يتعسف نظام آل سعود بحقوق المرأة على مدار عقود حكمه للمملكة، لكنه عمل على وقع الضغوط الدولية للتخفيف من حدة قضبته في محاولة بائسة لتبيض صورته والتغطية على سجله الأسود بانتهاك حقوق الإنسان.
وسمح نظام آل سعود بتعديل قانون الولاية على المرأة من خلال السماح بها بالسفر دون إذن مسبق.
ويعد قانون الولاية من أكثر القوانين إثارة للجدل في المملكة، إذ يُمكن الأب أو الأخ أو الزوج أو الابن من فرض سلطة قانونية كاملة على المرأة، وهو ما تسبب بحالات هروب عديدة لفتيات نحو دول متعددة مع طلبهن اللجوء والحماية لأن عودتهن قد تسبب لهن القتل أو الحبس المنزلي مدى الحياة.
وانتُقد قانون الولاية القديم من قبل دول ومنظمات عالمية، لأنه “يظلم المرأة ويحتكر رأيها ويأخذ منها حريتها بشكل كامل”.
وقاد أقرت جهات عليا أقرّت تعديلات على نظام وثائق السفر ونظام الأحوال المدنية، تتيح للمرأة استخراج جواز السفر دون اشتراط موافقة ولي أمرها، عكس ما كان معمولاً به في السابق.
وتضمنت التعديلات “منح الحقوق ذاتها للذكر والأنثى فيما يتعلق بحرية السفر إذا تجاوز عمره 21 عاماً”، وأن “يكون تصريح السفر للحضانة والقصّر والمتوفى وليهم فقط”.
وشملت تعديلات نظام وثائق السفر تعديل المادة الثانية, وينص التعديل على أنه “يمنح جواز السفر لكل من يقدم طلباً بذلك من حاملي الجنسية السعودية، وذلك وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية”.
أما الفقرة الثانية، فتنص على أنه يحق “لوزير الداخلية عند الاقتضاء إصدار جواز سفر أو تذكرة مرور بصفة مؤقتة لأي شخص لا يحمل الجنسية السعودية ليستخدمه في سفره خارج المملكة والعودة إليها”.
وتضمنت التعديلات إلغاء المادة الثالثة، التي كانت تنص على أنه “يجوز أن يشمل جواز السفر زوجة حامله السعودية وبناته غير المتزوجات، وأبناءه القصر، وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية”.
وجاء في التعديلات أيضاً أن “يكون منح جواز السفر وتصريح السفر للخاضعين للحضانة والقصر المتوفى وليّهم” وفق المادة الرابعة في النظام, التي كانت تشمل جميع الخاضعين لولاية أو وصاية أو قوامة قبل تعديلها أخيراً.
ومنحت التعديلات المرأة حق طلب الحصول على سجل الأسرة من إدارة الأحوال المدنية، بعد تعديل المادة 50؛ التي تنص على أن “تقع المسؤولية على الزوج إذا لم يتقدم بطلب استخراجه خلال 60 يوماً من تاريخ عقد الزواج”.
وأضافت التعديلات الجديدة الزوجة ضمن مسؤولي التبليغ عن حالة الزواج أو الطلاق أو المخالعة، في وقت كانت هذه المسؤولية حصراً بالزوج دون الزوجة.
وأصبحت المادة 47 بعد التعديلات تقول: إن “على الزوج أو الزوجة التبليغ عن حالة الزواج أو الطلاق أو الرجعة أو التطليق أو المخالعة، ويجوز لوالد الزوج أو والد الزوجة أو أحد أقاربهما القيام بواجب التبليغ”.
ورغم محاولات ولي العهد محمد بن سلمان أن يقود الحقبة الجديدة التي يطلق عليها “سياسة الانفتاح” في البلاد بسلاسة، فإنّ سجونه مليئة بالنشطاء خصوصاً السيدات اللائي طالبن بإلغاء قانون الولاية قبل ذلك، وهو ما يؤدي إلى الاستنتاج أنّ ما تسمى بالإصلاحات ليست إلا عنواناً عريضاً تختفي تحتها الكثير من القضايا.
وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها عام 2017، أنه “على مدار عام تقريباً نظمت النساء بالمملكة حملات لإلغاء نظام ولي الأمر، حيث أعددن هاشتاغات على (تويتر) ظلت رائجة لشهور، وكتبن مقالات تنتقد مختلف جوانب نظام ولاية الأمر، ونشرن شهادات شخصية مُسجلة بالفيديو حول آثار ولاية الأمر على حياتهن، كما أعددن ووزعن أعمالاً فنية حول الموضوع”.
وأضافت: إنه “في سبتمبر 2016 أعدّت نساء سعوديات وسلمن عريضة وقع عليها أكثر من 14 ألف شخص تطالب الملك بإلغاء نظام ولاية الأمر”.
لكن الذي حصل أنّ الكثير من الناشطات السعوديات اعتقلن من قبل السلطات، وبعضهن لم تنته محاكماتهن حتى الآن، حيث كن يطالبن بإلغاء قانون الولاية، كما أنّهن يحاكمن بتهم عديدة منها التحدث إلى الصحافة الأجنبية، والتراسل مع منظمات حقوقية دولية.
