أثار الإعلان في تركيا عن السعي تخليد مكان اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بتحويله إلى متحف غضبا شديدا لدى محمد بن سلمان الذي يفشل في مساعيه المستمرة لإنهاء القضية.
وقد عبر بن سلمان في أوساطه المقربة عن غضبه الشديد من الخطوة التركية وهو الذي يعلم أن قضية قتل خاشقجي ستبقى لعنة ستلاحقه على مدى عمره.
وأعلن رئيس جمعية “بيت الإعلاميين العرب” في تركيا، طوران قشلاقجي، أنّ الجمعية تعمل على شراء مبنى القنصلية العامة للمملكة في إسطنبول الذي قتل فيه الصحافي خاشقجي، من أجل تحويله إلى متحف.
ولفت قشلاقجي إلى وجود مشاريع متعددة تهدف لإحياء ذكرى صديقه خاشقجي الذي قتل بوحشية في قنصلية بلاده، وقال: “سنعلن عن ذلك في 2 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. أحد هذه الأعمال هو إنشاء متحف يخلد اسم جمال خاشقجي. ولذلك فإن محاولاتنا لشراء مبنى القنصلية العامة السعودية مستمرة. نعمل على شراء المبنى لتحويله إلى متحف يحمل اسم جمال”.
وقتل الصحافي والكاتب في صحيفة “واشنطن بوست”، جمال خاشقجي، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018، في قنصلية بلاده بإسطنبول، على يد فريق إعدام سعودي خاص قام بتقطيع جثته.
وتحدث قشلاقجي في مقابلته عن صداقته بخاشقجي التي استمرت حوالي 15 عامًا، وأضاف: “كان يقوم بزيارتي كلما قدم إلى تركيا. وبدوري كنت أقوم بزيارته كلما ذهبت إلى السعودية. لقد كان أحد الصحافيين المحبوبين الذين يمتلكون معلومات شاملة حول الشرق الأوسط. إنه كان يعرف المنطقة بشكل جيّد”.
وقال قشلاقجي إنّ خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، اتصلت به يوم الحدث في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 حوالي الساعة 16.30-17.00 وأخبرته أن جمال قد وصل من لندن، وأنها رافقت جمال إلى القنصلية عند الظهر، وأنها تنتظره منذ ساعات في الخارج دون أن تحصل على أي معلومات حول مصيره، طالبة إبلاغ المسؤولين في أنقرة بذلك.
وذكر قشلاقجي أنه لم يكن يعلم أن خاشقجي قد جاء من لندن في ذلك اليوم، وأنه سارع بإبلاغ السلطات المعنية بموضوع جمال حيث بدأت تلك السلطات بأعمال المتابعة.
وأشار قشلاقجي إلى أن مخاوف كثيرة راودته بشأن مصير خاشقجي، وقال: “كان لدينا مخاوف. لأنني أعرف أنظمة الشرق الأوسط جيدًا. في هذه النظم، إذا ذهب رجل إلى مكان ولم يغادره في غضون 5-6 ساعات، فهذا يعني أنه قُتل أو تم التحفظ عليه للحصول على فدية. وبما أن الدول لا تتحفظ على الأشخاص للحصول على فدية فقد قلت لنفسي ربما يتم العثور عليه، وربما يخرج من القنصلية. كنت أعتقد أن ليس بإمكانهم ارتكاب هذا الفعل في تركيا”.
وأضاف قشلاقجي أن جميع المعطيات التي بدأت تصله بعد أسبوعين من الحادث كانت تشير إلى مقتل جمال خاشقجي في القنصلية، وأن جثته تعرضت للتقطيع.
وأشار إلى أنه وبعد مقتل خاشقجي، بدأت وسائل الإعلام الدولية والضمير العالمي إيلاء اهتمام كبير بهذا الحدث، رغم صمت بعض المؤسسات الإعلامية.
