أجراها مستشاره للأمن القومي مع مسؤولين سعوديين في جدة بهدف التوصل إلى تطبيع للعلاقات بين المملكة وإسرائيل.
وقال بايدن للمساهمين في حملة إعادة انتخابه لعام 2024 في حدث أقيم في فريبورت بولاية مين “هناك تقارب ربما يكون جاريا” بحسب ما نشرت وكالة رويترز الدولية.
ولم يذكر بايدن أي تفاصيل عن الاتفاق المحتمل في وقت يسعى المسؤولون الأمريكيون منذ شهور للتوصل إلى ما قد يكون اتفاقا تاريخيا بين السعودية وإسرائيل.
وقال توماس فريدمان كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز في مقال نُشر يوم الخميس إن بايدن يدرس ما إذا كان سيمضي قدما في اتفاق أمني بين الولايات المتحدة والسعودية يتضمن تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل.
فيما قال مسؤولون في البيت الأبيض إن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، أحد أكثر مساعدي بايدن الموثوق بهم، كان في جدة هذا الأسبوع مع مبعوث الشرق الأوسط بريت ماكجورك لمناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاق للتطبيع.
ويرى المسؤولون الأمريكيون أن من الممكن التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية بعد أن توصلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى اتفاقات مماثلة بين إسرائيل وكل من المغرب والسودان والبحرين والإمارات.
من جهتها أبرزت صحيفة الغارديان البريطانية أن سوليفان أجرى محادثات مع محمد بن سلمان، في جدة، فيما قيل إنه جزء من محاولة لتحقيق اختراق دبلوماسي طموح وبعيد المدى في المنطقة.
وقال البيت الأبيض إن سوليفان ومحمد بن سلمان ناقشا يوم الخميس “مبادرات لتعزيز رؤية مشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر سلما وأمنا وازدهارا واستقرارا ومترابطة مع العالم”.
قال توماس فريدمان إنه بناءً على مقابلة مع جو بايدن الأسبوع الماضي، يعتقد أن سوليفان ذهب إلى جدة “لاستكشاف إمكانية وجود نوع من التفاهم الأمريكي السعودي الإسرائيلي الفلسطيني”.
وبحسب الغارديان فإن الصفقة ستكون بمثابة صفقة كبرى تشمل اتفاقية أمنية أمريكية سعودية وتطبيع العلاقات الدبلوماسية السعودية الإسرائيلية، يتم بموجبها تبادل الاعتراف بإسرائيل، بناء على إصرار واشنطن على بعض التحسن في محنة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مثل وقف الاستيطان اليهودي، والوعد بعدم ضم الضفة الغربية.
وقال فريدمان إن بايدن لم يتخذ قرارا بعد بشأن ما إذا كان سيمضي قدما وإن المحادثات في جدة استكشافية.
وأضاف أن أي صفقة من هذا القبيل ستكون “مستهلكة للوقت وصعبة ومعقدة”.
قال بروس ريدل ، المحلل السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ومستشار البيت الأبيض ، إن فكرة مثل هذا الاتفاق متعدد الأوجه بعيدة المنال من الناحية السياسية.
وتابع “لا يريد السعوديون إعادة انتخاب جو بايدن. إنهم يفضلون بشدة عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. قال ريدل إنه لم يستجوبهم قط في قضايا حقوق الإنسان ، لقد أيد حرب اليمن بنسبة 100٪ ، ولم يفعل شيئًا لهم بعد مقتل جمال خاشقجي [كاتب العمود في واشنطن بوست والمعارض السعودي]”.
وأضاف “لذلك هناك علامة استفهام كبيرة حول لماذا يفعل السعوديون شيئًا يكون مفيدًا جدًا لجو بايدن . لا أرى ذلك في الأعمال، وسأفترض أن أفراد بايدن أذكياء بما يكفي لإدراك ذلك”.
كما سيكون حمل مجلس الشيوخ على الموافقة على اتفاقية أمنية مع المملكة العربية السعودية أمرًا بالغ الصعوبة.
لن يرغب الجمهوريون في مساعدة بايدن على تحقيق تقدم دبلوماسي وسيقاوم معظم الديمقراطيين التزامات الولايات المتحدة بملكية سعودية بهذا السجل السيئ لحقوق الإنسان، ويطالبون بمكاسب كبيرة للفلسطينيين، وهو ما لن تقبله حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتشددة.
