كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن تزايد الخلافات بين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ونجله ولي العهد محمد حول ملف التطبيع مع إسرائيل.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن الملك سلمان تفاجأ باتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وشعر بالذهول، لاسيما أن الإماراتيين لم يضغطوا على الإسرائيليين لمنح الفلسطينيين أية حقوق.
وأوضحت أن الملك مؤيد منذ فترة طويلة للمقاطعة العربية لـإسرائيل ولمطالبة الفلسطينيين بدولة مستقلة، لكن الأمير محمد يريد تجاوز ما يراه صراعا مستعصيا للانضمام إلى إسرائيل، لاسيما في الأعمال التجارية والوقوف ضد إيران.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين قولهم، إن ولي العهد يخشى أن يعرقل والده صفقة (الإمارات) لم تفعل ما يكفي لدفع قضية الدولة الفلسطينية، فإذا لم يدعم الصفقة ملك السعودية، أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط والوصي على أقدس المواقع الإسلامية، فسيكون من الصعب على الإماراتيين المجاورين المضي قدما.
ولم يخبر الابن والده عن الاتفاق المزمع الذي لم يذكر الدولة الفلسطينية، حيث وافقت إسرائيل فقط على تعليق خطط ضم أجزاء من الأراضي التي تحتلها في الضفة الغربية مقابل اعتراف دبلوماسي من الإمارات.
وتقول الصحيفة إن الملك سلمان الغاضب، أمر – في وقت لاحق – وزير خارجيته إعادة تأكيد التزام المملكة بإقامة دولة فلسطينية، دون الإشارة إلى اتفاق التطبيع.
وكتب أحد أفراد العائلة المالكة المقربين من الملك، وهو الأمير “تركي الفيصل”، السفير السعودي السابق بالولايات المتحدة، مقالة رأي في صحيفة مملوكة للسعودية، أكد فيها هذا الموقف وأشار إلى أنه كان على الإماراتيين الضغط على الإسرائيليين للحصول على مزيد من التنازلات.
وكتب الفيصل: “إذا كانت أي دولة عربية ستتبع الإمارات العربية المتحدة، فعليها أن تطالب في المقابل بسعر، ويجب أن يكون ثمناً باهظاً”.
وتقول الصحيفة إن التوترات على رأس الأسرة الحاكمة السعودية، يمكن أن تؤدي إلى تغير موقف المملكة من الصراع المركزي في المنطقة المضطربة في وقت أقرب مما هو متوقع، لكن مثل هذا التحول قد ينطوي على مزيد من الاضطرابات.
وتنقل “وول ستريت جورنال” عن “يوئيل جوزانسكي”، المدير السابق لمكتب إيران والخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قوله: “يتعين على إسرائيل أن تنتظر حتى تنتهي الأمور.. إنها مسألة وقت ليس إلا وتتعلق بالسعر الذي يطلبه السعوديون، وسيتم التفاوض مع البيت الأبيض، وليس مع إسرائيل”.
وحافظت المملكة وإسرائيل على اتصالات سرية، لكنها متكررة غير رسمية بشأن القضايا الأمنية، ومعظمها تتعلق بإيران، لمدة 30 عامًا تقريبًا.
وتضيف الصحيفة أنه في السنوات الأخيرة، كان على السعودية أن تسير في خط رفيع لمتابعة هدفيها التوأمين المتمثلين في الحفاظ على تحالفها مع الولايات المتحدة، وخاصة في مواجهة إيران، ومواصلة دعمها الطويل الأمد للفلسطينيين.
وقد أدى ذلك في بعض الأحيان إلى قيام المسؤولين السعوديين بالتعبير عن موقف في مكان خاص وآخر في العلن، أو حتى اتخاذ مواقف عامة متباينة.
وتتابع: “عاش الملك سلمان، حقبة شهدت الاجتياحات الإسرائيلية للأراضي العربية، والتي غرست فيه الإخلاص للقضية الفلسطينية، وفقًا لمحللين سعوديين ومسؤولين أمريكيين”.
وعندما كان حاكمًا للعاصمة السعودية الرياض قبل صعوده العرش، غالبًا ما كان الملك “سلمان” يشير إلى نفسه باسم “سفير فلسطين في الرياض”.
وعندما تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في 2017، بعث الملك “سلمان” إليه برسالة قال فيها إنه يؤمن بحق إسرائيل في الوجود وأيضًا بحق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولتهم الخاصة، كما قال السفير الأمريكي السابق “جوزيف ويستفال”.