وفي منتصف مارس الماضي، بدأت محاكمة ناشطات مدافعات عن حقوق المرأة للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
وتحدث النائب العام بالمملكة، العام الماضي، عن أن الناشطات اعتُقلن للاشتباه في إضرارهن بمصالح المملكة وتقديم الدعم لعناصر معادية في الخارج.
تلك الاعتقالات، وحديث الناشطات عن تعرضهن للتعذيب بشكل مهين للغاية، بحسب العفو الدولية، أدت لتصاعد الانتقادات من قبل الدول الغربية والمنظمات الحقوقية تجاه المملكة وسياسة ولي عهدها الذي يدفعها نحو التغيير الجذري اجتماعياً ودينياً في غياب كامل لأي إصلاحات سياسية ترقى بالبلاد.
ومع كل قانون جديد تمرره الرياض ينقسم المجتمع السعودي بين مرحب وساخط، فتسييس الدين والعزلة التي عاشها الشعب على مدار عقود، دفع بالتغيير الجذري وغير المنضبط فيها إلى حالة من الصدمة والاستغراب، مع وجود قبول وترحيب من جهات فيه.
فقد استندت القوانين السابقة على فتاوى دينية لرجال مقربين من السلطة ويقاسمونها الحكم، حيث إنّ المملكة بنت دستورها في الأساس على شرعية مشتركة بين آل سعود في قمة السلطة السياسية وآل الشيخ في قمتها الدينية.
وفي إطار ذلك يواجه المجتمع السعودي اليوم حالة من التشتت بين الفتاوى التي كانت تحرم مثلاً قيادة المرأة للسيارة، ثم أصبحت جائزة بين ليلة وضحاها بقرار سياسي أتبعه تغليف ديني “مشوه”، وكذلك الأمر اليوم بما يخص قانون الولاية، بحسب مراقبين.
وتسبب إسقاط قانون الولاية بجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بين الرفض الشديد والقبول، فقد قال أحد المغردين السعوديين: “يشتكون ويحذرون من هروب الفتيات الى الخارج، رهف القنون وغيرها. ثم يسهلون عملية هروبها بإسقاط الولاية”.
في حين قالت إحدى المغردات: “الولاية من شرع الله ومن التزم فيها من النساء ابتعدت عن فتن الدنيا ونالت رضا أهلها”، بحسب تعبيرها.
وعلى مدار العامين الماضيين كانت حالات هروب الفتيات السعوديات وطلبهن للجوء تتصدر الصحف والمجلات والمواقع العالمية وتقارير المنظمات الإنسانية عن كيفية “حرمانهن من حقوقهن في التنقل والاختيار”، وفق وصفهن.
وفي 31 يوليو الماضي، طلبت شقيقتان سعوديتان “دعاء ودلال الشويكي” مساعدتهما في عدم العودة إلى بلادهما، وطالبتا بتوفير حماية دولية لهما، بعدما استطاعتا البقاء في تركيا، خلال الأيام الماضية.
كما قالتا إنهما أصبحتا تعانيان من “الحرمان من الدراسة الجامعية، بالإضافة إلى إكراههما على الزواج من رجال لا تريدانهم”.
وفي أبريل 2019، طلبت شقيقتان سعوديتان المساعدة من منظمة الأمم المتحدة للاجئين ومن السلطات في جورجيا؛ بعد فرارهما من المملكة بسبب “الاضطهاد العائلي”.
واستخدمت الشقيقتان مها (28 عاماً) ووفاء (25 عاماً) السبيعي، حساباً على “تويتر” باسم “GeorgiaSisters” لطلب المساعدة، ونشرتا صورتي جوازي سفرهما.
وفي مارس الماضي، تمكّنت شقيقتان سعوديتان أيضاً من الوصول إلى بلد ثالث بعد حصولهما على تأشيرة إنسانية، حيث بقيتا عالقتين في هونغ كونغ طوال ستة أشهر بعد فرارهما من عائلتهما بسبب سوء المعاملة.
وجاء ذلك بعد حصول سعودية أخرى فرت من عائلتها، هي رهف محمد القنون، على اللجوء في كندا إثر توقيفها مطلع يناير في مطار بانكوك.
ويقول متابعون للشأن السعودي إنّ إصدار القرار سيقلل من ضجة حوادث الهروب المتكررة في الشهور الأخيرة، والتي باتت تسبب صداعاً للسلطات السعودية، إذ إنها تزيد من الانتقادات الموجهة للحكومة ولقوانينها، وتفتح ملفات هي بغنى عنها.
وأضافوا أنّ حالات الهروب التي كانت سابقة وما رافقها من تقارير صحفية، وتغير شامل في حياة وسلوك السعوديات اللواتي طلبن اللجوء يفتح الباب واسعاً للتساؤل حول جدية نظام آل سعود في الإصلاح المجتمعي، وإعطاء الحرية لمواطنيه، وسجونه مليئة بمن طالب بتلك الإصلاحات، وما الذي ستفعله عائلات كثيرة في حال هروب بناتهن