وتابع: “رغم تعمد السعودية نشر أخبار كاذبة، إلا أن الضمير العالمي لم يلتزم الصمت. الناس من جميع أنحاء العالم بدأوا بالاتصال، من اليابان إلى الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، وصاروا يتساءلون حول كيفية وقوع مثل هذه الجريمة، وكيف يمكن لدولة أن تفعل ذلك؟ حتى عندما أكون خارج البلاد، كان بعض من يعرفونني هناك يستوقفونني ويسألونني عن ملابسات الحادث”.
وقال قشلاقجي إن “وسائل الإعلام العالمية لا تزال تولي اهتمامًا وثيقًا بالقضية، وإن صحافيين من نحو 40 بلدًا وصلوا إلى تركيا في ظل اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الصحافي السعودي”.
وانتقد موقف الدول الأوروبية في جريمة مقتل خاشقجي، وقال: “كان هناك بعض التصريحات من الدول الغربية، لكنها كانت كلها منافقة وتسعى لاستدرار المال السعودي. الولايات المتحدة كانت في مقدمة هذه الدول. فيما المسؤولون عن الجريمة لم يقدموا لمحاكمة نزيهة حتى الآن”.
ولفت إلى أن تركيا فعلت كل ما تستطيع القيام به لإماطة اللثام عن الجريمة، وكشفت تفاصيلها للعالم أجمع. وقال: صحيح أن الجريمة وقعت داخل تركيا ولكن في القنصلية العامة للمملكة العربية السعودية. لقد كشفت تركيا عن هذه الجريمة التي وقعت في مكان يعتبر أرضًا سعودية وأعلنت تفاصيل الجريمة للعالم كله.
ووصف قشلاقجي تقرير المقرّرة الأمميّة الخاصّة المعنيّة بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد، حول مقتل خاشقجي بـ”الإيجابي”، وقال: “لسوء الحظ، الأمم المتحدة تحولت إلى مؤسسة غير فعالة. جميع أنشطتها باتت عبارة عن إعداد تقارير. آمل أن تقوم الأمم المتحدة بالقيام بما ينبغي في ضوء هذه التقارير”.
وحول تقييمه للقضية المتعلقة بقتلة خاشقجي والتي تجري من نظام آل سعود، قال قشلاقجي: “نحن نعرف أنه لم يتم عقد محاكمة حقيقية ضد قتلة خاشقجي ولا نعتقد أن المحكمة ستنصف الصحافي المغدور”.
وأضاف أن “هذه المحكمة ما هي إلا لذر الرماد في العيون وإبعاد التهم عن القتلة والتملص من المسؤولية. ما يجب القيام به هنا هو اتخاذ المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى خطوات فعالة في هذا الصدد. نحن نتوقع من المؤسسات الدولية المعنية التحرك واتخاذ الإجراءات اللازمة”.
وأضاف قشلاقجي: “حاولت السعودية إنكار جريمة القتل في البداية. وقد أدلى ولي العهد محمد بن سلمان وغيره من المسؤولين السعوديين بتصريحات مختلفة في أوقات مختلفة”، موضحًا أن هذا الوضع يحمل الدولة مسؤولية كبيرة.
وشدد على أن “السعودية تعتبر أحد الأعمدة الرئيسية للعالم الإسلامي، وتوجد بها مكة والمدينة. ومن الخطير للغاية أن نعيش هذه الجريمة وسيظل دم خاشقجي وصمة عار حتى يوم القيامة”.
ولفت قشلاقجي إلى أن وسائل إعلامية عربية تتبع دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وبعض حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بهم اتهمته بـ “بث الأكاذيب”، زاعمة أن خاشقجي “لم يقتل”.
وأضاف: “خلال الشهر الذي أعقب وقوع الجريمة، واجهت الكثير من الأنباء الملفقة والتهديدات الموجهة ضدي”، مشيرًا أنه تنفس الصعداء بعد أن تم الكشف عن جميع جوانب الجريمة.