يواصل قطار التطبيع السري والعلني بين المملكة وإسرائيل مسيرته المشينة وذلك بعد إعلان الاسرائيليون مبادرة جديدة تتضمن توقيع اتفاق مع الرياض لتصفية القضية الفلسطينية وتمرير صفقة القرن.
ويتصدر نظام آل سعود المبادرة الجديدة التي عرضها وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس وترتكز على إجراء تحالف اقتصادي إقليمي بدعوى حماية المنطقة من الخطر الإيراني، وهو ما يعد الجزء الأبرز من خطوات الوصول لصفقة القرن، وفق محللين سياسيين.
ولم تكن ورشة البحرين التي عقدت في يونيو الماضي، إلا محاولة أمريكية-إسرائيلية لفهم الجاهزين العرب لصفقات تصفية القضية الفلسطينية، إلا أن الرفض من دول أخرى، أبرزها السلطة الفلسطينية، وضعف التمثيل أو الغياب لدول أخرى، غيّر على ما يبدو الخطة المرسومة إلى تطبيع يتسلل تدريجياً.
موقع هيئة البث الإسرائيلية “مكان” كشف أن المبادرة تسعى إلى “إنهاء حالة النزاع مع دول الخليج وتطبيع العلاقات معها”، مشيراً إلى أن كاتس عرضها على ممثلي دول الخليج والمبعوث الأمريكي لعملية السلام المستقيل، جيسون غرينبلات.
المختص في الشؤون السياسية محمود حلمي، يؤكد أن صفقة القرن التي يطرحها الأمريكان ليست كما هي في بدايتها فيما يخص الشق السياسي، حيث طرأ تغيير كبير على الكثير من بنودها في الفترة الأخيرة، في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية.
ويقول حلمي “التطبيع السعودي مع دولة الاحتلال شهد تقدماً غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، والزيارات المتبادلة على مستوى الوزراء، والعلاقات الاقتصادية، جعلت الأمريكان يجعلون أحد أهم أدوات الصفقة العرب أنفسهم”.
ويوضح حلمي أن “الأمريكان يدرسون المنطقة جيداً، ويسجلون جميع المتغيرات، ثم يعيدون وضعها ضمن الحسابات الجديدة لصفقة القرن، وهذا ما حدث في الفترة الأخيرة، خاصة مع تزايد الحضور الإيراني بقوة من خلال حلفائها بالأراضي الفلسطينية”.
ويبين أن أبرز بنود الصفقة التي تمت إعادة صياغتها هو إعطاء دور أكبر للسعودية في تنفيذ المخطط الأمريكي؛ من خلال الضغط على الفلسطينيين عبر الجوانب الاقتصادية للقبول بتنازلات سياسية تعد من الثوابت لدى الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة.
الكاتب السياسي وفيق إبراهيم، يرى أن ما عرضه كاتس مشروع تحالف إسرائيلي-خليجي يشمل إنهاء القضية الفلسطينية “بالتدابير العملية وليس بالعرض الإنشائي”.
ويؤكد إبراهيم في مقال له حمل عنوان “الخليج يكمل الجزء الأخير”، نشر الثلاثاء (8 أكتوبر)، في صحيفة البناء اللبنانية، أن “ما عُرض هو اتفاق استسلام نهائي لأنه لا اعتداءات بين الطرفين منذ تشكل “إسرائيل” في 1948. ما يدل على أنها (الاتفاقية دون علاقات كاملة) وسيلة تحايلية للتخفيف من ردود الفعل”.
ويقول إبراهيم: “هناك مَن يقول إن توقيع هذا الاتفاق مُرجأ إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن الترويج له حالياً هو على المستوى العربي لامتصاص المعايير المتوقعة لرفضه”.
وكانت آخر ملامح التطبيع السعودي الإسرائيلي حين هنأت سفيرة آل سعود في واشنطن، ريما بنت بندر آل سعود، يهود أمريكا بمناسبة حلول “السنة العبرية” الجديدة، وفق ما جاء في تغريدة نشرها حساب “إسرائيل بالعربية” التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية.
مبادرة كاتس جاءت بعد سلسلة طويلة من التطبيع والاتفاقيات الأمنية والاقتصادية بين “إسرائيل” والسعودية، والتي كان أبرزها ما كشف في سبتمبر 2018، عن شراء المملكة لمنظومة “القبة الحديدية”.
كذلك جرت خلال الفترة الماضية مشاورات ولقاءات سرية جديدة بين مسؤولين سعوديين و”إسرائيليين؛ بهدف التوقيع على اتفاقيات شراء منظومات أمنية متطورة، وتدعيم تبادل الخبرات العسكرية بين الطرفين.
ومع صعود محمد بن سلمان إلى سدة الحكم وتوليه منصب ولاية العهد، لوحظ وجود بعض العلاقات بشكل مباشر وغير مباشر مع “إسرائيل”، تُوِّجت بزيارة عدد من الشخصيات السعودية لها، وإبرام اتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية.
وانتقلت العلاقة بين المملكة و”إسرائيل” من مرحلة الأحاديث الإعلامية إلى أرض الواقع؛ من خلال لقاءات جمعت مسؤولين من البلدين بشكل مباشر، ليعطوا بذلك إشارة بدء الظهور للعالم، وإنهاء مرحلة التخفي الطويل في العلاقات فيما بينهم.
وجمع أول لقاء تطبيعي بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين بالعاصمة المصرية القاهرة، في 9 مارس الماضي، لينطلق معه قطار التطبيع؛ في المجال العسكري، والإعلامي، والاجتماعي.
وكانت أبرز الزيارات السعودية لـ”إسرائيل” من قبل الناشط الإعلامي محمد سعود، في يوليو الماضي، وذلك خلال زيارته ضمن وفد لصحفيين عرب بينهم سعوديون وعراقيون إلى المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، تحت أعين بلاده.
وتصدرت الإمارات قطار التطبيع مع الاحتلال، وكان أبرزها ما كشفه وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي ووزير الاستخبارات، يسرائيل كاتس، إذ طرح خلال زيارته مؤخراً إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي مبادرة لربط السعودية والخليج مروراً بالأردن بخط السكك الحديدية الإسرائيلية وصولاً إلى حيفا، وفق ما بينت صفحة “إسرائيل بالعربية” التابعة لخارجية الاحتلال.
وحققت العلاقات الإماراتية الإسرائيلية قفزة كبيرة، وبدأت تنتقل العلاقات السرية للعلن، وتمثلت آخر حلقاتها بدعمها ومشاركتها في ورشة البحرين الخاصة بالشطر الاقتصادي لـ”صفقة القرن”.
كذلك زار وفد سعودي ضمّ مسؤولين أمنيّين وعسكريين “تل أبيب”، مطلع يوليو الماضي، وأجرى لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين تتعلّق بالجانب العسكري.