يعتمد ولي العهد محمد بن سلمان في مساعيه لتعزيز حكمه والاستفراد بالسلطات في المملكة بشكل رئيسي على الدعم غير المحدود من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
غير أن دعم إدارة ترامب لبن سلمان لا يتم بدون ثمن بل بثمن باهظ يتجسد في صفقات أسلحة بمبالغ فلكية تستفيد منها واشنطن في نهب ثروات المملكة وإبقاء الأطير الطائش في الحكم لإبرام المزيد من الصفقات مستقبلا.
وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) في تقريره السنوي الصادر قبل أيام، فإن الولايات المتحدة حافظت على موقعها كأكبر بائع أسلحة في العالم، حيث صدّرت أكثر من ثلث إجمالي الأسلحة العالمية خلال السنوات الخمس الماضية، في حين تصدرت المملكة قائمة المستوردين عالميا.
وذكر المعهد -الذي يتخذ من السويد مقرا له- في أحدث مراجعة لعمليات نقل الأسلحة عالميا؛ أن حجم عمليات نقل الأسلحة على مستوى العالم ارتفع بنسبة 6% تقريبًا خلال الفترة بين عامي 2015 و2019، مقارنة مع الفترة بين 2010 و2014.
وحسب تقرير المعهد، استحوذت الولايات المتحدة على 36% من مبيعات الأسلحة العالمية خلال هذه الفترة، حيث صدّرت أسلحة إلى 96 دولة. وذهبت نصف مبيعاتها من الأسلحة إلى الشرق الأوسط.
وظلت المملكة أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال هذه الفترة، بنسبة 12% من إجمالي واردات الأسلحة العالمية، كما حصلت المملكة وحدها على خمس مبيعات الولايات المتحدة؛ مما يجعلها السوق الأكثر أهمية.
ويقول الباحث في المعهد بيتر ويزمان إن الاتجاه العام خلال تلك الفترة يشير إلى أنه بالإضافة إلى النمو المستمر في مبيعات الأسلحة العالمية “نرى بوضوح شديد أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر هيمنة، والمورد الرئيسي للأسلحة في
وحسب تصنيف معهد سيبري، فقد جاءت روسيا في المرتبة الثانية، حيث صدّرت ما يساوي خُمس شحنات الأسلحة العالمية، إلى 47 دولة، وذهب أكثر من نصف صادراتها إلى الهند والصين والجزائر.
ومع ذلك، كانت صادرات الأسلحة الروسية أقل بنسبة 18% عن الفترة بين 2010 و2014.
أما المرتبة الثالثة فكانت من نصيب فرنسا بنحو 8%، حيث سجلت في السنوات الخمس الأخيرة أعلى مستوى تصدير لها منذ عام 1990 على خلفية صفقات كبيرة مع مصر وقطر والهند.
ثم تأتي ألمانيا والصين من بين الدول الخمس المصدرة الرئيسية، لتشكل صادرات هذه الدول الخمس 76% من صادرات الأسلحة العالمية.
ويجمع مراقبون على أن قرار بن سلمان الأخير تخفيض أسعار النفط يخدم مصالح ترامب بالأساس على حساب مصالح المملكة.
فقد أصبحت العلاقة وثيقة بين بن سلمان وآل ترامب لدرجة أن أعداء ترامب هم أعداء بن سلمان، والعكس، حسبما قالت رولا جبريل الأستاذة زائرة بجامعة ميامي الأمريكية ومحللة في شؤون السياسة الخارجية، في مقال نشر بمجلة Newsweek الأمريكية.