بدوره قال خالد الجندي، الخبير في شؤون المنطقة في معهد الشرق الأوسط، إن المتطرفين في حكومة نتنياهو سوف “يسقطون” مقترحات تجميد الاستيطان ونقل الأراضي داخل الضفة الغربية إلى سيطرة السلطة الفلسطينية “ناهيك عن اتخاذ خطوات جوهرية تجاه حل الدولتين، وهو ببساطة غير مطروح على الطاولة”.
وأضاف الجندي: “الجانب الآخر الذي أجده مقلقًا هو الطريقة التي يتجاهل بها تمامًا المصالح الفلسطينية وحتى الوكالة الفلسطينية”. يبدو الأمر كما لو أننا عدنا إلى الأيام التي كان يمكن فيها للولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية أن تقرر مصير الفلسطينيين دون أي تدخل فلسطيني. هذا وحده يجب أن يحرمها من أن تؤخذ على محمل الجد – لكنها بالطبع لن تفعل ذلك “.
وقال فريدمان إن المطالب السعودية ستشمل ضمانات بأن الولايات المتحدة ستدافع عن المملكة إذا تعرضت للهجوم ، وأن واشنطن ستسمح ببرنامج نووي مدني سعودي تراقبه الولايات المتحدة ، وأن المملكة يمكن أن تشتري نظام دفاع جوي أمريكي متقدم.
وصف مات دوس ، مستشار السياسة الخارجية السابق للسيناتور بيرني ساندرز ، الطلب السعودي الأول بأنه “غير مبتدئ” والثاني والثالث “أفكار سيئة للغاية”.
قال دوس على وسائل التواصل الاجتماعي: “بايدن يزن رهانًا تاريخيًا عالميًا” .
كانت كريستين فونتينروز المديرة السابقة لمنطقة الخليج في مجلس الأمن القومي خلال إدارة دونالد ترامب ، متشائمة أيضًا بشأن فرص النجاح.
وقالت “أتوقع أن ترفض السلطة الفلسطينية الاعتراف باتفاق سلام سعودي إسرائيلي … الحكومة الإسرائيلية ترفض التعهد بعدم الضم أبدًا. الكونجرس الأمريكي يرفض اتفاقية دفاع جماعي مع السعودية”.
فيما قال فونتنروز إن القيادة السعودية ترفض الموافقة علنا على عدم تسليح برنامجها النووي طالما أن إيران على وشك القيام بذلك.
وأضاف أن هناك المزيد من المكاسب الدبلوماسية المتواضعة التي يمكن تحقيقها من المشاركة مع القيادة السعودية، مثل المزيد من التهدئة للصراع في اليمن، والمساعدات السعودية للأراضي المحتلة في محاولة لإحباط انتفاضة فلسطينية ضد توسيع المستوطنات وغيرها من الإجراءات من قبل حكومة إسرائيلية متطرفة.
وكان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، قدم الشكر للولايات المتحدة الأميركية لعملها من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة السعودية التي وصفها بأنها “دولة رائدة في المنطقة والعالم الإسلامي بأسره”.
وفي خطاب ألقاه هرتسوغ خلال جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس الأميركي بمناسبة مرور 75 عاما على إقامة ما تسمى “دولة إسرائيل” في 19 يوليو/تموز 2023، قال: “نحن نصلي من أجل أن تأتي هذه اللحظة.. سيكون هذا تغييرًا كبيرًا في مجرى التاريخ في الشرق الأوسط والعالم بأسره”.
وكان هرتسوغ، قد دعا في مقابلة مع صحيفة “إسرائيل هيوم” في مايو/أيار 2022، السعوديين للانضمام إلى “عائلة” الاتفاقيات الإبراهيمية التي أبرمت بين إسرائيل ودول خليجية.
وتمكنت واشنطن بوساطتها التي تلعبها بين السعودية وإسرائيل من تحقيق عدة منجزات لصالح الاحتلال، أبرزها السماح في يناير/كانون الأول 2022، لطائرة الرئيس الإسرائيلي بعبور الأجواء السعودية وهو في طريقه لزيارته الأولى إلى الإمارات عقب تطبيع العلاقات بين الجانبين عام 2020 إثر وساطة الحكومة الأميركية.
وفي 15 يوليو/تموز 2022، فتحت السعودية أجوائها “لجميع الناقلات الجوية”، على نحو تُرجم عمليًا بالسماح للطائرات الإسرائيلية بعبور المجال الجوي للمملكة، وهو الأمر الذي تفاخر به الرئيس الأميركي في تصريحات لوسائل الإعلام في المكتب البيضاوي قبل اجتماعه مع نظيره الإسرائيلي، في 19 يوليو/تموز 2023.
