يبدأ القضاء في تركيا اليوم الجمعة، بالمحاكمة الغيابية لقتلة الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، في قنصلية ببلاده بمدينة إسطنبول 2 أكتوبر 2018.
وستكون المحاكمة للمتهمين غيابيا أمام محكمة العقوبات المشددة الـ11 في إسطنبول، وتأتي بعد نحو شهر من موافقة القضاء التركي على لائحة اتهام بحق 20 متهما سعوديا في القضية.
وتشكل المحاكمة أول مسار فعلي لإحقاق العدالة بحق قتلة خاشقجي، فبعد نحو عامين من الجريمة أصدرت الرياض أحكاما بالإعدام في حق 5 مدانين، والسجن 24 عاما لثلاثة مدانين آخرين، فيما تم إطلاق سراح الأسماء المقربة من ولي العهد محمد ابن سلمان.
وفي مايو/ أيار الماضي، أعلن أبناء خاشقجي “عفوا” عن قتلة أبيهم؛ ما يمهد لإلغاء الأحكام الصادرة بحق المدانين بقتله؛ في خطوة انتقدتها مؤسسات حقوقية دولية، وعدّتها محاولة للإفلات من قبضة العدالة وأنها جاءت تحت ضغط السلطات السعودية.
وقبل يومين أعربت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، عبر حسابها على “تويتر”، عن أملها بأن تتحقق العدالة في القضية عبر المحاكمة، التي يبدأ القضاء التركي نظرها الجمعة، مؤكدة تواجدها بمقر المحاكمة.
كما من المقرر أن تحضر أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، التي كانت مسؤولية عن تحقيق لمفوضية حقوق الإنسان الأممية حول مقتل خاشقجي، خلص إلى إدانة بن سلمان شخصيا.
وقالت كالامارد في تغريدة عبر تويتر: “أنا في إسطنبول لدعم خديجة جنكيز وآخرين الذين سيعاودون معايشة أحداث صادمة مع بدء المحاكمة الغيابية لقتلة خاشقجي”.
I am in Istanbul to to give my support to @mercan_resifi and others who will relive traumatic events on the occasion of the beginning of the trial in absentia of #JamalKhashoggi execution.
— Agnes Callamard (@AgnesCallamard) July 1, 2020
ووجه مدعون عامون في تركيا اتهامات في وقت سابق لعشرين سعوديا، بينهم معاونان بارزان سابقان لولى العهد محمد بن سلمان، في ختام تحقيق استمر أكثر من عام.
وذكر مكتب المدعي العام في إسطنبول في بيان وقتذاك أنه جرى إعداد قرار اتهامي، وهو ما يمهد لبدء محاكمة بحق المتهمين. ويشير القرار إلى أن النائب السابق لرئيس المخابرات العامة أحمد عسيري والمستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، هما المدبران لعملية اغتيال خاشقجي.
وخلصت أنقرة إلى أن خاشقجي تعرض للخنق ثم قطع جسده من جانب مجموعة من السعوديين داخل القنصلية. ولم يعثر قط على جثمان الراحل على الرغم من الدعوات التركية المتكررة للرياض بالتعاون في هذا الإطار.
وقامت سلطات آل سعود بمحاكمة عدد من المتهمين بقتل خاشقجي، قالت إنهم توجهوا إلى تركيا لتنفيذ الجريمة من دون علمها. وصدرت قبل أشهر أحكام بالإعدام والسجن، في قضية أثارت إدانات دولية واسعة. ولم تعرف أسماء المتهمين رسميا، وجرت المحاكمة بعيداً عن وسائل الإعلام، وسط تشكيك بنزاهتها ومصداقيتها.
لكن أسرة الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، أعلنت في 22 مايو/ أيار عفوها عن قتلته، وتنازلها عن المطالبة بالقصاص منهم وذلك تحت ضغط شديد مارسه نظام آل سعود على مدار أشهر.
وقال صلاح، نجل الراحل، في بيان نُشر على صفحته بـ”تويتر”: “في هذه الليلة الفضيلة من هذا الشهر الفضيل نسترجع قول الله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين)، ولذلك نعلن نحن أبناء الشهيد جمال خاشقجي أننا عفونا عمن قتل والدنا لوجه الله تعالى وكلنا رجاء واحتساب للأجر عند الله عز وجل”.
وتمسكت أسرة الصحفي خاشقجي سابقا بقوة، بحقها محاكمة قاتليه، نافية القبول بأي تسوية مالية.
وأكدت مصادر حقوقية أن نظام آل سعود مارس ضغوطات شديدة على عائلة خاشقجي التي لا يزال أفرادها داخل المملكة لإجبارهم على التنازل.