تقول جبريل “بات هذا الرجل معروفاً باسم ولي عهد البروباغندا (الدعاية). إذ حاول محمد بن سلمان، مُسلَّحاً بمجموعة من وثائق الاستراتيجيات باهظة الثمن أعدَّتها مجموعة Boston Consulting Group للاستشارات والتي يُروَّج لها باعتبارها “رؤيته لعام 2030″، تجاهل عناوين الأخبار السلبية المتعلقة بدوره في مذبحة اليمن ومصرع الكاتب بصحيفة The Washington Post الأمريكية جمال خاشقجي. لكن وسط حربٍ حول أسعار النفط مع روسيا وصراعٍ مرير على خلافة الحكم داخل البلاد، يتعلَّم بن سلمان أنَّه لا يمكنه التخلص من كل مشكلاته عن طريق الاستعانة بخريجي جامعات “رابطة اللبلاب” ممن يرتدون قمصاناً مفتوحة العنق ويُقدِّمون عروضاً تقديمية عديمة الفائدة.
ويريد ترامب تجنُّب السيناريو الذي منح المملكة في الأصل جزءاً كبيراً جداً من ثروتها النفطية. فحين كانت المملكة قوة أكثر استقلالية قليلاً وتحدد سياستها، بدلاً من الاعتماد على الإمارات وإسرائيل لاتخاذ القرارات، فرضت الرياض حظراً نفطياً احتجاجاً على الدعم الغربي لإسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، والتي حاولت مصر وسوريا خلالها بلا جدوى استعادة أراضيهما التي احتلتها إسرائيل قبل ذلك بست سنوات.
وعلى الرغم من أنَّ هذا التقييد الذي فُرِض على إمدادات النفط لم يستمر إلا ستة أشهر، فإنَّه مثَّل البداية لطفرة كبيرة في أسعار النفط. فبين عامي 1973 و1984، جَنَت السعودية 661 مليار دولار من مبيعات النفط.
واليوم، تنهار أسعار النفط بأسرع وتيرة منذ 30 عاماً، ويتعثر الاقتصاد السعودي، وتفشل استراتيجية الإنقاذ التي جاء بها بن سلمان لبيع جوهرة التاج السعودي، أي بيع حصص في شركة النفط المملوكة للدولة “أرامكو”.
وفي عطلة نهاية الأسبوع، انهارت المفاوضات الرامية للتوافق على الإمدادات وأسعار النفط بين روسيا والسعودية.
وبات الطلب العالمي على النفط منخفضاً جداً بسبب تراجع أعداد المسافرين نتيجة الذعر الذي سبّبّه فيروس كورونا، ومن ثَمَّ فإنَّ عدم الاتفاق على تقييد الإمدادات من أجل إبقاء الأسعار مرتفعة يُعَد تهديداً كبيراً لاقتصاد كلا البلدين.
فمحمد بن سلمان يحتاج إلى أسعار نفط عند مستوى 83 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في الموازنة، ويشير المحللون إلى أنَّ الأسعار قد تنهار إلى مستوى 20 دولاراً هذا العام. لكن بدلاً من تقييد الإنتاج، يغمر ولي العهد السوق ويهوي بالأسعار إلى الأرض.
وما فعله الأمير محمد بإشعاله حرب تحطيم أسعار النفط انتحارٌ اقتصادي، حسب وصف الكاتبة. لكنَّ آل ترامب لا يطالبون بأقل من ذلك. فترامب هو العامل الوحيد الذي يحمي قبضة محمد بن سلمان الحديدية على المملكة حالياً.
لذا، لابد أن يلعب ولي العهد دور يد ترامب اليمنى، الأمر الذي يؤدي إلى تدمير ميزانية المملكة هو فيما يخنق ترامب اقتصادات الدول الأخرى المنتجة للنفط من أجل فرض تغيير للنظام في طهران وكراكاس، ويُشعِل في الوقت نفسه حرباً اقتصادية خطيرة مع موسكو.
والاستراتيجية المتبعة واضحة، فالرئيس الأمريكي يربط المصالح السياسية والتجارية لآل سعود بآل ترامب؛ فهو يُبقي على الأمير في السلطة فيما يُثري عائلته هو. وبإمكانكم وصف ذلك بأنَّه مقايضة.
