حذرت منظمات حقوقية دولية من مصير مجهول يواجه الأقلية الإيغور في السعودية وتعرضهم إلى ترحيل قسري وتسليمهم إلى السلطات الصينية التي ترتكب بحقهم جرائم إنسانية مروعة.
وطالبت منظمتان حقوقيتان في بيانين منفصلين، سلطات آل سعود بالإفراج عن رجلا دين من أقلية الإيغور اعتقلتهما في المملكة مؤخرا، وعدم تسليمهما للسلطات الصينية.
وقالت الفدرالية الدولية للحقوق والتنمية (إفرد) إنها تلقت إفادات ومعلومات باعتقال سلطات آل سعود رجل الدين الإيغوري “حامد الله ولي” وشخص أخر يدعى “نور محمد روزي” وتهديدهما بترحيلهم إلى الصين استجابة لطلب من بكين.
وكلا الرجلين وصلا على ما يبدو إلى المملكة في شباط/فبراير الماضي بغرض أداء مناسك العمرة والإقامة في المملكة لفترة لاسيما على إثر حالة الإغلاق التي فرضتها جائحة فيروس كورونا.
وتؤكد الفدرالية الدولية على عدم قانونية مثل هذا الإجراء في ظل وجود خطر فعلي بإمكانية تعرض الرجلين للتعذيب والاضطهاد في ظل الانتهاكات الموثقة للسلطات الصينية بحق أقلية الإيغور.
وشددت على أن اعتقال أشخاص من أقلية الإيغور وترحيلهم ينتهك التزامات السعودية بموجب القانون الدولي نظرا لاحتمال تعرضهم لخطر شديد، رغم أنهم وجدوا ملجأ في المملكة.
وأضافت إنه لأمر فظيع أن تعمل السعودية بناء على أوامر السلطات الصينية المتعسفة بحق أقلية الإيغور وتعيد أشخاص لجئوا إلى المملكة ليواجهوا تعذيبا واضطهادا، مبرزة أن أي عمليات ترحيل قسرية تتعارض مع عدد من المواثيق الدولية التي تعد المملكة طرفًا فيها، والتي كفلت حق الإنسان في حرية الإقامة والتنقل، ومن ذلك المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (12) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وأشارت الفدرالية الدولية للحقوق والتنمية (إفرد) إلى أن المادة (7-1-د) من نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، تُجرّم عمليات الترحيل أو النقل القسري، باعتبار ذلك جريمة ضد الإنسانية.
وأكدت المنظمة الحقوقية أن السعودية يتوجب عليها احترام التزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وألا تسلم أحدا إلى دولة يواجه فيها الشخص خطرا حقيقيا بالتعذيب أو المعاملة السيئة بموجب قواعد القانون الدولي العرفي.
كما قالت “هيومن رايتس ووتش” إنّ على سلطات آل سعود الكشف فورا عن وضع رجلَين مسلمَين صينيَين من الإيغور اعتُقلا في السعودية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وتوضيح أسباب احتجازهما.
وطالب المنظمة الحقوقية سلطات آل سعود بعدم إعادتهما قسرا إلى الصين، حيث يواجهان خطرا فعليا بالاعتقال التعسفي والتعذيب.
وقع الاعتقالان عشية قمة قادة “مجموعة العشرين”، التي استضافتها السعودية عبر الإنترنت يومي 21 و22 نوفمبر/تشرين الثاني. دعت هيومن رايتس ووتش سابقا الدول الأعضاء في المجموعة إلى الضغط على السعودية لإنهاء اعتدائها المستمر على الحريات الأساسية، بما في ذلك سجن ومضايقة المعارضين والنشطاء الحقوقيين، والهجمات غير المشروعة على المدنيين في اليمن، والاستخفاف بالدعوات الدولية إلى المساءلة عن قتل عملاء الدولة للصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “إذا اعتقلت السعودية مسلمَين من الإيغور قسرا ورحّلتهما ليواجها الاضطهاد الشديد في الصين، فإن ذلك سيضعف محاولات المملكة لتحقيق صدىً إيجابي عبر استضافتها لقمة مجموعة العشرين. على السلطات السعودية الكشف فورا عن وضع معتقلَي الإيغور وتوضيح سبب اعتقالهما”.
وقال عبد الولي أيوب، ناشط إيغوري على اتصال بمجتمع الإيغور في السعودية، لـ هيومن رايتس ووتش إنّ السلطات احتجزت عالم دين مسلم من الإيغور يُدعى حمد الله عبد الولي (أو إيميدولا وايلي حسب كتابة البينيين على جواز سفره الصيني) (52 عاما) مساء 20 نوفمبر/تشرين الثاني في مكة مع صديقه نورميت روزي (أو نورمييتي على جواز سفره الصيني)، والرجلان يقيمان في تركيا.