وقال بايدن: “لقد فتحنا المجال الجوي لإسرائيل فوق المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان بعد زيارتنا هناك، وجمعنا الإسرائيليين والفلسطينيين معا على المستوى السياسي في مدينة شرم الشيخ بمصر”.
وجاء أيضا من بين بوادر إعلان التطبيع السعودي مع إسرائيل مشاركة لاعبين إسرائيليين ببطولة فيفا الإلكترونية التي اقيمت في المملكة في 11 يوليو/تموز 2023، ورفع خلالها اللاعبين علم الكيان المحتل، كما عزف النشيد الوطني الإسرائيلي خلال مراسم افتتاح البطولة.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن إدارة بايدن تضغط بقوة، للوصول إلى تطبيع بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي والذي ربما يتضمن اتفاقا نوويا.
وذكرت الصحيفة أن مسألة الوصول إلى اتفاق مهمة صعبة، لأن المطالب المطروحة كبيرة، فالسعودية تريد الحصول على موافقة على برنامج نووي سلمي للطاقة، ونتنياهو يريد اتفاق تطبيع ليشعر بالانتصار أمام خصومه في الداخل.
وينظر محمد بن سلمان إلى إسرائيل على أنها “حليف محتمل”، بحسب تصريحاته في مقابلة له مع مجلة “ذي أتلنتيك” الأميركية في مارس/أذار 2022، إذ أعرب عن أمله أن تُحل ما وصفها بـ “المشكلة” بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو التصريح الذي نظر إليه حينها على أنه تمهيدا لإعلان تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
بدوره، قال الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض عبدالله العودة، إن الأميركيين يتحدثون بأن بن سلمان مستعد للتطبيع مع إسرائيل مقابل غسيل جرائمه الدولية، إذ لا يريد للعالم أن يلتفت إلى انتهاكات حقوق الإنسان وجرائمه ولا إلى قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وأشار العودة إلى أن علاقة ولي العهد مع دولة الفصل العنصري والاحتلال “غير رشيدة” وليس لها أساس شعبي، وهو يعلم أن السعوديين كارهين لهذه العلاقة، ولذلك يستخدم الحديد والنار لتمرير هذا التطبيع، وألغى كل الأصوات الرافضة لها، وترك كل الأصوات التي تجهز وتهيئ لعملية المسخ المعرفي ومحاولة التجهيل والتعتيم.
ولفت العودة، إلى أن بن سلمان جهز لإعلان التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي منذ فترة بمحاولة شيطنة الفلسطينيين، وكل القضايا العربية والإسلامية وكل ما يربط بأوصال العلاقات والعمق الاستراتيجي مع المحيط العربي، معربا عن ثقته بأن الغالبية الساحقة من الشعب السعودي يرفضون هذه العلاقة ويروها ظالمة قائمة بين مغتصبان ظالمان مستبدان.
وأضاف أن العلاقات السعودية الإسرائيلية هي بالأساس علاقة بين نظامين يستفيدان ببعضهم البعض في عمليات تجسس وملاحقة الآخرين والظلم والنكاية، لافتا إلى أن بن سلمان دفع الملايين لشراء برامج تجسس إسرائيلية استخدمها في ملاحقة المعارضة السعودية بالخارج، والتجسس على شعبه وبنات عمه.
ورأى العودة أن بن سلمان الذي ارتكب كل الموبقات، فإن التطبيع بالنسبة له أدنى ثمن، مؤكدا أن ولي العهد السعودي ليس لديه أي إشكالية تماما مع التطبيع المباشر العلني، وبدأ بالفعل خطواته في هذا الاتجاه، لكنه يريد ثمن أكبر لإعلانه رسميا، لكن تلك الجهود الحثيثة نحو محو ذاكرة الشعب ستبوء بالخسران.
وأضاف: “نرى أنه برغم أدوات التجهيل لا يمكن مسح ذاكرة شعب بالقمع والإرهاب والسجن والاعتقالات والإعدامات، هذا النوع من الترهيب يمكن أن يخيف الناس لكنه لا يمكن أن يغير الوعي ولا ذاكرة الشعب ومعرفته وانطباعه”، مؤكدا أن القضية الفلسطينية في وعي الشعب السعودي بكافة أطرافه.