أخبار

تخفيضات إضافية في الإنفاق السعودي تلوح في الأفق مع تراجع النفط

يُعد التأثير السلبي للحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين على النمو الاقتصادي العالمي خبرًا سيئًا للغاية بالنسبة للسعودية، إذ من المتوقع أن يؤدي انخفاض الطلب على النفط إلى مزيد من الإضعاف لوضعها المالي وفرض تخفيضات إضافية في الإنفاق الحكومي.

وحتى قبل الصدمة المزدوجة في أبريل — المتمثلة بزيادة الإنتاج النفطي المجدولة وسياسة الرسوم الجمركية العدوانية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب — كانت المملكة بالفعل في وضعية تقشفية، مع تخفيضات في ميزانيات الحكومة والمشاريع المرتبطة برؤية 2030 — برنامج التحول الاجتماعي والاقتصادي الطموح في البلاد — التي بدأ تنفيذها منذ بداية العام.

ومع انهيار الأسعار إلى أدنى مستوياتها خلال أربع سنوات مطلع أبريل، من المتوقع أن تزداد حاجة السعودية إلى الأسواق المالية للاقتراض لتغطية العجز المتزايد في ميزانيتها، مما يثير مجددًا تساؤلات حول قوة اقتصادها غير النفطي، الذي لا يزال ناشئًا رغم نموه السريع.

وفي بداية أبريل، رفعت دول تحالف “أوبك+” مستويات إنتاجها النفطي في خطوة تم التلميح إليها مسبقًا لفك قيود الخفض الذي فُرض لدعم الأسعار منذ أواخر 2022.

لكن سرعة الزيادة فاجأت الأسواق، إذ رفعت ثمانية منتجين رئيسيين — بمن فيهم السعودية — الإنتاج ثلاثة أضعاف ما كان متوقعًا، وهو ما فسره المحللون بأنه محاولة لزيادة الحصة السوقية.

ورغم أن “أوبك+” كانت تأمل في استمرار “الأسس السوقية القوية والتوقعات الإيجابية” كما وصفتها في بيان 3 أبريل، إلا أن الرسالة لم تجد آذانًا صاغية وسط الصدمة التي خلفتها رسوم “يوم التحرير” الجمركية التي فرضها ترامب في اليوم السابق.

وقد تراجعت العقود الآجلة لخام برنت إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات، حيث تم التداول لفترة وجيزة دون 60 دولارًا للبرميل في 9 أبريل.

ولا تزال التوقعات قاتمة، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)، رغم إعلان ترامب عن وقف جزئي للرسوم في نفس اليوم، حيث تتوقع الإدارة عدم وجود أي انتعاش للأسعار قريبًا.

وقالت إدارة معلومات الطاقة في تقريرها لشهر أبريل: “قد يؤدي عدم اليقين في السوق إلى انخفاض النمو الاقتصادي، مما سيؤدي إلى تراجع نمو الطلب على المنتجات البترولية مقارنة بالتوقعات السابقة”.

وأضافت أنه “نتيجة لتزايد العرض وتراجع الطلب، تتوقع الإدارة أن يبلغ متوسط سعر خام برنت أقل من 70 دولارًا للبرميل في 2025، وينخفض إلى ما يزيد قليلًا عن 60 دولارًا في 2026”.

وحتى قبل انهيار الأسعار في أبريل، كانت أسعار النفط أقل بكثير من مستوى 90 دولارًا للبرميل الذي تقدره صندوق النقد الدولي كشرط لتوازن ميزانية السعودية لعام 2025.

ووفقًا للاقتصادي فاروق سوسة من غولدمان ساكس، قد يرتفع العجز المالي السعودي إلى 67 مليار دولار في 2025، مقارنةً بـ27 مليار دولار المتوقعة في الميزانية الحكومية.

ورغم ذلك، فإن الناتج المحلي الإجمالي السعودي الكلي قد لا يتأثر كثيرًا بانخفاض الأسعار، نظرًا لزيادة إنتاج النفط، كما يقول جيمس سوانستون، كبير اقتصاديي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في كابيتال إيكونوميكس، التي تتوقع نموًا بنسبة 4.3% في 2025، ارتفاعًا من 1.3% في العام الماضي.

وبعد أن اقترضت المملكة 14 مليار دولار من ديون بالدولار واليورو هذا العام — أكثر من أي دولة نامية أخرى — قد ترفع السعودية إجمالي الاقتراض إلى 16.5 مليار دولار قبل نهاية العام، وفقًا لتيم كالين من معهد دول الخليج العربي في واشنطن.

وقال سوانستون إن هذا التمويل سيكون مريحًا بالنظر إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في السعودية أقل من 30%، لكن من المرجح أن يصاحبه المزيد من التقشف المالي، مع توقع عجز يتراوح بين 4% و6% من الناتج المحلي الإجمالي.

وأضاف: “سيكون من السهل على الحكومة التعامل مع هذه العجوزات، لكنهم لا يرغبون في استمرار هذا الوضع على المدى الطويل، لذا قد نشهد تخفيضات إضافية في الإنفاق”.

وبعد إبقاء الإنفاق الحكومي شبه ثابت في 2024، أدرجت وزارة المالية تخفيضات بنسبة 4.5% لعام 2025 في ميزانيتها الصادرة في نوفمبر الماضي.

وكانت هناك تقارير أكثر أهمية في مارس من “أرابيان غلف بيزنس إنسايت” (AGBI) حول خفض الإنفاق بنسبة 20% من قبل صندوق الاستثمارات العامة — وهو الصندوق السيادي والداعم الرئيسي لمشاريع رؤية 2030 — عبر محفظته الاستثمارية.

وبينما ذكرت AGBI أن بعض الميزانيات تعرضت لتخفيضات تصل إلى 60%، يحذر المحللون من أن هذه التخفيضات لا ينبغي تضخيمها نظرًا للطبيعة البارزة لكثير من المشاريع.

وقال نيل كويليام، زميل مشارك في معهد تشاتام هاوس “تبنت السعودية العديد من المشاريع الضخمة في آنٍ واحد، لذا كان لا بد من عملية ترشيد وإعادة ترتيب للأولويات”.

وأضاف: “بعض المشاريع ذات الطابع الدولي مثل دورة الألعاب الشتوية الآسيوية 2029، إكسبو الرياض 2030، وكأس العالم لكرة القدم 2034 ستبقى أولوية، في حين سيتم تنفيذ مشاريع أخرى بوتيرة أبطأ”.

ولا تزال المملكة تكافح لجذب استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة، مع تدفقات أقل بكثير من الهدف الرسمي البالغ 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا بحلول 2030، فضلاً عن الهدف الطموح الذي وضعه ولي العهد محمد بن سلمان البالغ 100 مليار دولار سنويًا (أو 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي).

وقد تراجعت صافي التدفقات الاستثمارية بنسبة 40% تقريبًا في الأشهر التسعة الأولى حتى نهاية سبتمبر 2024، وفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية.

وبحسب مراقبين لا تزال هناك فجوة في القدرات المحلية لدفع المشروعات إلى الأمام بشكل مستقل، وهذا يمثل قيدًا حقيقيًا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى