لا يتوقف نظام آل سعود عن تدبير المؤامرات الإجرامية لاستهداف المعارضين السعوديين في الخارج ضمن سياساتها القائمة على القمع والبطش وحظر أي معارضة سلمية لنظام حكمه المجرم.
وكشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن خطط سعودية جديدة لجلب المعارضين السعوديين في الخارج، وتقليل الضرر الذي يمثلونه على سمعة ولي العهد محمد بن سلمان.
وبحسب الصحيفة فإن الغاية من إغراء المواطنين السعوديين في الخارج للعودة هي الخشية من تعطيلهم على خطاب “الإصلاح” المزعوم الذي يروج إليه محمد بن سلمان، وذلك بعد تسعة أشهر على جريمة مقتل جمال خاشقجي، وهو الصحافي الذي خرج إلى منفى إجباري في الولايات المتحدة، وكان ناقدا لولي العهد، وأدى مقتله على يد فرقة قتل سعودية إلى تشويه سمعة المملكة بدرجة كبيرة جدا.
وتقول الصحيفة إنه في محاولة جديدة لمنع السعوديين الذين يعيشون في الخارج من مواصلة التعبير عن قلقهم ونقدهم لقيادة ولي العهد، فإن المسؤولين الآن يحاولون إقناع النقاد والمعارضين بالعودة إلى وطنهم من خلال إعطائهم تأكيدات على أمنهم وسلامتهم في حال عودتهم.
وتنقل الصحيفة عن سعودي يقيم في المنفى، وصله عرض بالعودة، قوله: “عادة ما يتصل بك شخص قريب من القيادة أو وسيط آخر ويقول لك: لدي رسالة شخصية من ولي العهد، يعدك بألا يحصل لك ضرر أو سجن لو قررت قبول عرضه”.
وتبرز أن محاولات جلب المعارضين في الخارج لا تزال قائمة حتى بعد جريمة قتل خاشقجي، الذي كان يقيم في فرجينيا، وأدى مقتله العام الماضي في قنصلية بلاده في إسطنبول، إلى أسوأ أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة منذ هجمات أيلول/ سبتمبر.
وتكشف الصحيفة عن أن انزعاج القيادة العليا من السعوديين المنفيين أدى بالديوان الملكي إلى طلب إعداد دراسة حول هذا الموضوع، وذلك بحسب شخصين يعلمان بالأمر، مشيرة إلى أنه لن يتم نشر الدراسة التي لا تزال تحت المراجعة، إلا أنها تقدر عدد طالبي اللجوء السعوديين بـ50 ألف شخص، وذلك بحلول عام 2030.
وبحسب الصحيفة فإن الدراسة أوصت الحكومة بتبني نهج لين مع المعارضين، وتقديم محفزات لهم للعودة، بدلا من الضغط عليهم، أو زيادة مقاومتهم للعودة. في المقابل فإن عددا صغيرا من الإسلاميين السعوديين لجأوا في التسعينيات من القرن الماضي إلى العواصم الغربية، خاصة لندن وواشنطن، وعاد بعضهم بعد صفقات مع الحكومة، إلا أن عددا أكبر بات يبحث عن طرق للجوء إلى الخارج في السنوات الأخيرة، بعدما انحسرت مساحة النشاط وحرية التعبير في المملكة.
وتفيد الصحيفة بأنه في الوقت الذي لم تعلق فيه الحكومة على الموضوع عندما طلبت منها “فايننشال تايمز”، إلا أن إحصائيات نشرتها مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة أظهرت أن هناك ما لا يقل عن 815 سعوديا تقدموا بطلبات لجوء في عام 2017، مقارنة مع 195 طلبا في عام 2012، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة وكندا وألمانيا تعد الوجهات المفضلة لطالبي اللجوء السعوديين.
وتشير إلى أن من بين هؤلاء طلابا أرسلتهم الحكومة للدراسة في الخارج، لكنهم قرروا عدم العودة، بالإضافة إلى أن هناك نساء فررن من نظام الوصاية، الذي يمنح الرجل السلطة على حياتهن، لافتا إلى أنه لا توجد منظمة أو مظلة تجمع المنفيين السعوديين معا، إلا أن تعاونهم واتصالهم يمثل تحديا جديدا للحكومة السعودية، التي تحاول البحث عن طرق لجذب المستثمرين الخارجيين؛ بغرض دعم خطط ولي العهد ورؤية 2030.
وتورد الصحيفة نقلا عن ناشط سعودي يقيم في أوروبا، قوله: “ما يثير القلق الكبير هو أن هذه المجموعة تقوم بعمليات لوبي في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكونغرس في الولايات المتحدة”، وأضاف: “لقد قاموا بدور مركزي في ردة الفعل السلبية ضد السعودية في الأشهر الأخيرة؛ لأنهم كانوا يعملون بطريقة غير مسبوقة، ولو ظلوا صامتين لنسي المجتمع الدولي وتحرك للأمام”.
وتذكر الصحيفة أن تقارير صحافية محلية سعودية في عام 2016 كشفت عن تحذيرات ومخاوف مجلس الشورى، الذي يعين أعضاؤه من الملك، من وجود مليون سعودي في الخارج، وطالب السلطات بـ”التحقيق في هذه الظاهرة وأسبابها قبل أن تتحول إلى ورطة اجتماعية وسياسية”.
وتنبه إلى أن المقررة الخاصة في قضايا القتل خارج القانون في الأمم المتحدة أصدرت تقريرا الشهر الماضي، قالت فيه إن هناك أدلة موثوقة تشير إلى أن ولي العهد والمسؤولين البارزين في الحكومة السعودية ضالعون في مقتل خاشقجي، ودعت إلى تحقيق مستقل في جريمة قتله، في الوقت الذي رفضت فيه السعودية هذا التقرير ووصفته بالمتحيز.
وتقول الزميلة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إيمان الحسين، إن طريقة التغيير الاقتصادي والاجتماعي من أعلى إلى أسفل أسهمت في خلق حالة استقطاب داخل السعودية، ودفعت بعض الناس للخروج، حتى إن لم تكن دوافعهم سياسية محضة.
وتختم “فايننشال تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول الحسين إن “مناخ الخوف وعدم الوضوح الناتج عن التغيرات الجذرية التي تم تطبيقها حتى هذا الوقت، قد تستفيد الدولة منه لو كانت هناك مساحة للنقاش الذي يؤدي إلى تعددية في الآراء”، وأضافت: “لو تم تعزيز موقف وسطي فإنه كان يمكن من خلاله احتواء الأمور في داخل البلد”.