وعلى النقيض من ذلك، منذ توليه المسؤولية، أعرب الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 35 عامًا، عن رغبته في انفتاح غير عادي تجاه إسرائيل وسرع من ارتباطاته بشأن الأمن والتجارة.
وبعد وقت قصير من تولي الأمير “محمد” ولاية العهد، عقب انقلابه على ابن عمه الأكبر “محمد بن نايف” كان يضغط بشكل خاص على القادة الفلسطينيين لقبول نسخة مبكرة من خطة “ترامب” للسلام، حسبما قال مسؤولون عرب مطلعون على المناقشات.
وأضافت الصحيفة أن الأمير “محمد” يريد تجاوز ما يراه صراعًا مستعصيًا، للانضمام إلى إسرائيل في الأعمال التجارية والوقوف ضد إيران.
ويأمل “بن سلمان” في أن يلعب الإسرائيليون دورا كبيرا في تطوير مدينته السياحية “نيوم”، لاسيما في مجال التكنولوجيا الحيوية والأمن السيبراني، التي أعلنها بقيمة 500 مليار دولار عبر أجزاء متاخمة من المملكة والأردن ومصر، وهي منطقة متاخمة لـإسرائيل.
ورأت الصحيفة أن ولي العهد السعودي يحتاج بشدة حاليا إلى الحفاظ على الدعم من إدارة “ترامب”، بعد أن واجه ضجة دولية بسبب مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في 2018 على يد عملاء سعوديين.
ولم يزر ولي العهد السعودي الولايات المتحدة أو أوروبا منذ مقتل خاشقجي.
وتروى الصحيفة عندما سافر كبير مستشاري “ترامب”، “جاريد كوشنر” إلى السعودية في 1 سبتمبر/أيلول الجاري، لمحاولة الضغط على الملك ونجله في مسألة إعلان التطبيع مع إسرائيل، لكن ولي العهد أخبر “كوشنر” أن والده لن يقبل، حاليا، الصفقة.
وفي ضوء مقاومة والده، أخبر بن سلمان، “كوشنر” أن “أقصى ما يمكن أن تفعله المملكة في الوقت الحالي هو جعل البحرين الصغيرة تشارك في الصفقة”، على حد قول أشخاص مطلعين.
وتقول الصحيفة إنه لن يكون من السهل على السعودية أن تمحو عقبة رئيسية أمام العلاقات مع (إسرائيل)، حيث تم تكييف أجيال من السعوديين على كره اليهود، وكانت الكتب المدرسية تسميهم “الخنازير والقردة”، وكثيرا ما دعا خطباء المساجد للنصر على اليهود “الغزاة والمعتدين”، وغالبا ما وصفت وسائل الإعلام (إسرائيل) بـ “العدو الصهيوني”.
ويقول محللون سياسيون سعوديون وغربيون، في الوقت نفسه، إن ولي العهد السعودي لا يتجاهل مخاطر الاندفاع نحو علاقة رسمية مع إسرائيل، حيث سيعرض ذلك المملكة لانتقادات من الخصوم الإقليميين، ليس فقط للتخلي عن الفلسطينيين، ولكن أيضا للسماح بأي ترتيب من شأنه أن يمنح إسرائيل السيطرة الكاملة على القدس والمسجد الأقصى، ثالث أقدس موقع في الإسلام.
ومن المرجح، وفقا للصحيفة، أن يدفع “بن سلمان” الدول الأخرى التي تتمتع فيها السعودية بنفوذ، مثل السودان والمغرب، للتطبيع مع إسرائيل أولاً، وفقًا للدبلوماسي الأمريكي السابق “ديفيد رونديل”، الذي خدم في المملكة لمدة 15 عامًا.
وقال: “إذا فعلوا ذلك قبل أن يكون هناك إجماع واضح بين الدول العربية، فإنهم سيجعلون أنفسهم مانعا للنقد”.
وتمضي الصحيفة لتنقل عن مستشارين لـ”بن سلمان”، قولهم إنه يريد التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لكنه يعلم أن ذلك سيكون مستحيلا تقريبًا طالما أن الملك على قيد الحياة.
في غضون ذلك ، وجه “بن سلمان” وسائل الإعلام المحلية لنشر تغطية دعائية لصفقات الإمارات والبحرين. رسالة إلى رؤساء تحرير الصحف السعودية.
وتختم الصحيفة تقريرها المطول بمحاولة الإجابة عن السؤال: “ماذا سيفعل بن سلمان أمام هذا الأمر؟”، قائلة، نقلا عن مستشار سعودي مطلع على الاستراتيجيات الحالية قوله: “إنه (بن سلمان) يختبر الوضع ويجهز السعوديين لما سيأتي بعد أن يصبح ملكًا”.