وتعقيبا على تغريدة صلاح خاشقجي، قالت خديجة جنكيز إنه ليس لأحد الحق في العفو عن قتلته “لأن جريمة قتله المشينة لن تسقط بالتقادم”، في حين وصفت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات القتل خارج القضاء أنييس كالامار العفو بالمهزلة.
وكانت صحيفة “ميدل إيست آي” ذكرت في تقرير آب/ أغسطس الماضي، أن هناك توجه من ولي العهد محمد بن سلمان لإغلاق ملف قضية خاشقجي، عبر عفو أولياء الدم عن قتلته.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” في نيسان/ أبريل 2019م، النقاب عن منح آل سعود أبناء خاشقجي منازل تقدر قيمتها بملايين الدولارات ودفعات شهرية لا تقل عن عشرة آلاف دولار، إلا أن صلاح نفى أن تكون تلك المنح لإسكاتهم عن المطالبة بحق والدهم.
وقال مسؤولين في نظام آل سعود إن ذلك يأتي في إطار جهود النظام الحاكم للتوصل إلى ترتيب طويل المدى مع عائلة القتيل، بهدف ضمني هو ضمان استمرار أعضاء عائلة القتيل في إظهار ضبط النفس في بياناتهم العلنية حول مقتل.
وامتنع أبناء خاشقجي منذ ذاك الوقت، عن أي انتقاد قاس للمملكة، رغم أن وفاة والدهم أثارت غضبا عالميا وإدانة واسعة النطاق لوريث العرش السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وظهروا في مقطع فيديو، خلال حضورهم إلى القصر الملكي في الرياض لقبول التعازي التي قدمها لهم الملك سلمان ونجله محمد.
وبذلك تطوي السلطات السعودية قضية مقتل خاشقجي داخلياً فقط، ففي منتصف نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، أعلنت النيابة العامة السعودية أن من أمر بالقتل هو رئيس فريق التفاوض معه (دون ذكر اسمه).
وأصدر القضاء التركي في 5 ديسمبر / كانون الأول 2019، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني؛ للاشتباه بضلوعهما في الجريمة.
وفي 3 يناير / كانون الثاني 2020، أعلنت النيابة العامة السعودية عقد أولى جلسات محاكمة مدانين في القضية، ولا يعرف تفاصيل أكثر عن الجلسات المرتبطة بالقضية، وهو ما دعا الأمم المتحدة إلى اعتبار المحاكمة “غير كافية”، وجددت مطالبتها بإجراء تحقيق “شفاف وشامل”.
ولاحقا حكمت بالإعدام على خمسة متهمين من الاستخبارات السعودية لقيامهم بقتل وتقطيع جثة خاشقجي داخل القنصلية السعودية.
وأصدرت أيضا أحكام متفاوتة بالسجن على ثلاثة متهمين، وقررت الإفراج عن نائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري، وعدم توجيه أي اتهام للرأس المدبر للعملية المستشار الملكي السابق سعود القحطاني، وهو حكم وصفته المنظمات الدولية بأنه يفتقر للعدالة.
وقالت مقررة الأمم المتحدة، آنياس كالامار إن أدلة موثوقة تبين أن ولي العهد محمد بن سلمان ومسؤولين كبار يتحملون المسؤولية الشخصية عن جريمة القتل. ودعت إلى تحقيق دولي مستقل في القضية.
كما قال يرى فرِد رايان، المدير التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست، في مقال نشرته الصحيفة، إن السلطات السعودية “تتبنى استراتيجية مراوغة” عبر تقديم “مسؤولين يمكن التضحية بهم ككباش فداء” لإجراء محاكمة صورية وتخفيف حدة الغضب العالمي.
ومنذ ذاك الحين، تبحث المملكة عن صورة جديدة أمام المجتمع الدولي في أعقاب سلسلة جرائم هزت الرأي الدولي، أبرزها قضية اغتيال الصحفي خاشقجي.
وكشفت وكالة أسوشيتد برس مطلع مايو/أيار الحالي أن السعودية بصدد إجراء إصلاحات جديدة بغية تحسين سجلها في حقوق الإنسان، وتلميع صورتها التي تضررت نتيجة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي والانتهاكات في حرب اليمن.
وشرعت المملكة مؤخرا – حسب وكالة أسوشيتد برس- في إجراء تعديليْن على الأحكام، يلغي أحدهما عقوبة الجلد، في حين يلغي الثاني تنفيذ حكم الإعدام في المدانين الذين ارتكبوا جرائم عندما كانوا قاصرين.
كما ذه آل سعود بأموال المملكة إلى الخارج للاستثمار في قطاع الترفيه في الولايات المتحدة الأميركية الذي قد يبدي استعداداً لغض النظر عن سجلها المرتبط بانتهاكات حقوق الإنسان وجريمة اغتيال الصحافي خاشقجي.