لقد بات محمد بن سلمان وآل ترامب يتشاركون نفس الحلفاء والأعداء. فأقرب حليفين ضمن دائرة الثقة لدى الجانبين هما إسرائيل والإمارات، وكلاهما بلدان يسعيان لشن حرب على إيران ويحاولان تحفيز الولايات المتحدة للابتعاد عن حليفتها الخليجية قطر.
ولدى بن سلمان وترامب خلاف شخصي مع الملياردير مالك كلٍ من شركة أمازون وصحيفة The Washington Post، جيف بيزوس. إذ كتب خاشقجي بعضاً من أكثر انتقاداته لمحمد بن سلمان قسوة في صحيفة The Washington Post. ولطالما اعتبر ترامب أنَّ بيزوس يُمثِّل تهديداً لفرصه الانتخابية ووجَّه تهديدات لمالك أمازون بفرض إجراءات تنظيمية ضده.
وتك الكشف مؤخرا أنَّ هاتف بيزوس المحمول تعرَّض للاختراق على ما يبدو بعد تلقّيه رسالة من الحساب الشخصي لمحمد بن سلمان على تطبيق واتساب.
كما تم الكشف أنَّ بن سلمان يجري محادثات مع جاريد كوشنر مباشرةً عبر تطبيق واتساب، وأنَّه تباهى بأنَّ صهر ترامب أصبح “في جيبه”. وأشار البعض إلى أنَّ هذه هي طريقة محمد بن سلمان كي يقول إنَّه يملك كل القذارات التي يحتاجها (لابتزاز) كوشنر.
إنَّ آل ترامب يلعبون بالنار. إذ كانت هناك سلسلة من الجمائل الواضحة لصالح بن سلمان منذ وصل ترامب للسلطة. فكانت أولى زيارات ترامب الرئاسية الخارجية إلى الرياض. ودَعَمَ الرئيس الأمريكي بن سلمان فيما كانت القوات السعودية تتسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم باليمن. واستخدم حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قانون حظي بدعم من الحزبين في الكونغرس كان يرمي إلى إنهاء الدعم الأمريكي للحرب على اليمن.
واستخدم ترامب حق الفيتو ضد ثلاثة مشروعات قوانين للكونغرس تهدف لمنع بيع قذائف دقيقة التوجيه أمريكية الصنع للمملكة. ودعم بن سلمان كذلك في وجه حالة غضب عالمية بسبب اغتيال خاشقجي وحصار قطر، على الرغم من حقيقة استضافة قطر لأكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط. وتستضيف قاعدة العديد الجوية القطرية 11 ألفاً من أفراد الجيش الأمريكي.
علام يحصل آل ترامب مقابل كل هذا؟ كما قال ترامب نفسه: “السعودية تدفع المال“. كان الرجل هنا يتحدث عن صفقات الأسلحة، لكنَّنا نعلم أيضاً أنَّ وفود المملكة وجماعات الضغط التابعة لها دفعت فواتير بقيمة 350 ألف دولار بفنادق ترامب بين عامي 2016 و2017.
لكن طوال كل ذلك، ربما كان الترتيب لانقلاب جارٍ على قدم وساق في المملكة. إذ أغلق بن سلمان محافظة القطيف بذريعة فرض حجر صحي بسبب فيروس كورونا، وهي محافظة مضطربة ذات غالبية شيعية في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في البلاد، يتحدى فيها المحتجون المنتمون للطبقة العاملة منذ عقود القمع الطائفي وعدم توزيع الثروات. ويبدو في الوقت الراهن على الأقل أنَّ وزير الداخلية –الذي اعتُقِل هو نفسه خلال حملة اعتقال الأمراء التي تمت في عطلة الأسبوع- قد أُطلِقَ سراحه. وبين آلام الحرية التي تضرب الشعب المُحبَط الذي يعاني البطالة من ناحية، والأمراء من ناحية أخرى، لم يعد بن سلمان يمثل رهاناً آمناً بل مسيطرا عليه من الرئيس الأمريكي.