وذكر أيوب أنّ روزي تمكن من الاتصال بأحد أفراد أسرته ليخبره أنهما محتجزان في سجن بريمان بجدة وأنهما “في خطر”.
قصد عبد الولي السعودية في فبراير/شباط لأداء فريضة الحج. قال مصدر آخر تحدث إلى عبد الولي إنه كان مختبئا منذ أن ألقى خطابا أمام مجتمع الإيغور هناك، شجعهم فيه والمسلمين على الصلاة لأجل ما يحدث في شينجيانغ و”ردع الغزاة الصينيين … باستخدام الأسلحة”.
في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، تحدث عبد الولي إلى موقع “ميدل إيست آي” قائلا إنه يخشى أن تكون السلطات الصينية قد أرسلت طلبا إلى السعودية لاحتجازه وترحيله.
نشر الموقع صورا لجواز سفر عبد الولي الصيني، وبطاقة إقامته التركية، ومعلومات تأشيرته السعودية. وقال الناشط الإيغوري أيوب إنّه وثق سابقا خمس حالات لأفراد من الإيغور رحلتهم السعودية قسرا إلى الصين بين 2017 و2018.
والإيغور مسلمون ناطقون بالتركية، يعيش معظمهم في منطقة شينجيانغ ذات الحكم الذاتي في شمال غرب الصين.
لطالما أظهرت الحكومة الصينية عداءً للعديد من أشكال التعبير المتصلة بهوية الإيغور، وفرضت قيودا واسعة، منها دينية، على الحياة اليومية في شينجيانغ.
منذ أواخر 2016، تصاعد مستوى القمع كثيرا في المنطقة كجزء من جهود مكافحة الإرهاب المزعومة، حيث أُخضع 13 مليون مسلم تركي في المنطقة إلى التلقين السياسي القسري، والمراقبة الجماعية، والقيود الشديدة على التنقّل.
يُقدّر أنّ مليون منهم محتجزون في معسكرات “التثقيف السياسي”.
يستهدف جزء كبير من هذا القمع ممارسات الإيغور الدينية. يُسجن الإيغور ويحتجزون بسبب دراستهم للقرآن، وتأديتهم الحج من دون موافقة الدولة، وارتدائهم ملابس دينية، وغيرها من الأفكار أو السلوكيات.
تم تدمير أو الإضرار بنحو 16 ألف مسجد في شينجيانغ، أو 65% من إجمالي عددها، نتيجة لسياسات الحكومة منذ عام 2017.
في زيارة إلى الصين في فبراير/شباط 2019، بدا أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، يؤيد سياسات الحكومة الصينية في شينجيانغ.
نقلت وكالة أنباء الصين الرسمية “شينخوا” عن بن سلمان قوله: “نحترم وندعم حقوق الصين في اتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب والتطرف لحماية الأمن القومي …” أيدت السعودية رسائل مشتركة إلى “الأمم المتحدة” لدعم سياسات الصين في شينجيانغ في 2019، ومرّة أخرى في 2020.
يدعو سجلّ الصين في الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والإخفاءات القسرية للإيغور، بالإضافة إلى غياب الاستقلالية القضائية، إلى القلق من تعرّض عبد الولي وروزي لخطر التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة إن رُحّلا.
وشهدت السنوات الأخيرة حالات كثيرة تم فيها ترحيل الإيغور قسرا إلى الصين في خرق للقانون الدولي.
في يوليو/تموز 2017، اعتقلت مصر 62 من الإيغور ورحّلت 12 على الأقل إلى الصين. في أغسطس/آب 2015، رحّلت تايلاند قسرا 220 من الإيغور إلى الصين.
في ديسمبر/كانون الأول 2012، رحّلت ماليزيا ستّة أشخاص من الإيغور إلى الصين. في جميع الحالات، لم تتمكّن هيومن رايتس ووتش من الحصول على المزيد من المعلومات من مصادر في الحكومات التايلندية، أو الماليزية، أو الصينية حول مكان تواجد الأشخاص المرّحلين أو سلامتهم.
وختم ستورك: “تأييد محمد بن سلمان على ما يبدو لاضطهاد الصين لمجتمع الإيغور المسلم سيئ بما يكفي، لكن ينبغي لحكومته ألا تلعب دورا مباشرا في ذلك بترحيل مواطنَين من الإيغور ليواجها الاحتجاز التعسفي والتعذيب المحتملَين”.